دليلك لأهم كتب الفلسفة السياسية | الجزء الأول
يهتم بدراسة الفلسفة السياسية كل من متخصصي الفلسفة وباحثي العلوم السياسية

تُعد كتب الفلسفة السياسية أحمد الفروع المعرفية الأساسية المؤسسة لحقل العلوم السياسية، وربما لا نكون مبالغين أن الفلسفة السياسية تمثل الجذور التاريخية لعلم السياسة الذي نشأ في العصر الحديث، بعبارة أخرى أن قضايا السياسة والحكم والدولة كانت محل اهتمام الفلاسفة لقرون مضت قبيل أن يتطور علم السياسة في صورته المعاصرة ويصير أحد روافد العلوم الاجتماعية، وفيما يلي نعرض لعدد من الكتب التي تناولت هذا الفرع المعرفي “الفلسفة السياسية”.

اقرأ أيضًا: تعرف على أهم كتب مقدمات العلوم السياسية (1)

1- مقدمة في فلسفة السياسة – التيجاني عبد القادر حامد

كتاب صغير الحجم يُقدم عرضًا موجزًا للفلسفة السياسية في الفكرين الغربي والإسلامي، من أفلاطون إلى جون رولز ومن الفارابي إلى ابن خلدون، لم يستهدف المؤلف التعمق في جميع القضايا والإشكاليات التي طرحها وناقشها كبار فلاسفة السياسة، وإنما اكتفى بالمسائل الكبرى في حقل الفلسفة السياسية، مثل كيفية نشأة الدول وكيفية انهيارها، مشروعية القيادة، العلاقة بين السياسة والأخلاق وغير ذلك، واتبع المؤلف منهج تحليل النصوص ومنهج التحليل المقارن للأفكار في إطار عرضه ودراسته للأعمال الرئيسية لكبار الفلاسفة السياسيين .

الكتاب مكون من ثلاثة فصول، وقد بدأ المؤلف ببيان معنيي “الفلسفة” و”فلسفة السياسة”، ثم انتقل في الفصل الأول لتوضيح الفكر السياسي في التراث الإغريقي، فأبرز فكرة القانون، ومفهوم الدولة عند كل من أفلاطون وأرسطو، وكيف تأثر الفكر الأوربي فيما بعد بالتراث الإغريقي، وكانت “الفلسفة السياسية الإسلامية” موضوع الفصل الثاني فتناول عددًا من كبار الفلاسفة والمفكرين والفقهاء من خلال مؤلفاتهم الرئيسية، فتحدث عن الفارابي ونظريته للإمامة، والرؤية السياسية لابن سينا، وفلسفة السياسة عند الماوردي، والفكر السياسي للغزالي، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية، ونظرية الدولة عند ابن خلدون.

جاء الفصل الثالث بعنوان “الرؤية القرآنية لقضايا فلسفة السياسة”، فوضح كيف يتم الربط بين الأخلاق والسياسة في الرؤية القرآنية، وهل المطلوب أن تتحق سيادة القانون أم سيادة الدولة؟ ورسم ملامح العلاقة بين بين كل من الدولة والمجتمع والأنشطة الاقتصادية، وفي الأخير فهذا الكتاب على صغر حجمه فهو مهم ومفيد لتوضيح أهم ملامح الفلسفة السياسية الغربية والإسلامية.

2- الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس – أميرة حلمي مطر

ترى مؤلفة الكتاب أن الفلسفة السياسية تتساءل كيف يمكن للقوة أن تتوافق مع المعقولية في المجتمعات؟ وأن المعاني الأساسية للسياسة تدور حول القوة وكيفية تنظيمها في المجتمع، ومن ثم فقد سعت في كتابها إلى البحث في جذور نشأة هذه الفلسفة بالعودة إلى عصر سقراط والسفسطائيين لكونهم أول من قدم بذور الفلسفة الكلاسيكية.

قسمت المؤلف كتابها إلى جزئين كبيرين، تناول الأول الفلسفة القديمة أو الكلاسيكية في ثلاثة فصول، فبدأت الفصل الأول بالحديث عن أفلاطون ونشأة الديمقراطية الأثينية وكتابه “الجمهورية” والحكومتان الأوليجاركية والديمقراطية، ثم جاء الفصل الثاني ليتحدث عن أرسطو وكتابه “السياسة” الذي أظهر فيها فلسفته السياسية وكيف فسر نشأة دولة المدينة، والمنزلة التي أعطاها للمدينة.

اهتم الفصل الثالث بالفلسفة السياسية في الإسلام وكيف وجد المسلمون في القرآن والسنة أهم أركان التشريع التي ساورا عليها في تنظيم مجتمعاتهم، وكيف تأثر الفلاسفة المسلمين بهذا، وقامت المؤلفة باتخاذ نموذجين لتوضيح ذلك هما الفارابي وابن خلدون.

في الجزء الثاني من الكتاب تناولت الكاتبة الفلسفة السياسية في العصر الحديث، فتناولت في فصول أربعة كلًا من هوبز وجون ولوك وهيجل وأخيرًا الاشتراكية وذلك بغرض بيان أهم مدارس الفلسفة السياسية في الغرب.

صور لعدد من فلاسفة السياسة الغربيين في العصرين الإغريقي والحديث
صور لعدد من فلاسفة السياسة الغربيين في العصرين الإغريقي والحديث

3- الفلسفة السياسية – الشيخ كامل محمد عويضة

يتناول مؤلف الكتاب الحديث عن الفلسفة السياسية من خلال مناقشة عددًا من المفكرين وأفكارهم بخصوص الدولة والحكم والسياسة، فبدأ بالحديث عن أسبرطة وأثينا كنماذج لحكومات المدن الإغريقية القديمة التي لم تعرف وقتها القبيلة أو الأمة كوحدة للنظام السياسي، ثم انتقل للحديث عن أفلاطون ومحاوراته الأساسية مثل محاورة الجمهورية ومحاورة السياسي، وكيف طرح أفلاطون معنى العدل، وكيف رأى أن الحاكم ينبغي أن يكون فيسلوفًا، وأن الإصلاح السياسي لا ينفصل عن الإصلاح الأخلاقي لأن السياسة لا تنفصل عن الأخلاق.

تعمق المؤلف في فحص المشكلة السياسية عند أفلاطون في سعيه لإقامة العدل بين الناس، لأن سيادة العدل في رأيه هي دليل على نجاح السلطة الحاكمة، وانعكاس لوجود مجتمع فاضل تسوده أخلاق المحبة والتعاون والإخاء، وقد رأى أفلاطون أن إقامة العدل على المستوى الفردي لابد له من تحقيقه أولًا على المستوى الجماعي أو الكلي، أي ضرورة وجود العدالة على مستوى الحكومة أو الدولة.

انتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن “فضيلة المعرفة” وكيف ناقش أفلاطون كل ما يمس الواقع في كتابه “الجمهورية” فتحدث عن الرجل الصالح والحياة الصالحة وكيف يمكن التعرف على الخير، وما السبيل إلى الحصول عليه، وكذلك هاجم أفلاطون أيضًا رجال السياسة لجهلهم وعدم كفايتهم وهو ما اعتبره نكبة على الحكومات الديمقراطية.

جاء الدور بعد ذلك على عدد من المفاهيم والقضايا التي تعرض لها أفلاطون مثل الدولة وتبادل الحاجات وتقسيم العمل والطبقات والملكية والأسرة والتعليم، قبل أن ينتقل للحديث عن أرسطو وكتابه السياسة وكيف تأثر بأفلاطون في محاوراته، وأهم المواضيع التي تناولها مثل أنواع الحكومات والقوى الاجتماعية الموجهة للنظام السياسي، وكيف تنشأ دولة المدينة، وما أبرز معالم فلسفته السياسية، وما الأسباب التي تؤدي إلى قيام الثورات في كل من الديمقراطيات والأرستقراطيات والأوليجرشيات.
الجزء الأخير من الكتاب تناول الفلسفة السياسية عند الفارابي ورؤاه في خصال المدينة الفاضلة ومضاداتها وآراء أهل المدينة الفاضلة ونظرية الحاكم الفيلسوف والنبي وكيف تُصنف المدن، وختم كتابه بالحديث عن ابن خلدون وفلسفة التاريخ عنده، وما صفات الحكام عنده.

اقرأ أيضًا: دليلك لأهم كتب النظم السياسية المقارنة (3): الأدبيات النظرية

4- الفلسفة السياسية من المفهوم الكلاسيكي إلى البيواتيقا – مختار عريب

سعى مؤلف الكتاب إلى تقديم نظرة عامة عن الفلسفة السياسية باستخدام المنهج التاريخي، لأن هناك –من وجهة نظر المؤلف- ارتباطًا وثيقًا بين الفلسفة السياسية والتاريخ، ويؤكد الكاتب أن استعمال المنهج التاريخي لا يعني أن الفلسفة السياسية تعني تاريخ الأفكار، فالإشكالية الرئيسية التي تطرحها الفلسفة السياسية هي الأزمة بين الفرد والدولة وما هو أحسن نظام سياسي يمكن أن يقضي عليها أو على الأقل يقلل من حدتها، وبناء عليه فقد قسم الكتاب إلى محورين رئيسين؛ الأول تناول الفلسفة السياسية بمفهومها الكلاسيكي، والثاني الفلسفة السياسية بمفهومها الحديث والمعاصر.*
في المحور الأول قدم بنظرة عن الفلسفة السياسية من حيث ميلادها في الفكر اليونان وفي الشرق ومفهومها وعلاقتها بعلمي الاجتماع والسياسة، قبل أن ينتقل لأهم نماذج الفلاسفة السياسيين القدماء، فتحدث عن أفلاطون ومثاليته القائمة على الانقطاع الموجود بين العالم المحسوس والعالم المعقول، ووضح أهم مبادئه الفلسفية وكيف رأى تطبيقها في ميدان السياسة.
أما أرسطو فقد اعتبره مؤرخو الفلسفة مؤسس المذهب الواقعي الوضعي الذي رفض تقسيم أفلاطون وأقر بأن العالم جسم واحد، وكيف ميز بين ثلاثة علوم؛ هي العلم النظري والعلم العملي والفن، ثم تناول الفارابي كنموذج للفلاسفة السياسيين المسلميين، وكيف سعى لتخطي الواقع –ما هو كائن- للبحث عما ينبغي أن يكون، وأهم المفاهيم الأساسية عنده وهي الاجتماع الإنساني والمدينة الفاضلة والرئيس والمدينة غير الفاضلة.
في المحور الثاني تناول الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة، فبدأ بتوضيح أن الفلسفة السياسية الحديثة ركزت على الواقع أو ما هو كائن بخلاف الكلاسيكيين الذين اهتموا بالمثاليات وما ينبغي أن يكون، كما أنها –أي الفلسفة الحديثة والمعاصرة- لم تعد تعتبر الإنسان كائنًا مدنيًا وأن الظاهرة السياسية ليست طبيعية كما زعم الكلاسيكيون.
بدأ المؤلف بالحديث عن توماس هوبز وجان جاك روسو اللذين افترضا وجود مرحلة طبيعية تسبق المرحلة المدنية والسياسية، إلا أنها اختلفا من ناحية أخرى، فهوبز كان يرى أن الصراع أصل وأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وهو ما رفضه روسّو الذ أكد على الطبيعة الخيرة للبشر.
انتقل الكاتب بعد ذلك ليتحدث عن المرحلة المعاصرة، والتي قسمها لثلاثة مراحل؛ هي مرحلة الركود التي بدأت مع نهاية عصر الأنوار واستمرت إلى منتصف القرن العشرين تقريبًا، حيث تراجع الاهتمام بالمذاهب الكبرى والأنساق الفلسفية في مقابل الاهتمام بالإنسان الواقعي، قبل أن تعود الفلسفة السياسية وتشهد مرحلة انتعاش نتيجة التطور الهائل الذي شهدته الأنظمة الليبرالية وما نتج عنه من ظهور إشكالية تحقيق العدالة، إلى أن ظهر مصطلح البيواتيقا الذي يبحث عن أن يكون وسطًا بين ما هو أخلاقي/ فردي وما هو سياسي/ جماعي، والمرجعيات الأخلاقية وحدود تدخل السلطة فيها.