قبل أكثر من ألفي عام، أرسى أرسطو قواعد الدراما في كتابه الشهير “فن الشعر”، ولا زالت البنية الدرامية للأعمال السردية كما حددها؛ تأخذ شكلاً أساسيًا مكونًا من ثلاثة فصول. ومع ظهور فن كتابة السيناريو الدرامي، تطوّرت أشكال مختلفة للبناء الدرامي للأفلام والمسلسلات، تماشيًا مع التعقيدات والإمكانات التي وفرتها وسائط السينما والتلفاز والمنصات الرقمية.
من بين أهم المصادر التي اعتنت بتقديم وتحليل البناء الدرامي، يأتي كتاب (Save The Cat! The Last Book on Screenwriting You’ll Ever Need)، الذي وضع فيه مؤلفه السيناريست الأمريكي المعروف بليك سنايدر، مخططًا للهيكل الدرامي للأفلام السينمائية. في هذا المقال، ومن خلال مخطط بليك سنايدر، نتناول تحليل البناء الدرامي لفيلم (Fury)، إنتاج عام 2014م، ومن تأليف وإخراج ديفيد آير.
تحليل البناء الدرامي لفيلم Fury وفق مخطط بليك سنايدر
وفقا لتصنيف بليك سنايدر للنوع الفيلمي، ينتمي هذا الفيلم بشكل رئيسي إلى الصوف الذهبي (Golden Fleece)، وإلى النوع الفرعي الصوف الملحمي (Epic Fleece).
المشهد الافتتاحي – Opening Image
جندي نازي يمتطي حصانًا أبيض وسط الدمار الذي خلفه مشهد المعركة. هناك حصارتفرضه الدبابات. فجأة يقفز الرقيب الأمريكي دون “وردادي” كوليير (براد بيت) من إحدى الدبابات ويقتل الجندي النازي ويطلق سراح حصانه الأبيض.
التمهيد – Set Up
أبريل 1945م، الحرب العالمية الثانية. يدير وردادي طاقم دبابة شيرمان تابعة للجيش الأمريكي، ويضم طاقمه خمسة جنود آخرين. هدفهم في هذه الحرب حتى الآن هو التقدّم عبر الريف الألماني وإنقاذ الجنود الأمريكيين في المدن الإقليمية، ومحاربة وإضعاف قوات الأمن الخاصة الألمانية SS. وردادي رجل صلب. لقد شهد دمارًا لا يصدق. وهذا يؤثر عليه كرجل وصديق وجندي بلا شك. لكن وردادي ليس لديه أفكار للتوقف أو التراجع، وإنما هو مستعد لأكبر مهمة له حتى الآن: التقدّم إلى “قلب ألمانيا النازية”، خلف خطوط العدو، على أمل مساعدة قوات التحالف على كسب الحرب ضد النازية.
تحديد التيمة – Theme Stated
جنديان يتحدثان عن الدين وكيف تغيرت آراؤهما بعد رؤية الدمار الذي خلفته الحرب: “انتظر حتى ترى ما يمكن أن يفعله رجل برجل آخر”.
العامل المحفز – Catalyst
يتقدم الجندي المبتدئ نورمان إليسون (لوجان ليرمان)، إلى الرقيب وردادي، ليكون المساعد الجديد لسائق الدبابة. نورمان شاب رقيق الكلام، خجول، عصبي، سهل الانقياد، قضى حياته المهنية في الجيش في العمل ككاتب على الآلة الكاتبة. فورًا يُظهر وردادي القلق من عدم أهلية نورمان للمهمة.
الجدال – Debate
هل سيترك وردادي نورمان في طاقم دبابته؟ هل نورمان مناسب لهذه المهمة الجديدة شديدة الخطورة في سبيل كسب الحرب؟ هل سينجو نورمان بأساليبه الدينية التي لم تدنّس بعد بتجارب الحرب المروعة؟ هل سيعانق الجنود الآخرون نورمان أم سيتنمرون عليه؟ ماذا سيحدث لوردادي ورفاقه في هذه المهمة الجديدة الخطيرة؟
بداية القسم الثاني من الفيلم – Break into Two
يوافق الرقيب وردادي على السماح لنورمان بالانضمام إلى طاقم دبابته، وتبدأ مهمتهم.
اللهو والمرح – Fun and games
القصة الرئيسية نتابع فيها نورمان الساذج وهو يدخل في عالم من العنف والفوضى. كل محطة جديدة تعلم هذا الشاب شيئًا جديدًا عن العنف والحرب والحياة.
القصة الفرعية نتابع فيها تعليقات أفراد الطاقم الآخرين، حول ما يجب أن يعلّموه لنورمان، وما يعتقدون أنه ضروري في الحرب، والتفاعلات التي تربطهم ببعضهم البعض.
يقود وردادي قواته في عمق الريف الألماني. يستمر نورمان في التدريب والمساعدة في مهام القيادة، يجب على نورمان أيضًا أن يراقب تهديدات القوات الخاصة الألمانية SS الضارة الوشيكة. عندما يرى نورمان جنديا من القوات الخاصة، ويكتشف أنه شاب صغير، يتردد في دق ناقوس الخطر، ويكاد هذا أن يكلفه حياة طاقمه.
عندما يعلم وردادي بهذا الخطأ، يلقّن نورمان درسًا، يسلمه مسدسًا ويطالبه بقتل جندي القوات الخاصة. يرفض نورمان في البداية، ولكنه ينصاع في النهاية. يخبره وردادي أنه إذا أراد البقاء على قيد الحياة في مثل هذه البيئة الفوضوية التي مزقتها الحرب، فعليه أن يتعلم القتال. وألا يتوقف عن القتال.
يواصل وردادي وطاقمه رحلتهم. يكتشفون قرية مهجورة ويوافقون على البقاء في الليل. يبحث وردادي ونورمان عن مأوى في مبنى سكني مهجور. هناك، يلتقي نورمان بامرأة. وكذلك وردادي. وبينما يحرص أفراد الطاقم الآخرون على الإهانة والتسبب في مشاكل مع سكان البلدة المحليين، لا يبحث نورمان ووردادي عن أكثر من الهدوء والطعام.
منتصف الفيلم – Midpoint
نورمان ووردادي يتناولان العشاء مع امرأتين ألمانيتين. يعجب نورمان بإحدى النساء وينتهي به الأمر معها إلى علاقة حميمة. هذه اللحظة التي تبدو محبة ومسالمة (نصر زائف) سرعان ما يتم تخريبها.
عودة الأشرار – Bad Guys Close in
يأتي تخريب اللحظة السابقة على أيدي زملائهم من أفراد الطاقم، حين يدخلون في حالة سكر، ويبدأون في التصرف بشكل غير لائق مع النساء الألمانيا ، ويضطر وردادي توبيخهم. عند مغادرتهم الشقة المهجورة، تأتي الأنباء بأن جنود القوات الخاصة يقتربون. يتعرض الجنود الأمريكيون للهجوم فجأة وتدمر مباني القرية، بما في ذلك الشقة المهجورة التابعة لمحبوبة نورمان. يركض نورمان ليجد محبوبته لقيت مصرعها بين أنقاض المبنى.
تستمر دبابة شيرمان في رحلتها. المحطة التالية هي مزرعة في الريف. يبدو أن الجنود الألمان كانوا يعرفون أنهم قادمون وانتحروا قبل وصولهم. ومع ذلك، عند الوصول إلى المزرعة، يحدث انفجار نتيجة اصطدام الدبابة بلغم أرضي، ويصبح وردادي وطاقمه عالقين في مكانهم. يعيدون التمركز في مواقعهم، ليفاجأ نورمان أثماءنوبته في المراقبة اقتراب مجموعة كبيرة من القوات الخاصة، ومع أن عددهم 300 جندي إلا أن طاقم الدبابة يقررون البقاء ومواجهة هذا الكم الكبير رغم تدني فرصتهم في النجاة من هذه المواجهة.
الخسارة التامة – All is Lost
يقاتل وردادي وجنود طاقمه قوات الأمن الخاصة. وعلى الرغم من جهودهم الكبيرة في القتال، إلا أنهم مستنزفون. كل شخص داخل الدبابة إما ميت أو يحتضر في طريقه إلى الموت، لا يتبقى سوى نورمان.
الانكسار – Dark Night of the Soul
ليس حول نورمان سوى الدمار الشامل والحرائق وجثث الموتى. لقد انتصر جنود القوات الخاصة. مع وفاة وردادي يعطي كلماته الأخيرة لنورمان “لا تتوقف عن القتال أبدًا”.
بداية القسم الثالث من الفيلم – Break into Three
من أجل البقاء على قيد الحياة، ينزلق نورمان من فتحة إلى أسفل دبابتهم الشيرمان. يلاحظه جندي من قوات الأمن الخاصة، ومع يقين نورمان أن هذا الجندي سيقتله حالاً، إلا أنه يخالف توجيهات التدريبات السابقة، ولا يبادره بالعنف، وإنما يرفع يديه مستسلمًا والدموع في عينيه.
النهاية – Finale
يتظاهر الجندي الألماني أنه لا يرى نورمان تحت الدبابة، ويتركه على قيد الحياة. ينجو نورمان بسبب عدم لجوئه للعنف في تلك اللحظة. وقبل أن يسقط نائما من شدة الإعياء، يلمح أقدام حصان بيضاء تمر من جوار الدبابة، كما في المشهد الافتتاحي.
مشهد النهاية – Final Image
جنود أمريكيون قادمون للإنقاذ. رغم الدمار المنتشر في كل مكان، سيعيش نورمان، وكما طمأنه زميله الجندي “ستنتهي الحرب قريبًا”.