كتاب مقدمة في العلوم السياسية لمايكل روكسن وروبرت كورد وآخرين، يُعد مؤلفًا مفيدًا للمتخصصين من دراسي العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية، كما تؤهله سهولة أسلوبه كي يناسب القارئ غير المتخصص الذي يريد أن يعرف الملامح العامة لهذا الفرع من فروع المعرفة. الكتاب صدر منه باللغة الإنجليزية 14 طبعة، وترجمت إحدى طبعاته إلى اللغة العربية، وصدرت عن دار الفجر للنشر والتوزيع عام 2015، وسوف نقدم عرضا تفصيليا لمحتويات الكتاب وفصوله في عدد من الحلقات.
مقدمة في العلوم السياسية
يبدأ الفصل الأول من كتاب “مقدمة في العلوم السياسية”، بالحديث عن طبيعة السياسة وتعريفات العلوم السياسية، وأنه لا يُشترط لممارس السياسة أن يدرس العلوم السياسية بشكل أكاديمي، إلا أن العلوم السياسية تساعد ممارسي السياسة عبر تقديم تقييمات أكثر دقة وموضوعية تجاه الواقع.
هناك عدة تقسيمات للفروع المعرفية داخل العلوم السياسية، هذه التقسيمات تزداد مع الوقت نتيجة تراكم المعرفة من ناحية، وطبيعة التغيرات الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى، لكن هناك شبه اتفاق على المعارف الآتية:
- النظرية السياسية الكلاسيكية والحديثة: وهي تبحث في المفاهيم الأساسية كالخير والعدل والحرية، وعن أهم المفكرين السياسيين وإسهاماتهم.
- السياسة المقارنة: وفيه تُدرس المؤسسات والأحوال السياسية في الدول بشكل مقارن، من أجل الوصول إلى قواعد يمكن تعميمها.
- العلاقات الدولية: تدرس العلاقات بين الدول، سلمًا حربًا، والمنظمات الدولية والاقتصاد السياسي الدولي، وغيره من القضايا العابرة لحدود الدولة الواحدة.
- الإدارة العامة: وتدرس طريقة عمل البيروقراطيات الحكومية وكيفية تطويرها.
- القانون الدستوري: يدرس تطبيقات الدستور وتطوره من الوجهة القانونية.
- السياسة العامة: يدرس البرامج والقرارات والإجراءات المتعلقة بالأحوال السياسية والاقتصادية في الدولة والمجتمع.
علاقة العلوم السياسية بغيرها من العلوم
أطلق أرسطو على علم السياسة سيد العلوم The Master Science، وقصد هنا أنها ترتبط بكل تفاعلات الحياة، بشكل مباشر أو غير مباشر. ولذلك فعلم السياسة يرتبط بعدد كبير من العلوم، فالتاريخ يُعد مصدرًا رئيسيًا للحصول على المعلومات لباحثي العلوم السياسية، والجغرافيا البشرية لكونها ترسم الإقاليم والحدود التي هي موطن الصراعات السياسية، والاقتصاد هو صنو السياسة وكثيرًا من الصراعات السياسية أصلها يرجع إلى الصراع على الموارد الاقتصادية، وعلم الاجتماع يدرس الطبقات والثقافات والأديان، ما ينعكس بالضرورة على عالم السياسة، والأنثروبولوجيا الذي تدرس الإنسان وتصرفاته والقبائل وأدوراها وهو ما يرتبط بالثقافة السياسية.
مفهوم القوة
من المفاهيم الأساسية التي تهتم بدراستها وتحليلها هو مفهوم وظاهرة القوة (السلطة) Power. هناك عدة مداخل وتفسيرات لهذا المفهوم المركزي؛ منها التفسير البيولوجي ويقر بأن الناس بطبيعتهم البيولوجية يحتاجون إلى بعضهم ولا يمكنهم العيش منفردين، وعلى هذا الاجتماع تنشأ السلطة والقوة. وهناك التفسير النفسي الذي يُعنى بقابلية البشر للانصياع للأوامر، باعتبار أن وجود السلطة يعني وجود آمر ومأمور. وهناك التفسير الثقافي الذي يهتم بدراسة تأثير أنماط التربية والتنشئة الاجتماعية على السياسة. وأخيرًا هناك التفسير العقلاني الذي يزعم أن الإنسان كائن عاقل دائمًا يعرف ما يريده، ولديه دوافع منطقية وراء اختياراته وتصرفاته.
الشرعية والسيادة والسلطة
هي ثلاثة مفاهيم أساسية في العلوم السياسية، كيف تُنال الشرعية، كيف نصف حاكمًا أو حكومة ما بأنها شرعية أو غير شرعية، هل عندما توفر الحد الأدني من مطالب المحكومين؛ أو عندما يكون طريقة وصولها للحكم تم برضا المواطنين، هل هناك شرعية كاملة وأخرى منقوصة؟، كل هذه أحوال ومسائل مهمة في عالم السياسة.
كذلك مفهوم السيادة والذي كان يعني قديمًا سلطة الملك على مملكته، ثم اتسع ليشمل السيادة الوطنية على الأرض أو الإقليم المشكل للدولة، أما السلطة فتهتم فتمثل قدرة القادة على حمل المواطنين على طاعتهم، ومصادر السلطة مختلفة، فأحيانًا لا تأتي إلا مع المناصب وأحيانًا نتيجة كاريزما أو زعامة دينية أو قبلية.
النظريات
النظريات هي أساس التفكير في الأشياء. ولما كانت المواقف والأحداث لا يمكن حصرها، فكان لابد من وضع أُطر للتفكير فيها. على سبيل المثال: ما العنصر الذي ينبغي التركيز عليه في دراسة السياسة؛ هل هو المجتمع أم الحكومة والدولة؟ هنا تأتي النظريات السياسية لتحل لنا هذا الإشكال.
يعرض الفصل للنظريات الكلاسيكية المتمثلة في آراء وأفكار أفلاطون وأرسطو، ثم ينتقل للحديث عن ميكافيللي وأطروحاته عن السلطة وكيفية الحصول عليها واستخدامها، ثم ينتقل للحديث عن مُنظري العقد الاجتماعي مثل توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسُّو، ثم تحدث عن النظرية الماركسية وتركيزها على العوامل الاقتصادية وصراع الطبقات.
تناول الفصل بعد ذلك عدة مداخل واقترابات أنتجتها العلوم السياسية، سواء أنتجها دراسو العلوم السياسية بأنفسهم أو استعاروها من علوم أخرى، مثل النظرية السلوكية واهتمامها بالدراسات الإحصائية وقياسات الرأي العام باعتبارها الوسيلة الأمثل لفهم السلوك السياسي، والمدرسة المؤسسية الجديدة التي تُعني بالدور الذي تؤديه المؤسسات والبيروقراطية الحكومية، وكذلك إسهام العالم الأمريكي ديفيد استون في فهم التفاعلات السياسية عبر نظرية النظم، ونظرية التحديث التي تحاول أن ترسم علاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية، ونظرية الاختيار العقلاني أو الرشيد الذي يرى إمكانية التنبؤ بالسلوك السياسي عبر معرفة مصالح الفاعلين، بزعم أنهم سيتخذون قرارات ومواقف تدعم مصالحهم.
جاءت كل هذه النظريات والمداخل ليضيف كلٌ منها إلى الآخر، وفي الأخير لا يمكن الزعم أن هناك اقتراب واحد يمكن من خلاله فهم جميع ظواهر السياسة، بل هناك مدخل يفيد في فهم ودراسة ظاهرة ولا يقدم إجابات ولا تفسيرات لظاهرة أخرى.
الإيديولوجيات السياسية
تعني الإيديولوجيا من الناحية اللفظية: علم الأفكار Ideology. ويمكن تعريفها بأنها “صورة لفظية للمجتمع الجيد والوسائل الرئيسية لبناء هذا المجتمع”، وهي تمثل الجانب العملي التطبيقي في عالم السياسة. بعبارة أخرى: الإيديولوجيا هي نظريات مُبسطة من أجل الجماهير.
الليبرالية الكلاسيكية والحديثة
الليبرالية الكلاسيكية أولى الإيديولوجيات التي عرضها الكتاب، والتي رأت أن المجتمع ينبغي أن يكون متحررًا قدر الإمكان من تدخل الحكومة، وأن أفضل الحكومات هي التي تقدم حدًا أدنى من التدخل في شئون المحكومين. ثم جاءت اليبرالية الحديثة Modern Liberalism التي ناقشت معضلة “جور” التطور الاقتصادي على الحرية، وما العمل إذا كان التفاوض بين طرفين غير متكافئين، مثل المالك الثري للعمل والعامل أو الموظف الفقير، في حالة إن عرض الأول على الثاني أجرًا قليلًا للغاية لدرجة تجعل العامل تحت خط الجوع والفقر. الليبرالية الحديثة تقول إنه لابد أن تتدخل الحكومة لضمان حرية العيش على نحو مقبول.
التيار المحافظ (الكلاسيكي والحديث)
اختلف مفكرو هذا التيار مع الليبرالية لأنها تضع ثقة مفرطة في العقل البشري. وفي الحقيقة فإن الناس لا يتعاملون دومًا بالرشادة في كل وقت، كما أن المؤسسات التقليدية ليست سيئة تمامًا، لأنها نتاج مئات السنين من التجربة والخطأ، وقد اعتادها الناس ومن ثم لابد من الحفاظ عليها.
أما المحافظون الجدد فقد أعلنوا تبني مبدأ آدم سميث القديم، المتعلق بالحد الأدنى من الحكم، وأن الأسواق قادرة على حل مشكلاتها بنفسها دون تدخل من أحد؛ إلا أنهم في الوقت نفسه يعيرون اهتمامًا كبيرًا بالتقاليد، فهم بمثابة خليط من الأفكار الاقتصادية لآدم سميث، والأفكار التقليدية لإدموند بيرك.
الاشتراكية
أتت الاشتراكية للتخلص من مثالب الرأسمالية والسعي لإيجاد مجتمع عادل منتج بدون أية فوارق طبقية، ومع مرور الوقت يصل هذا المجتمع إلى مرحلة الشيوعية، وهو مجتمع حكم بدون شرطة أو أموال أو حكومة.
الديمقراطية الاجتماعية
تتبنى الديمقراطية الاجتماعية مقولة مفادها أنه يمكن تحقيق مطالب الطبقة العاملة لكن دون القيام بثورة، إذ لا داعي منها في وجود الانتخابات، وتسعى إلى تحسن ظروف المعيشة كالتأمين الصحي والتأمين ضد البطالة والمعاشات والغذاء والسكن المدعم.
الدول والمؤسسات
تناول هذا الفصل الحديث في البداية عن المؤسسات التي تمثل أدوات الحكومة مثل المجالس النيابية والأجهزة التنفيذية، وقد اعتاد الناس على اللجوء إلى تلك المؤسسات لقضاء مصالحهم وحل مشكلاتهم وفض نزاعاتهم. المؤسسات أكبر وأوسع من الأشخاص، فالأشخاص تتبدل وتتغير أما المؤسسات فلا تموت، أو على الأقل فهي تُعمّر أكثر من البشر.
تتفاوت الدول بمؤسساتها في أداء الوظائف المخولة للقيام بها، فهناك من الدول من تؤديها بشكل حقيقي ومنها ما لا تؤدي دورها على الإطلاق، فالدول الفاعلة تفرض سيطرتها على حدودها الإقليمية وتشرّع القوانين وتعاقب مخالفيها، وتهتم بحفظ الأمن، وتفرض الضرائب وتقل فيها درجات الفساد.
أما الدول الضعيفة فلا تمتلك القوة لمحاربة الخارجين عن القانون، وليست لديها القدرة على فرض الضرائب. وهناك صنف ثالث وهو الدول الفاشلة التي لا تمتلك حكومة وطنية من الأصل، فالحركات المسلحة والميلشيات وتجار المخدرات يفعلون ما يريدون دون أي وازع.