أطلق الحكم صافرته معلنًا انتهاء مباراة الذهاب للدور النهائي لمسابقة دوري أبطال إفريقيا 2006، التي أقيمت على استاد القاهرة وانتهت بتعادل الفريقين بهدف لكل منها. في هذا التقرير نرصد كواليس مباراة العودة التي بدأت مبكرًا للغاية، وتحديدًا من مباراة الذهاب التي أقيمت في القاهرة.
في غرفة ملابس الصفاقسي
بعد أن أطلق الحكَم صفارته معلنًا نهاية مباراة الذهاب، فعل مانويل جوزيه شيئًا غريبًا، ذهب إلى غرفة تغيير الملابس المخصصة لفريق الصفاقسي الذي كان مبتهجًا بنتيجة المباراة -التعادل الإيجابي- صاح فيهم جوزيه “أنتم تفرحون اليوم. لديكم مسئولية كبيرة في تونس وسنفوز عليكم”، وخرج جوزيه مسرعًا قبل أن ينال منه لاعبو الصفاقسي.
بيّن جوزيه سبب فعلته في حوار أجراه بعد سنواتٍ من هذا الحدث؛ ففي مقابلة تلفزيونية أجراها مع المذيعة إسعاد يونس؛ صرّح بأنه فعل هذا كي يُسمع لاعبيه، فبعدما خرج من غرفة الصفاقسي، دلف إلى غرفة الأهلي، وأغلق الباب وحدّث لاعبيه أنهم وإن كانوا أخفقوا في تحقيق نتيجة إيجابية في مباراة الذهاب، فهم لا زالوا يستطيعون التعويض والفوز على الصفاقسي في الملعب الأوليمبي في رادس، بعد أسبوعين من مباراة الذهاب، ولكن لابد من الاستعداد للمباراة من الآن.
رسم سيناريو اللقاء
اجتمع جوزيه بلاعبيه في ملعب التدريب في النادي الأهلي، وبدأ في رسم “سيناريو” لقاء العودة. رسم جوزيه خطته المكونة من عدة محاور؛ منها تقسيم المباراة إلى أكثر من مرحلة وعدم التعامل معها بوتيرة واحدة، ومنها تغيير خطة اللعب والدفع بثلاثة لاعبين في مركز الوسط المدافع مقابل اللعب برأس حربة واحد وهو فلافيو.
مما خطط له جوزيه أيضًا، هو تحديد اللاعبين الثلاثة الذي سيدفع بهم للنزول خلال دقائق المباراة التسعين، بل وتحديد توقيت نزولهم، وهم عماد متعب وإسلام الشاطر ووائل رياض، على الترتيب. كانت إحدى المفاجآت التي سيُخرجها جوزيه من جعبته في البداية، الدفع بمحمد عبد الله كظهير أيمن، وأكوتي في مركز الوسط المدافع بجوار كل من حسن مصطفى وحسام عاشور، وكلاهما يُعتبر مفاجأة، فعبد الله لاعب مهاري إلا أن جوزيه لم يكن يعتمد عليه بشكل أساسي في مركز الظهير الأيمن، لوجود إسلام الشاطر ولعب محمد بركات في هذه المركز أحيانًا، وأكوتي لاعب لديه إمكانات بدنية هائلة، وكان بعيدًا عن الملاعب لفترة طويلة، اجتمع معهما جوزيه وأخبرهما بأنهم سيشاركان في التشكيلة الأساسية.
الإخصائي النفسي واجتماع مجلس الإدارة
استعان النادي الأهلي بطبيب نفسي بحسب رواية شادي محمد، وساعد الأخير كل لاعب من لاعبي الأهلي أن يجد دافعًا وحافزًا من أجل الفوز في هذا اللقاء. كما اجتمع مجلس لجنة الكرة مع اللاعبين، وطلب رئيس النادي الأهلي وقتها حسن حمدي من كابتن الفريق “شادي محمد”، وأصغرهم “أحمد شديد قناوي” التحدث إلى اللاعبين وتشجيعهم على الفوز في لقاء العودة في تونس.
دخلة جماهير الصفاقسي- أبو تريكة راكعًا
ما أن وطئت أقدام لاعبي الأهلي أرضية استاد الملعب الأوليمبي في رادس، حتى شاهدوا صورة ضخمة صنعها جماهير الصفاقسي، فيها صورة تمثل أبوتريكة وهو يرتدي تاج قدماء المصريين، ويقدم الكأس لملك متوج جالسًا على العرش يرتدي قميص نادي الصفاقسي. أجّجت هذه الصورة مشاعر لاعبي النادي الأهلي، وأضافت إلى دوافعهم للانتصار في هذا اللقاء والظفر باللقب دافعًا جديدًا.
عانى الأهلي من العديد من عدة غيابات مؤثرة، كعماد النحاس ومحمد بركات ومحمد شوقي، فضلًا عن الراحل محمد عبد الوهاب، وكل هؤلاء من القوام الأساسي للفريق، والذي حضر نهائي عام 2005م أمام نادي النجم الساحلي.
بدأ جوزيه بتشكيله مكونة من: عصام الحضري، شادي محمد في مركز الظهير الثالث، ووائل جمعة ومحمد صديق قلبي دفاع، وفي الوسط دفع بثلاثة كلاعبي ارتكاز، ومحمد عبد الله وأحمد شديد قناوي ظهيري الجنب يمينًا ويسارًا على الترتيب، وهم حسن مصطفى وحسام عاشور، وأكوتي مانساه العائد بعد فترة غياب طويلة، وفي الأمام أبو تريكة وفلافيو، وهكذا تكون طريقة لعب النادي الأهلي: 5/ 3 / 2.
أراد جوزيه من هذا التشكيل السيطرة على منطقة المنتصف، وامتلاك الكرة ومنع المنافس من شن هجمات، لتنفيذ خطته التي شرحها للاعبيه، والتي قسم من خلالها المباراة ثلاثة أقسام. تحدث جوزيه مع لاعبيه قائلًا: “في الشوط الأول سيسعى الصفاقسي للهجوم لإحراز هدف مبكر، علينا أن نحافظ على شباكنا نظيفة في نصف الساعة الأول من المباراة، وبعد ذلك سنحاول أن نشن هجمات على مرمى الخصم لإسكات الجمهور الذي سيشجع بحرارة المرتدة أن نحرز هدفًا. وفي الشوط الثاني سنسعى للفوز، وقبل انتهاء المباراة بنصف ساعة سأجري تغييرين من أجل إحراز هدف، وسنضغط بكل قوة لتحقيق هذا، سنجعلها مباراة للتاريخ، وستكونون أنتم الأبطال”.
أبرز معالم اللقاء
بدأ الأهلي كما رسم جوزيه، وشن الصفاقسي أكثر من هجمة مثّلت خطورةً على الأهلي، وأسرع جوزيه بإنزال متعب بدلًا من أكوتي في الدقيقة 42. في الشوط الثاني بدأ الأهلي في الهجوم المكثف الذي ازداد بنزول إسلام الشاطر، وسدد عاشور كرة قوية من خارج منطقة الجزاء صدّها الحارس إلى ضربة ركنية، وكانت أخطر فرص الأهلي تسديدة فلافيو من قوس منطقة الجزاء واصطدمت بالعارضة.
ثلاث خطط للعب في مباراة واحدة
سنلقي الضوء هنا على ما فعله جوزيه من تغييرات في طريقة اللعب، منذ بداية اللقاء وحتى نهايته، ففي الدقيقة 42 بدّل جوزيه طريقة اللعب وسحب أكوتي منساه لاعب الوسط المدافع، وشارك عماد متعب رأس الحربة كبديل له. هنا تغيرت طريقة اللعب لتصير 3/4/3، وساهم الإنذار الذي حصل عليه أكوتي في تعجيل جوزيه بهذا التغيير الذي كان متوقعًا أن يحدث بين الشوطين، خشي جوزيه من طرد أكوتي فسحبه في الحال.
في الدقيقة 60 نزل إسلام الشاطر كبديل لمحمد عبد الله. لا تغيير في الخطة فالاثنان يلعبان في نفس المركز، وفي الدقيقة 70 نزل وائل رياض “شيتوس” بديلا لمحمد صديق، لاعب وسط مهاجم يشارك بدل من قلب دفاع، حان وقت المخاطرة، وغير جوزيه طريقة لعبه للمرة الثانية، فتحول اللعب إلى طريقة 4/4/2.
كيف وقعت اليسارية القاتلة؟
يحكي شادي “استلمت الكرة من الحضري وسمعت أبو تريكة يناديني: العب يا شادي. العب يا شادي. وكان أبو تريكة وقتها في منتصف الملعب، ضرب شادي الكرة أمامه مرة بعد مرة وأرسلها طويلة داخل المنطقة، التحم متعب مع المدافع التونسي في الهواء وتشاركا في لمس الكرة، لتذهب إلى الأنجولي فلافيو الذي لعبها برأسه في اتجاه تريكة، ربما يراها البعض مرة صعبة، لكن الماجيكو يتعامل بكل سلاسة ويسر ركل الكرة في الوقت الذي ينبغي بوجه قدمه اليسرى في الزاوية اليسرى لأحمد الجوواشي، تسديدة قوية لم ينجح الحارس التونسي في صدها”.
ماذا قال لاعبو الصفاقسي عن اللقاء؟
شاءت الأقدار أن يكون قائد فريق الصفاقسي أنيس بوجلبان أحد لاعبي الأهلي في الموسم الجديد، يحكي بوجلبان أن أسوأ لحظات حياته كانت وقت إحراز أبو تريكة الهدف، فبينما كان يتأهب لإطلاق الحكم صفارة النهاية فوجئ بالهدف الذي قضى على حلمه، وانقلبت السعادة والبهجة المتوقعة إلى حزن مرير ومفاجئ.
أما أحمد الجوواشي حارس الصفاقسي، فقد صرح بأن الكرة لو أعيدت ألف مرة فلن يدخل الهدف بهذا الشكل، لا في رد فعل مدافعي الصفاقسي، ولا في تفاعل متعب وفلافيو مع الكرة، ولن يستطيع أبو تريكة أن يسجل هدفًا بهذه الطريقة التي فعلها ثانيةً.
أما الأخير الذي يحكي واقعة ملعب رادس، فهو أحد ناشئي نادي الصفاقسي وقتها علي معلول، الذي لم يلبث أن أصبح كابتن الفريق الأول قبل أن ينتقل إلى النادي الأهلي منذ سنوات: “وقتها كنت 14 عاما، وجلست خلف دكة فريق الصفاقسي، كان لدينا فريقًا ممتازًا، لو نجحنا في الفوز بالبطولة وقتها لصرنا فريقًا ذا شأن. ظللنا 90 دقيقة الأقرب إلى اللقب، ثم جاءت الدقيقة 92 ليضيع اللقب”.
البطولة الأغلى والعام الأكثر حصادًا للألقاب
كما ذكرنا، فقد واجه الأهلي صعوبات في دوري المجموعات، وكذلك في دور نصف النهائي أمام أسيك أبيدجان الإيفواري، وأخيرًا الفوز الصعب والمثير على الصفاقسي في الثواني الأخيرة، مما جعل هذه البطولة مميزة في مسيرة الأهلي الإفريقية.
فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا جعله يعادل نادي الزمالك في عدد مرات الفوز (5 بطولات)، وسيكمل الأهلي المسيرة ليبعد بمسافة عن الزمالك وباقي الأندية الإفريقية.
كذلك، حصد الأهلي في هذا الموسم أكبر عدد من البطولات، فقد جمع محليًا بين الدوري والكأس والسوبر، وإفريقيًا فاز بكأس السوبر الإفريقي ثم دوري الأبطال، وأخيرًا حقق إنجازا تاريخيًا عندما فاز بالمركز الثالث في كأس العالم للأندية التي أقيمت باليابان في ديسمبر 2006م، ليصير موسمًا تاريخيًا يصعُب أن يتكرر ثانية.