في دراسات النقاد التي وضعوها عن الأديب الإيطالي لويجي برانديللو، يضعونه جنبًا إلى جنب مع عظماء الأدب الإيطالي دانتي أليجيري وبتراركا وليوباردي، على اعتباره أن حياة برانديللو وأدبه لا تستحق أن تقاس إلا بهذا المقياس الذي يقاس به هؤلاء العظماء. إن مقارنة برانديللو بأيٍ من معاصريه فيها ظلم له؛ لأنه يعتبر أعظمهم على الإطلاق، ونوعية أدبه تقرّبه من هؤلاء الأدباء الخالدين. في هذا المقال نتعرّف على الأديب الإيطالي الحائز على جائزة نوبل، لويجي برانديللو، وجانب من حياته العاطفية، وأبرز ملامح إنتاجه الأدبي الغزير.
مسيرة حياة لويجي برانديللو
ولد لويجي بيراندللو في مدينة جيرجنتي في جزيرة صقلية، في 28 يونيو 1867م من أبويين صقلّيين، ونشأ في منزل ريفي متواضع بمقربة إحدى الغابات هربًا من وباء الكوليرا الذي تفشى في صقلية حينها. وهذه الغابة ستظهر كثيرًا في أعماله الأدبية لاحقًا، نظرًا لتأثير البيئة الكبير في تكوينه الفكري وفي شخصيته الأدبية.
كان والده يعمل بتجارة الكبريت وأفلست تجارته، فانتقلت الأسرة من جيرجنتي إلى باليرمو. خلال طفولة لويجي، بدأت تظهر عليه بوادر موهبة أدبية فذّة، ظلّ يغذيها بقراءاته المستمرة للقصص والروايات العاطفية. ومع الوقت فشلت مساعي أبيه لتغيير اتجاهه بعيدًا عن الأدب، لدراسة العلوم التجارية ليكمل معه تجارته؛ إلا أنه رضخ في النهاية لرغبة لويجي، وتركه يدرس اللغة اللاتينية والأدب.
تلقّى لويجي تعليمه الابتدائي في جيرجنتي، ثم تلقى تعليمه الثانوي في باليرمو عاصمة صقلية، ولاحقًا بدأ دراسته الجامعية في جامعة روما في 1887م، وتعرّف هناك على بعض الطلاب الذين أصبحوا مستقبلاً من قادة الحركة الفاشية في صقلية، ثم أنهى دراسته في جامعة بون بألمانيا بعد أن انتقل إليها على إثر حادث تعرّض له.
بعد التخرّج، عمل لويجي في التدريس بالجامعة لبعض الوقت، قبل أن يعود إلى روما عام 1892م ليبدأ حياته ككاتب، دون التعويل على الشِعر. تزوج برانيللو في عام 1894م، من الفتاة الجميلة المثقفة ماريا أنطونييتا بورتولانو، وأنجب منها 3 أبناء. اتجه لويجي إلى تدريس اللغة الإيطالية مجددًا في أحد المعاهد العليا بمرتّب شهري متواضع، على إثر إفلاس تجارة أبيه للمرّة الثانية، ومع مرض زوجته وإصابتها بشلل جزئي في ساقيها، كانت هذه المرحلةً من أشقى فترات حياته.
مع وقوع الحرب العالمية الأولى وتداعياتها على حياة برانديللو وعائلته، ثم وفاة والدته، اتجه لويجي إلى مضاعفة إنتاجه الأدبي والعمل كثيرًا بلا انقطاع، متشبهًا بكاتبه الروسي المفضّل أنطوان تشيكوف، الذي كان بدوره قد تغلّب على قِصَر الحياة بالإنتاج الغزير.
الحياة العاطفية لبرانديللو
يتجاهل مؤرّخو برانديللو حياته العاطفية، بشكل يوحي بأنه لم يكن على علاقة عاطفية سوى بزوجته، على اعتبار أن نزوة الحب الأول التي هزته يومًا وهو في السادسة عشرة من عمره، لم تكن بذلك الأمر الذي يستحق الذكر، أو أنها لم تترك أثرًا بارزًا في مسار تكوينه العاطفي والفكري لدرجة أنه كتب مجموعته الشعرية الأولى “الألم المفرح” تحت تأثير تلك التجربة.
أيضًا كانت تصرّفات زوجته إزاءه تنبي على غيرة جامحة، قد يكون مصدرها أنها اطّلعت على مغامرات عاطفية وجنسية بدرت عنه وحاول إخفاءها عن جميع الناس، خصوصًا وأنه نشأ في في بيئة صقلية الميالة إلى إشباع الرغبات، وخاض في تفاصيل العلاقات الحميمية في قصصه ومسرحياته، وكانت أعماله تدور حول هذه العلاقات وأثرها على التكوين النفسي والاجتماعي للإنسان.
أبرز سمات أدب لويجي برانديللو
أبدى برانديللو اهتمامًا عميقًا بمعالجة القلق والمعاناة لدى البشر، وعبّر بمعرفته وضلوعه في الفلسفة المعاصرة عن طريق التعبير المسرحي القوي، واضعًا العالم الحديث أمام انعكاس قسوته، مغاليًا في التجهّم أمام ألمه الغاضب. من المألوف لقارئ أدب برانديللو أن تنقبض أنفاسه، ويجد نفسه أمام هاوية سحيقة من الإنكار قد يفقد فيها الإنسان ذاته.
أيضًا، كان أدب برانديللو ذا نزعة إنسانية واضحة، مناهضة للتشنّج القومي وللقهر والتعصب العرقي، وكل ما كانت تمثّله الفاشية التي أيّدها برانديللو فترة، وفق حلم قديم بعودة مجد القياصرة الرومان القدماء من جديد.
عبّرت الأعمال الأخيرة لبرانديللو عن التناقض القائم بين الحياة والصورة، والتناقض بين احتياجات الحياة والسبل المتبعة لإشباع النفس البشرية بهذه الاحتياجات. كاد برانديللو أن يصل إلى درجة من اليأس والعجز عن إدراك ما يجول في أغوار النفس وما يكتنف العالم من أسرار لا تزال مجهولة.
كانت تأملات برانديللو في أعماله تخبر عن شعور هو مزيج من الحيوية والمرارة والثورة والقرف واليأس، وقد ظهر هذا جليًا في أعماله ذات الطابع المأساوي رغم السخرية العالية بين السطور المصوغة بلغة رفيعة مغلفة بنكهة الحزن الجاد.
كما تأثر بوصية الكاتب الألماني توماس مان التي تقول بالبحث عن الحقيقة العلمية والحقيقة الفنية والإعلان عنهما. نظر بيرانديللو إلى الحياة من الداخل، وفاجأنا بكل تناقضاتها وعبثيتها، فاستحق أن يكون أدبه مرآة العصر الحديث بكل ما فيه من عُقَد وتناقض وقلق.
كما كان بيرانديللو أسير العادات والتقاليد التي ورثها عن آبائه وأجداده عن سكان جزيرة صقلية الأوائل، فجاء أدبه ذا ملامح أقرب ما تكون إلى الملامح الشرقية، منها إلى الأوروبية.
مؤلفات لويجي برانديللو
أنتج لويجي برانديللو للمكتبة العالمية 35 قصة قصيرة، وسبع روايات، إضافة إلى 40 مسرحية، وعدة مجموعات في النقد والشعر وأشكال مختلفة من الفكر الإبداعي. وبات من المتعارف عليه أن المسرح الإيطالي الحديث قد نبع من بين أنامل بيرانديللو. من بين أبرز أعمال بيرانديللو:
- غراميات بلا حب، مجموعة قصصية، 1894م.
- الخاتمة، مسرحية، 1898م.
- الاستثناء، قصة، 1901م.
- الجولة، قصة، 1902م.
- المرحوم ماتيا باسكال، رواية، 1904م. وترجمت إلى 20 لغة أجنبية.
- ستة أشخاص تبحث عن مؤلف، مسرحية، 1921م. وأثارت صدىً نقديًا واسعًا.
- الرجل ذو الوردة في فمه والولد الآخر،مسرحية، 1922م.
- الحياة التي منحتك إياها، مسرحية، 1923م.
- لكل واحد نمط، مسرحية، 1924م.
- ديانا وتودا، مسرحية، 1927م.
- لازارو، مسرحية، 1929م.
- حسب تقديرك، تلك هذ القضية، مسرحية، 1930م.
المجد والنهاية
حصل على جائزة نوبل في الأدب، عام 1934م، وكرّسته هذه الجائزة العالمية واحدًا من الكتاب الأكثر أصالة في العصر الحديث، ليصبح الإيطالي الثالث بعد بينيديتو كروتشي (أحد مؤسسي علم الجمال)، وجراتسيا ديليدا (الروائية الإيطالية).
توفي لويجي برانديللو في 10 ديسمبر 1936م، دون أن يكمل مسرحيته “عمالقة الجبل”، الذي توقف عن إكمال الفصل الثالث منها.
مصادر
- بيراندللو، عوض شعبان، سلسلة أعلام الفكر العالمي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979م.