الفيلسوف الفلكي الرياضيّ الفذّ عمر بن إبراهيم الخيام، كان يكنّى بأبي حفص، وأبي الفتح، وحظي بألقاب كثيرة تدل على التبجيل والتعظيم، من بينها: حجة الحق، والإمام، والحكيم، والفيلسوف، والشيخ، والدستور، وسيد حكماء المشرق والمغرب، ونصرة الدين، وسيد المحققين. ويرجّح أنه وُلِد في الفترة بين 1038 إلى 1048م.
نشأة عمر الخيام
كان عمر الخيام نيسابوري المولد والآباء والأجداد. بدأ مشواره الدراسي في مدرسة نيسابور، ودرس فيها الرياضيات والهندسة والمنطق إلى جانب الفقه وعلوم الحديث والفقه واللغة، ودرس كتاب المجسطي على يد الحكيم أبي الحسن الأنباري. وقد داوم عمر الخيام على الدراسة إلى أن أصبح أستاذًا في المدرسة، وانتقل بعد ذلك إلى ركب السلطان ملكشاه السلجوقي، وأصبح فلكيّه الخاص منذ عام 467هـ، حتى وفاة ملكشاه في 485هـ.
كانت نيسابور في عهد الخيام عاصمة خراسان، وكانت مدينة متدفقة بالحياة والنشاط، زاخرة بمجالس العلم في الفقه والحديث وعلوم الكلام والأدب، تجتمع فيها كل الثقافات والملل والأديان والمذاهب. كما كانت غنية بالخيرات، خصبة التربة، كثيرة الماء، وافرة المحصول، وسهولها نضرة تكتنفها جبالٌ عالية. وكان بها 6 جامعات، وكان بها مرصد فلكي بُنيَ بأمر الوزير نظام المُلك.
نشأ عمر الخيام في عهد الدولة السلجوقية الكبرى، التي بسطت سلطانها على خراسان وكرمان والري والجبال وأذربيجان وبلاد الروم والعراق والجزيرة واليمن وفارس. عاش الخيام في كنف هذه الدولة، وعاصر السلطان ألب أرسلان والسلطان ملكشاه، ومات في سلطنة السلطان سنجر الذي كان أصيب بالجدري وعالجه الخيام.
كانت الخلافة العباسية في ذلك العصر ضئيلة الحكم والسلطة، وكان نفوذ الخلفاء لا يتجاوز أبواب قصورهم، ولم يكن لهم من الأمر شيء سوى ذِكر أسمائهم على المنابر وضربها على النقود، وكانوا كالدمى في أيدي سلاطين دولة بني بويه. وبالمقابل، كانت طلائع الحروب الصليبية الأولى واستيلاؤهم على الرها وأنطاكية وبيت المقدس.
مكانة عمر الخيام
كان عمر الخيام فطِنًا سريع الحفظ قويّ الذاكرة، ذا قريحة فذّة وعبقرية نادرة. كما كان عالمًا بالرياضيات ومنجّمًا وفيلسوفًا وفقيهًا وطبيبًا. وكان البيهقي يضعه في مرتبة تالية على ابن سينا مباشرةً في بعض مباحث علوم الحكمة والفلسفة، فضلاً عن تمكنه من علوم القراءات واللغة. وعُرف عنه احترامه آراء العلماء المخالفين له في الرأي.
وصفه القفطي بأنه إمام خراسان وعلامة الزمان، يعلّم علم اليونان (يقصد الفلسفة)، ويحثّ على طلب الواحد الديّان بتطهير الحركات البدنية، لتنزيه النفس الإنسانية، ويأمر بالتزام السياسة المدنية حسب القواعد اليونانية.
يؤرّخ بعض المستشرقين ومؤرّخي الأفكار، بعمر الخيام، باعتباره خاتمة العصر الذهبي لتاريخ العلم في الإسلام، بل ونهايةً لاحتكار المسلمين للعلم والتقدم العلمي في العالم.
الخيام ودوره في تطوّر الفلك والرياضيات
كان عمر الخيام ذا مهارة وغزارة علم وذكاءٍ خارق في علوم الرياضيات والفلك، ويعتبره المتخصصون أعظم عباقرة الرياضة في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي. وقد وصل الأمر به إلى أن أنشأ مرصدًا خاصًا به مارس فيه دراساته في الفلك والرياضيات، ولاحقًا أصبح له أسطرلاب من صنع بغداد، وجداول نجوم بطليموس، وكرة سماوية من البرونز الناعم، ومصباحٌ للنجوم. وقد شارك مع مجموعة من العلماء الفلكيين في إصلاح التقويم الفارسي، وأنتجوا ما أسموه “التقويم الجلالي”، الذي يبدأ من يوم النيروز (15 مارس 1079م أو رمضان 471هـ) حتى اليوم.
يُذكر أيضًا أن عمر الخيام تمكّن من اكتشاف خطأ في جداول بطليموس الخاصة بالنجوم، وصحّح هذا الخطأ بطريقة علمية دقيقة، ساعدته على إنجاز التقويم الجلالي الدقيق. كما صنّف رسالته “لوازم الأمكنة”، ضمّنها دراساته عن اختلاف هواء البلاد والأقاليم، واختلاف المواسم والفصول، وجمع فيها بين مقدرته في علوم التنجيم والفلك والجغرافيا.
كان الخيّام يوقن أن علم الفلك هو علم رياضيّ مبنيّ على الرصد والحساب، ولكي يتقنه درس كل ما يلزمه من علوم الهندسة والحساب والجغرافيا والأحكام، وبرع فيها، حتى تفوق على معاصريه، واستحق كل الألقاب العظيمة التي أطلقت عليه.
عمر الخيام عالم الرياضيات الفذّ
كان عمر الخيام من أفذاذ علماء الرياضيات في تاريخ العلوم، حيث أتقنها وتفوّق فيها، وألّف رسالة في علم الرياضيات أسماها “الجبر والمقابلة”، وضعته في مقدمة علماء الرياضيات الأفذاذ في تاريخ العلوم في الإسلام، حيث رتّب فيها معادلات الدرجة الثانية والثانية ترتيبًا منظمًا، وصار عمر الخيام أول من استطاع أن يجد الجذور الثلاثة للمعادلات التكميلية.
كما اكتشف الخيام خللاً في ثلاثة مواضع في كتاب مصادرات إقليدس، واشتغل عليها حتى تمكّن من إصلاحها وحلّها. وتوصّل الخيام إلى 13 شكلاً مختلفا من المعادلات التكعيبية، وحاول حلّها جميعًا، وتوصّل إلى حلولٍ هندسية في بعضها لم يتوصّل إليها أحدٌ من قبل، وأعطى حلولاً جبرية لم يصل إليها أحد من العلماء حتى الآن.
رباعيات الخيام
تحوم الشكوك حول صحة نسبة الرباعيات إلى الخيام؛ فهناك من يرجّح نسبتها إليه لمجرّد تواجدها في مخطوطات تم اكتشافها ومكتوب عليها اسمه، دون جزم قاطع بصحّة هذه النسبة، وهناك من يجزم بأنها مدسوسة على الخيام، وقد دسّها عليه خصوم الخيام الكارهون له، وأنّ هذه الرباعيات قد تعرّضت للزيادة والتحريف من النسّاخ طلبًا لمزيد من الأجرة، فضلاً عن إنشاء شكل من أشكال التطبيع والاعتياد مع هذه الممارسات والأفكار المتضمّنة في الرباعيات.
ولكن بفرض صحّة نسبة الرباعيات إلى عمر الخيّام، فهي تخبر عن أن مؤلّفها حاد الطبع عصبيّ المزاج؛ لذا جاءت رباعياته مشحونة بشكوكه وأوهامه وآلامه وتخيلاته وصيحاته وتفكيره المتواصل، ومكابدته النفسية، واشتغاله في حل المشكلات العلمية والفلسفية، واعتزاله الناس، وحبه الانفراد.. وهي أمورٌ حاول من أثبت صحّة نسبة رباعيات الخيّام مواصلة تأكيدها باعتبارها صفات ملازمة للحكماء والمفكرين والفلاسفة المتشائمين.
مؤلفات عمر الخيام
رغم ما يُذكر عن إقلال عمر الخيام من التأليف، إلا أنه خلّف رسائل علمية وأدبية قيّمة، تشهد له بما كان عليه من علم وحكمة وحذق ومهارة ومكابدة في مختلف الفنون والآداب.. ومن مؤلفاته:
- رسالة في الجبر والمقابلة: ألّفها بالعربية.
- رسالة في شرح ما أشكل من مصادرات إقليدس، ألفها باللغة العربية عام 470هـ.
- زيج ملكشاهي: الذي قاد به فريقًا من العلماء إنتاجه عام 467هـ/ 1075م.
- رسالة بالعجمية في كليات الوجود: ألفها باسم فخر الملك بن المؤيد ابن نظام الملك.
- رسالة في الكون والتكليف. ألفها بالعربية عام 473هـ، جوابًا على سؤال وُجّه له عن حكمة الله تعالى في خلق العالم والإنسان وتكليفه بالعبادات.
- رسالة “لوازم الأمكنة في الفصول وعلة اختلاف هواء البلاد والأقاليم”.
- رسالة الوجود: ألفها بالعربية.
- ميزان الحكم.
- مختصر في الطبيعيات.
- نوروز نامه.
- رباعيات الخيام: وقد ترجمت إلى لغات كثيرة حول العالم.
- ترجمة الخطبة الغراء لابن سينا: ترجمها الخيام من العربية إلى الفارسية عام 472هـ/ 1079م، استجابةً لرغبة بعض أصدقائه في أصفهان.
تلاميذ عمر الخيام
كان الخيام صاحب مدرسة في مختلف العلوم التي نبغ فيها، وتتلمذ عليه زمرة من الأطباء والرياضيين والفلكيين وبناة المراصد، من بينهم: شرف الزمان محمد الإيلاقي، وعبد الله بن محمد الميانجي، والحكيم علي بن محمد الحجازي القايني.
وفاة عمر الخيام ومدفنه
نظرًا لاختلاف تقديرات المؤرخين والباحثين حول التاريخ الدقيق لوفاة عمر الخيام، يمكن الإشارة على سبيل الاحتياط إلى أن وفاته كانت بين عامي 1515 إلى 1517م، أو عام 526هـ. وقد دُفِن عمر الخيام في مدينة نيسابور قرب مقبرة إمام زاده محروق (من أبناء الإمام علي بن الحسين المعروف بمقبرة “مشهد علي”).
مصادر للاستزادة
- عمر الخيام عالم الفلك والرياضيات وكتابه نوروزنامه، ترجمة رمضان متولي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008م.
- عمر الخيام: الحكيم الرياضي الفلكي النيسابوري، أحمد حامد الصراف، مطبعة المعارف، بغداد، 1960م.
- عمر الخيام وقصة الرباعيات في ضوء الإسلام، عبد اللطيف الجوهري، دار الأنصار، القاهرة.
- أدب العلماء في القرن الرابع وبداية القرن الخامس: البيروني وعمر الخيام، د. محمد سويسي، الدار العربية للكتاب، ليبيا وتونس، 1977م.
- الآراء الفلسفية عند أبي العلاء المعري وعمر الخيام، د. تغريد زعيميان، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 2003م.
- أطلس تاريخ الدولة العباسية، سامي المغلوث، مكتبة العبيكان، الرياض، 2012م.
- رباعيات الخيام، أحمد رامي، دار الشروق، القاهرة، 2000م.
- الذي يأتي ولا يأتي، الصادق النيهوم، بيروت، 2002م.
- رباعيات عمر الخيام المصوّرة.