بعد إصدار مارفل لفيلمها السينمائي “ثور Thor ” عام 2011، انتبه المشاهدون بأنحاء العالم لشخصية ثور إله الرعد لدي النورديين القدماء الذي بالرغم من وجوده علي صفحات القصص المصورة منذ 1962 إلا أن شهرته تضاعفت مئات المرات منذ ظهوره الأول على شاشات السينما بالعصر الحالي.
وليس من العجيب ألأ ينصب الاهتمام الأكبر على ثور، بل يناله أخيه غير الشقيق “لوكي” المخادع ، وذلك لأن لوكي من الشخصيات الشريرة المركبة بجدارة، ولذلك يستحق وجوده ضمن سلسلة “أشرار الكومكس” التي نستكملها الآن بالمقالة الرابعة عن لوكي سيد الخطط الماكرة التي لم يسلم أحد من أذاه.
بداية لوكي
ينتمي لوكي لشخصيات أساطير النورديين الذين عاشوا بشمال أوروبا في العصور القديمة، وتم اقتباسه في قصص الكومكس بواسطة الكاتبين ستان لي Stan Lee وأخيه لاري ليبر Larry Lieber والرسام جاك كيربي Jack Kirby، ليظهر على صفحات العدد Journey into mystery #85 بأكتوبر 1962 بنفس التفاصيل الأصلية لشخصيته الأسطورية كإله الفوضى والخداع والأخ غير الشقيق لثور إله الرعد بعد أن قام أودين Odin كبير الآلهة بتبنيه منذ طفولته، ويصبح من الشخصيات الرئيسية في عالم ثور بقصص مارفل المصورة، ثم يمتد خطره ليصبح أحد الأعداء شديدي الخطورة لفرقة الأفنجرز Avengers وينال المركز الثامن بقائمة موقع IGN لأعظم أشرار الكومكس على مر العصور في عام 2009، ليأتي العام 2014 وقد احتل المركز الرابع بنفس القائمة.
منذ طفولته بمدينة أسجاردAsgard ، شعر لوكي دائماً بفارق معاملة أهل أسجارد له بعكس أخيه ثور، حيث اهتم الأسجارديين دائماً بصفات الشجاعة أثناء القتال والنبل والقوة البدنية والتي تجسدت في شخصية ثور ولم تتجسد في لوكي الذي افتقد لضخامة الجسد والقوة البدنية.
لكن لم يتسبب ذلك في إثناء لوكي عن رغباته في جذب أنظار الجميع، فأرشدته الملكة فريجا Frigga التي قامت بتربيته بمثابه ابنها إلي عالم السحر كي يستمد منه القوة والمهارة اللازمة، ومع نضجه عاماً تلو الآخر بدأت تزداد مواهبه الطبيعية في التسبب بالفوضي والمشاكل لجميع من حوله، لينال لقب إله الفوضى بجدارة.
ومع ازدياد مواهبه، ازداد تعطشه للقوة والسلطة انتقاماً من الجميع، فتحولت صفاته من إله للفوضى والخدع إلى إله الشر المطلق، فتتكرر محاولاته للتخلص من ثور وتدمير أسجارد، ومعها تتكرر حالات حبسه سحرياً بواسطة أودين لمنع شره عن الناس.
امتد أذى لوكي إلي كوكب الأرض نفسه، حيث واجه فريق الأفنجرز لمرات عديدة كان أولها تلاعبه بذهن العملاق الأخضر هالك بتعريضه لأوهام سحرية جعلته يهاجم الأبطال الخارقين، ليتسبب ذلك الحادث في تكوين فرقة الأفنجرز بالأساس للمرة الأولى.
كذلك لم يكتفي لوكي بالمواجهات المباشرة، بل قام بأحيان عديدة بمساعدة بعض الأشرار في مواجهاتهم ضد الأفنجرز، إما بالنصح والتخطيط أو بإمدادهم بالطاقة والأسلحة اللازمة للقتال.
قدرات لوكي
ينتمي لوكي لجنس عمالقة الجليد Frost Giants الذين سكنوا عالم يوتنهايم المتجمد Jotunheim إذ يعتبر ابناً لملكهم لوفي Laufey، وبالرغم من اختلاف هيئته الخارجية عنهم إلا أنه يمتلك قدرات مماثلة لأي فرد منهم مثل القوة البدنية الهائلة، السرعة الفائقة، والمناعة الكلية ضد جميع الأمراض والسموم، وعدم التأثر بالسحر وعوامل التقدم في السن.
يمتلك لوكي عقلاً عبقرياً ماكراً يستخدمه في وضع الخطط والمؤامرات التي يحرك فيها الآخرين كبيادق الشطرنج لينفذوا أهدافه بدلاً منه، بالإضافه لمعرفته المتعمقة بعوالم السحر والأوهام إذ يمكنه التلاعب بالقوى السحرية لإطلاق دفقات من الطاقة أو صنع حقول منها تحيط به لتحميه من أي هجوم قادم، بجانب قدرات أخرى كتحريك الجمادات، الطيران، السيطرة العقلية، الإسقاط النجمي، التخاطر العقلي ونقل أفكاره عبر مسافات طويلة أو وسوسة الآخرين بها،تحويل هيئته لأشخاص أو حيوانات أو جمادات مختلفة ، والتنقل عبر الأبعاد.
يتفوق سحر لوكي على أعظم سحرة أسجارد، إذ يمكنه خداع مدناً كاملة بأوهامه السحرية أو كائنات خارقة عظمى، بجانب ابتكاره طريقه لخداع الموت ليتم إعادة إحيائه بعد موته وذلك بإتفاقه مع كيانات الموت المختلفة بأن يتم محو اسمه من كتب الجحيم.
لماذا نحب لوكي؟
عبر تاريخه الممتد على صفحات القصص المصورة، تمكن لوكي من إثبات جدارته بجذب اهتمام القراء سواء بظهوره كشخصية شريرة أو كضد البطل Anti-Hero أحياناً فهو يحمل طبيعة عجيبة تمتزج بها الصفات الشريرة مع بعض الصفات الطيبة، وبوجود مزاجه المتقلب يتسبب ذلك في إصابتنا بالمفاجأة مما يفعله دائماً إذ لايمكن توقعه أبداً، وربما كان ذلك سبباً في إعطائه المزيد من الفرص عبر ظهوره بسلاسل ثور وبعض سلاسل مارفل الأخرى كسلسلة الأفنجرز و سلسلة الـX-Men وبعض أعداد سلسلة سبايدرمان Spider-Man وسلسلة الديفندرز Defenders بجانب ضمه للقصص الملحمية الكبرى بعالم مارفل، وجعله عاملاً مؤثراً في بدء بعضها أو إنهائه، ثم ظهوره في سلاسل قصيرة تحمل اسمه لأكثر من مرة وخاصة مع بدايات القرن ال21 مثل سلسلة لوكي 2004، لوكي 2006، لوكي:عميل أسجارد 2013 Loki:Agent of Asgard، انتخبوا لوكي 2016Vote Loki ، لوكي 2019، وبالرغم من مقتله خلال أحداث قصة Seige عام 2010 إلا أنه سرعان ماتم إعادة إحيائه متجسداً في هيئة طفل مراهق تحت اسم Kid Loki، ويعتبر لوكي ذكراً في الأساس، إلا أنه بإمكانه أحياناً أن يتحول لشخصية أنثي كإحدى وسائله الخاصة للخداع مثلما حدث بأعداد سلسلة Loki:Agent of Asgard عام 2014.
ومن العوامل التي لا يمكن إغفال ذكرها عند الحديث عن إعجاب الجميع بشخصية لوكي، هو ظهوره في أفلام عالم مارفل السينمائي عبر الممثل توم هيدلستون Tom Hiddleston الذي تمكن من تقمص الشخصية بأداء مذهل تسبب في جذب الأنظار إليه دائماً بمجرد ظهوره على الشاشة، إذ أظهر الجوانب الماكرة والساخرة للشخصية، وكفلت وسامته إعطاء تأثيراً أكثر قوة لشره الداخلي حيث قد ينخدع البعض بوجهه الهادئ الباسم فلا يعلمون بما يستعر بداخله من نيران الجحيم.
بجانب ذلك، تطورت الشخصية بشكل رائع عبر أفلام مارفل فتحول من مجرد مخادع فوضوي يشعر بالغيرة من أخيه إلي قائد حربي متعطش للدماء باحثاً عن السلطة بقيادته لغزو الأرض، ثم يصبح بعدها أقرب لشخصية ضد البطل ليتمكن من رؤية نتائج أفعاله السابقة علي أسرته وموطنه ليبدأ خطواته الأولى على طريق الخلاص والندم، مع الاحتفاظ بنفس رغباته السابقة في القوة والسلطة، فيصبح شريكاً ممتازاً لثور في مغامراته العجيبة.
نجح الممثل توم هيدلستون في تقديم الشخصية بطريقة متقنة بالفعل إذ كسب تعاطف الجميع في مشاهد وفاته المتكررة والتي يتضح بعدها أنها مجرد خدعة مارسها لوكي على شخصيات الفيلم والمشاهدين أيضاً ليعود بعدها حياً يرزق، وبالرغم من مقتله بشكل نهائي على يد ثانوس ببداية فيلم Avengers:Infinity War، إلا أن المشاهدين لم يتمكنوا من تصديق ما حدث، لتزداد حيرتهم بعد ظهور خبرعودته مرة أخرى للأحداث بعد فيلم Avengers:Endgame والذي يظهر به نسخة لوكي القادم من الماضي وتمكنه من الهروب عبر الزمن لمكان مجهول، وهو ما سيتم طرحه في مسلسل لوكي القادم على شبكة Disney+ بعام 2021.
يحمل لوكي بداخله أسباب تعاطف الجميع معه، فهو مجرد طفل مضطرب المشاعر بعد أن تم تبنيه ليصبح الأخ الثاني لثور الابن الأول للإله أودين كبير الآلهة، والوريث الشرعي لعرش أسجارد، لذلك تنشأ الغيرة بداخل لوكي نحو أخيه الوسيم فارع الطول الذي ينال الإعجاب والتقدير من الجميع ، بعكس لوكي الذي سيكرهه الجميع مهما فعل.
لوكي شخصية يمكننا التعاطف معها بخلاف ثور، فجميعنا شعرنا بوقت من الأوقات بما قد شعر به لوكي طوال حياته، ذلك الشعور بأننا لسنا جيدين كفاية، أو أننا نفتقر للحب والاهتمام فنحاول أن نبذل قصارى جهدنا لنثبت أنفسنا أمام الآخرين.