نجحت شركة مارفل في إثبات وجودها بسوق القصص المصورة منذ منتصف القرن العشرين، ولكنها أصبحت من كبرى شركات صناعة الكومكس حول العالم خاصة في الفترة الأخيرة بعد إطلاقها لسلاسل أفلام عالمها السينمائي MCU الذي يُنسب الفضل بها إلي كيفن فيجي Kevin Feige المدير العام لاستوديوهات مارفل وصاحب الرؤية الخاصة بتلك الأفلام.

 

ولكن الفضل الحقيقي لنجاح مارفل الذي لا يمكن لأحد إنكاره يتمثل في الكاتب ستان لي، ذلك الرجل الذي استطاعت مارفل بفضل مجهوداته وأفكاره برفقة مجموعة من كبار الفنانين والمؤلفين أن تتحول من دار نشر عادية إلي واحدة من أهم دور النشر حول العالم بما تقدمه من شخصيات وعوالم خيالية تأسر عقول المشاهدين بسهولة، ولمزيد من المعلومات بشأن تلك الشخصيات التي ابتكرها، يمكنك زيارة المقال الآخر عن ابتكارات ستان لي في عالم مارفل.

 

من هو ستان لي ؟

من هو ستان لي
ستان لي في أحد مؤتمرات الكومكس الجماهيرية

وُلد ستانلي مارتن ليبر Stanley Martin Lieber في 28 ديسمبر 1922 بمدينة نيويورك لعائلة رومانية يهودية مهاجرة إلي الولايات المتحدة. ورغم الفترة الصعبة التي تعايشت معها الأسرة وقتها وحاجتهم الماسة لإيجاد مصدر رزق ثابت في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وأزمة “الكساد العظيم” الاقتصادية، وهي مرحلة سوداء في سوق الأسهم الأمريكي، إلا أن الوالدين استطاعا توفير بيئة خصبة لتحفيز مواهب الفتى “ستانلي” الصغير ذو الخيال الواسع والقدرات الإبداعية الواضحة منذ الصغر، فقضى طفولته بين صفحات الكتب حتى أن أمه قالت إنه عندما لا يجد ما يقرأه فإنه يقرأ المكتوب على علب الطعام.

 

عندما بلغ التاسعة من عمره، وُلد أخاه الصغير “لاري”، وبينما كان والدا “ستانلي” منشغلين برعاية ابنهما الوليد، اكتشف “ستانلي” عالما جديدا من خلال الأفلام السينمائية التي جذبت عقله، وعندها قرر أن يخوض يوما ما تجربة السينما بعد مشاهدته لبعض الأعمال الكلاسيكية مثل “موبي ديك” و”شيرلوك هولمز”.

 

في نهاية ثلاثينات القرن العشرين ازدهرت صناعة القصص المصورة في أمريكا إذ كانت «DC Comics» دار النشر الأكثر شهرة وانتشارًا بأبطال خارقين أشهرهم سوبرمان (1938) وباتمان (1939).

 

كانت مجلات القصص المصورة وقتها بسيطة وموجهة لجمهور من الأطفال مع كثير من الحركة والكوميديا فقط دون تعقيد كبير في تفاصيل الحكاية، ثم ظهر عدد من دور النشر التي حاولت منافسة «DC» في هذا المجال الوليد، منها “Timely Comics” التي أنشأها الناشر الشاب “مارتن جودمان Martin Goodman ” وشقيقه “إبراهام جودمان Abraham Goodman” عام 1939، وصدر العدد الأول من سلسلتها الأولى «Marvel Comics» في الأول من أكتوبر من نفس العام. كما قدمت أبطالا خارقين، مثل «Submariner» و«Human Torch» اللذان حازا على نجاح لا بأس به أسهم في نجاح الدار واستمرارها في المنافسة مزيدًا من الوقت.

 

ستان لي ومارفل

تخرج “ستانلي” من المدرسة الثانوية، ثم انتقل للعمل في تلك الدار، إذ كانت لديه صلة قرابة بزوجة مارتن جودمان، وعند بداية عمله في “Timely” لم يتوفر بالدار أيدي عاملة في قسم القصص المصورة بشكل كافي، إذ أنه في ذلك الوقت لم يتواجد إلا مصممين فقط هما “جاك كيربي Jack Kirby” و”جو سيمون Joe Simon”، ولكنه استطاع أن يرتقي بمستوى القسم في فترة قصيرة وكانت فرصته في إظهار قدراته بأولى إصداراته وهي صفحتين لسلسلة كابتن أميريكا في العدد الثالث بشهر مايو 1941، تبعها مجلد “كابتن أميريكا” الخامس في شهر أغسطس 1941، وبرغم تخرجه من الثانوية العامة منذ فترة بسيطة، لكنه أصبح ناشرا رسميا بدوام كامل.

 

بدأ “ستان لي” تسجيل كتاباته تحت أسماء مستعارة مثل: ST. Anley، Stan Martin، Stan Lee، وصار الاسم الأخير “ستان لي” هو الاسم المستعار الأكثر نجاحا له، حيث قيل على لسانه في القصة المصورة التي عرضت سيرته الذاتية «Amazing Fantastic Incredible: A Marvelous Memoir»: «أدركت أن الناس لا يملكون أدنى احترام لكتب القصص المصورة. غالبية الأباء لم يحبوا أن يقرأ أبناؤهم القصص المصورة، وكنت أشعر بالإحراج من أن يرتبط اسمي بهذه الأشياء. ظننت أنني ذات يوم سأكتب رواية أمريكية عظيمة، وإن وقعت باسمي هنا سأكون قد خسرت فرصي قبل أن أبدأ. من هنا قررت أن أوقع باسم ستان لي». فقرر الإبقاء عليه دون غيره إلى أن قدم طلبا رسميا بالمحكمة لتحويل اسمه من “ستانلي مارتن ليبر” إلى “ستان لي”.

 

تم تجنيد (لي) في الجيش الأمريكي عام 1942 حيث كان يخدم في الجيش ككاتب محلي ليعود بعدها إلى عمله بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وفي عام 1961 وضع مارتن جودمان صاحب دار النشر كل ما يخص الدار بين يدي “ستان لي” ليتسلم إدارة الدار ويقودها للنجاح داخل الولايات المتحدة وبجميع أنحاء العالم.

ستان لي أثناء خدمته بالجيش
ستان لي أثناء خدمته بالجيش

ستان لي وشخصيات مارفل

ستان لي وشخصيات مارفل
ستان لي مع شخصيات مارفل

أسست شركة “دي سي” للقصص المصورة فريقها الخاص الذي يجمع أبطالها الخارقين مثل سوبرمان وباتمان وغيرهم وصار لذلك الفريق شعبية كبيرة بين القراء، فأراد “ستان لي” أن يحقق نفس الفكرة  في شركة مارفل ولكن بأسلوبه الخاص، فقرر التوجه لفئة سنية أكبر من الفئة المعتادة من الصغار والأطفال الموجه إليهم القصص المصورة، فكان شهر نوفمبر من نفس العام 1961 بداية ثورته الخاصة في عالم الأبطال الخارقين، وذلك بابتكار شخصيات فريق” المدهشون الأربعة Fantastic Four” من خلال إصدار المجلد الأول للسلسلة الشهيرة ليصير علامة فارقة في تاريخ دار نشر “مارفل”.

 

بعدها صمم شخصية الرجل الأخضر “هالك” التي تعتبر من أشرس وأقوى شخصيات القصص المصورة على الإطلاق، ثم اتجه لتصميم شخصية “الرجل العنكبوت”، و كان المصمم  ستيف ديتكو” هو من صمم طريقة الرجل العنكبوت في التأرجح بخيوط العنكبوت. لذلك كان الفضل الأكبر في تلك الشخصية لـ”ستيف ديتكو”.

 

كانت بداية مرحلة “The Marvel Age of Comics” بطباعة مجلد “Amazing Fantasy” في شهر أغسطس 1962 وفيها قصة الرجل العنكبوت ضمن مجموعة من الأبطال، ولكن لم يستمر ذلك طويلاً، إذ استطاع الرجل العنكبوت في وقت قصير أن يفوز بمجلدات مستقله خاصة بعيدا عن سائر الشخصيات. وفي شهر مارس 1963 انفجرت مبيعات مجلدات مارفل، وحققت أضعاف أرباحها السابقة فصار الرجل العنكبوت من أنجح الشخصيات المبتكرة بعالم القصص المصورة، ودفع هذا النجاح بالشخصية إلي عالم التلفاز في مسلسل كارتوني حقق أرقاما عالية من المشاهدات وقتها.

 

واستمر “ستان لي” في تلك الفترة الخصبة بتقديم العديد من الأبطال منهم الرجل الحديدي وثور، ودكتور سترينج ومنظمة “شيلد S.H.I.E.L.D” ثم جمع أغلب هؤلاء الأبطال تحت لواء واحد أسماه “المنتقمون Avengers” كجماعة رسمية تقوم على حماية العالم من الأخطار الكبري.

 

أفلام مارفل

أفلام مارفل
ستان لي مع الممثل روبرت داوني جونيور

أقدم ستان لي على الخطوة التالية التي طالما طمح إليها بعد انتقاله مع أسرته إلي الجانب الغربي من الولايات المتحدة حيث تقع مدينة “هوليوود”، فأصبح المسؤول الأول عما يسمي “Marvel Films” لتحويل أعمال مارفل إلي أعمال سينمائية، وتم توسيع صلاحياته بحيث أصبح عقده حرا يتصرف كيفما شاء بدون الرجوع لإدارة مارفل، خاصة وأن جميع تحركاته وأفكاره كانت تصب في مصلحة مارفل أولا وأخيرا، كما شارك “ستان لي” كممثل بالظهور الخاص في أدوار صغيرة بأغلب الأفلام الخاصة بشخصيات عالم مارفل.

 

يمكن تلخيص الحياة الفنية لستان لي في جملة قالها: «لطالما تمنيت أن أفعل شيئًا أفضل من القصص المصورة، ولكن يبدو أنه لم يكن هناك شيء كهذا»، كدليل على شغفه التام بعوالم القصص المصورة وشخصياتها المميزة التي اصبحت بفضله واقعًا حيًا بدلا من رسوم على صفحات ورقية.

 

جوائز ستان لي

جوائز ستان لي
تكريم ستان لي بواسطة الرئيس جورج بوش الابن

فاز ستان لي بالعديد من الجوائز مثل: جائزة “إيسنر Eisner ” عام 1994 والتى تُمنح لكُتاب القصص المصورة الأمريكية، الميدالية الوطنية للفنون، جائزة The life career award عام 2002 تقديرا لمجهوداته الفنية، جائزة بيل فينجر عام 2008، نجمته الخاصة بممر المشاهير في هوليوود، تكريمه شخصيا من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك جورج بوش الابن.

وفاته

توفي في 12 نوفمبر عام 2018 عن عمر يناهز 95 عاما بمركز سيدارز سايناي الطبي بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية نتيجة قصور في عضلة القلب، مسببا صدمة مؤلمة لجميع محبي القصص المصورة حول العالم.