في 25 نوفمبر 2020، رحل دييجو أرماندو مارادونا، اللاعب الذي يعتبره أغلب مشجعي كرة القدم أنه أعظم لاعب في التاريخ، ولا ينافسه في هذا اللقب إلا الأسطورة البرازيلية بيليه الملقب بالجوهرة السمراء، وتقاسما سويًا لقب لاعب القرن الذي أعلنته الفيفا عام 2000، في السطور التالية نعرض لمحات من حياة مرادونا، اللاعب الأكثر مهارة والأكثر جدلًا في تاريخ كرة القدم.

مولد مارادونا ونشأته

ولد دييجو أرماندو مارادونا في 30 أكتوبر عام 1960، في إحدى الضواحي الفقيرة في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، وظهر دوليًا للمرة الأولى مع منتخب الشباب الأرجنتيني في 20 أكتوبر 1976، وفي 27 فبراير عام 1977 شارك مع المنتخب الأول أمام منتخب المجر على استاد بومبونيرا بالعاصمة.

مسيرة مارادونا الرياضية

على مستوى الأندية، لعب مارادونا مع بوكا جونيورز الأرجنتيني، ثم انتقل إلى فريق برشلونة الأسباني، وبعدها إلى نابولي الإيطالي، ثم رحل عنه بعد ثبوت تعاطيه للمخدرات عام 1991. وخلال هذه المرحلة، أحرز مع فريق نابولي الإيطالي لقب الدوري في عامي 1987، و1990، وكأس الاتحاد الأوربي عام 1989.  وعلى المستوى الدولى، أحرز مارادونا هدفه الدولي الأول ضد المنتخب الاسكتلندي، في فبراير عام 1979.

 

كما شارك مارادونا في 4 بطولات لكأس العالم، بداية من بطولة عام 1982 وحتى بطولة عام 1994، وشارك في 21 مباراة. وقاد منتخب بلاده (الأرجنتين) للفوز بكأس العالم عام 1986، ونال لقب أفضل لاعب في البطولة، ولا ينسى التاريخ هدفيه في إنجلترا في الدور نصف النهائي، الأول أحرزه بيده؛ أو يد الرب كما صرح وقتها، والثاني بعد أن رواغ كل من قابله في طريقه نحو المرمي، مسجلًا أحد أجمل الأهداف في تاريخ كرة القدم، وصرح مارادونا بعد لقاء انجلترا قائلًا: “كان الأمر بالنسبة إليّ كما لو أننا هزمنا دولة، أكثر من مجرد فريق كرة قدم”، في صياغة اعتبرها البعض لا تخلو من تلميحٍ سياسيّ.

مسيرة مارادونا التدريبية

مارادونا يستطيع السيطرة على الكرة وكأنها حيوان أليف
صورة تجميعية لمارادونا في شبابه وفي سن كبير

تولى مارادونا تدريب المنتخب الأرجنتيني في أكتوبر عام 2008، وظلّ في منصبه إلى أن خرج من دور الثمانية في كأس العالم بجنوب إفريقيا عام 2010، بهزيمة مذلة على يد الماكينات الألمانية بـ 4 أهداف مقابل لا شيء، ورغم هذا تحدث مارادونا عن هذا اللقاء، موضحًا أن الفارق في الأداء بين كلا الفريقين لم يكن كبيرًا إلى هذه الدرجة، ودافع عن نجم الفريق وقتها ليونيل ميسى قائلًا: “من يرى أن ميسى لم يقدم بطولة رائعة فهو مجرد أحمق”.

مارادونا وسيزار مينوتي.. الحب بعد العداوة

استبعد سيزار مينوتي المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني اللاعب الشاب مارادونا من تشكيلة الفريق المشارك في كأس العالم عام 1978 في الأرجنتين، رغم أنه كان قد ضمه قبل عام. كان مينوتي يرى أن مارادونا لا زال صغيرًا لا يستطيع أن يتحمل توقعات وآمال الجماهير الأرجنتينية، وتعرض مينوتي وقتها لهجوم حاد، إلا أنه أثبت جدراته كمدير فنّي ونجح في الفوز بالبطولة بقيادة المهاجم الهداف ماريو كيمبس.

للوهلة الأولى تخيل البعض أن العلاقة ستسوء بين الاثنين (مارادونا ومينوتي)، إلا أن مينوتى ضم مارادونا لمنتخب الشباب، وقاد مارادونا الفريق للفوز بكأس العالم للشباب عام 1979، وصار مارادونا ركنًا أساسيًا في المنتخب تحت قيادة مينوتي، وذهبا سويًا إلى كأس العالم فيإأسبانيا عام 1982، إلا أن الأرجنتين خرجت من البطولة بعد أن مُنيت بهزيمتين من كل من إيطاليا والبرازيل، وخرج ماردونا مطرودًا في مباراة البرازيل.

الطريف أن مارداونا قد حقق في البطولة رقمًا قياسيًا لأكبر عدد من الأخطاء التي يتعرض لها لاعب في مباراة واحدة، حينما ارتُكبت ضده 23 مخالفة من جانب الفريق الإيطالي.

بقيت العلاقة بين الطرفين – مارادونا وبينوتي – مستمرة ولم تنقطع، إذ أبدى مارادونا سعادته بتولي مينوتي منصب مدير المنتخبات الوطنية الأرجنتينية، قائلًا: “أنا سعيد جدا بتولي الفلاكو مينوتي هذه الوظيفة”، مشيرًا إلى أن “بينوتي غير مسار كرة القدم في هذا البلد، جعلنا نعدو بشكل أسرع من الألمان ونلعب الكرة مثل البرازيليين”.

وفي المقابل، رد بينوتي التهنئة لمارادونا عندما تولى تدريب خيمناسيا دي لا بلاتا الفريق المحلي في الأرجنتين، مادحًا إياه بوصفه: “إلى جانب كونه لاعبًا عظيمًا، هو أيضا إنسان تضامني عظيم يتفهم جيدًا أن كرة القدم ليست لعبة فردية، ولطالما عوَّل على العمل الجماعي”

مارادونا والعويران ومحمد صلاح

في لقاء له مع شبكة سكاي نيوز الإخبارية، أبدى مارادونا إعجابه بالهدف التاريخي الذي سجله اللاعب السعودي سعيد العويران في مرمى بلجيكا في كأس العالم 1994 بالولايات المتحدة، والذي جاء في المرتبة الثالثة كأفضل هدف في البطولة على مر التاريخ بعد هدف مارداونا في مرمى انجلترا عام 1986، وهدف المهاجم الإنجليزي مايكل أوين في مرمى الأرجنتين عام 1998م.

كما تحدث مارادونا عن الإصابة التي تعرض له النجم المصري محمد صلاح في التحامه مع مدافع ريال مدريد سيرجو راموس معلقًا: “بالنسبة لي هو خطأ يستحق العقاب، والعقاب هنا إيقاف لمدة عامين، لم يكن الأمر تنافسًا على الكرة، هذه حركة جودو، ولكن راموس لم يعاقب لأنه لاعب في ريال مدريد وهو نادي قوي، ربما لو كان لاعبًا من برشلونة لتم إيقافه”.

هل يتمنى مارادونا لو لعب في العصر الحالي؟

ثمة وجهة نظر ترى أن مارادونا يُعد أعظم مَن لعب كرة القدم، وظلمه عصره، ولو كان مارادونا أحد لاعبي الألفية الجديدة فلربما نال من الاهتمام بلياقته البدينة والحرص على صحته والالتزام بالتدريب والبعد عن المخدرات، ما يؤهله للمكوث في الملاعب مدة أطول من ذلك وتحقيق أكثر مما حققه من بطولات وأموال.

إلا أنه في مقابل وجهة النظر هذه، فإن مارادونا لا يُظهر تأييدًا لهذه النظرة، فكما أن ممارسة الكرة الآن قد صارت أكثر احترافية إلا أن مارادونا يعيب كثيرًا على طريقة ونظام ممارسة كرة القدم في عصرنا.

مارادونا وهو يستعرض مهاراته الفردية مع كرة القدم
مارادونا وهو يستعرض مهاراته الفردية مع كرة القدم

بداية يعترف مارادونا صراحًة أنه لو وجدت تقنية الـ VAR في عصره فلم يكن ليحتسب هدفه الأول في مرمى بيتر شيلتون حارس المنتخب الانجليزي في كأس العالم 1986، فالحارس كان مغمض العينين ولم يشاهده حكم الساحة ولا مساعده.

كذلك ينتقد مارادونا بشدة نظام انتقالات اللاعبين في هذا العصر، وأنه لم يعد هناك انتماء لدى اللاعبين لأي فريق، وصار الحصول على أعلى الأجور هو الهدف الأساسي، وبسهولة ينتقل اللاعب من نادٍ إلى آخر ولو كان خصمه اللدود لمجرد أنه سينال راتبًا أعلى فحسب، ناعتًا سوق انتقالات اللاعبين حاليًا بـ “السيرك”، وهو ما يسيء إلى اللاعبين وإلى كرة القدم.

ومن وجهة نظر مارادونا الأسطورة فإنه لابد للاعب من أن يحب ناديه ويحترم القميص الذي يرتديه، وفي المقابل سينال احترام الجماهير وحبهم، كما أنه يرفض التعامل مع الوكلاء الذين يتقاضون أجورًا مقابل التسويق اللاعبين والمدربين، مؤكدًا أنه كان باستطاعته تدريب فرق كبرى إلا أن هذا لم يحدث لأنه رفض التعامل مع هؤلاء الوكلاء.

مارادونا ومناضلي أمريكا اللاتينية

كان مارادونا يضع وشمًا للمناضل الأرجنتيني تشي جيفارا على ذراعه، ووشمًا آخر يحمل صورة فيدل كاسترو على ساقه اليسرى، كان يصف نفسه قائلاً: “أنا تشي جيفارا كرة القدم؛ لأني يمكن للاعبين الحديث معي وعني في كل شيء”، وكان يعتبر كاسترو بمثابة أبٍ ثانٍ له، وقد بكى بشدة عقب وفاته واعتبر هذا أعمق حزن تعرض له في حياته بعد وفاة والده.

كان مارادونا وكاسترو قد التقيا للمرة الأولى عام 1987 عقب فوز الأرجنتين بلقب كأس العالم، وتوطدت العلاقة بينهما مع بدايات الألفية الجديدة، حيث مكث مارادونا 4 سنوات في العاصمة الكوبية هافانا للتعافي من إدمان المخدرات، ولا ينسى مارادونا هذا للزعيم الكوبي الذي كان يتصل به ليشجعه، واستقبله في كوبا في الوقت التي أغلقت فيها مستشفيات الأرجنتين في وجهه.

ومن اللافت أنه تصادف أن رحل كل منها في اليوم نفسه، الخامس والعشرين من شهر نوفمبر، بفاصل زمني قدره 4 سنوات، ليرحل اللاعب الذي طلب يومًا من الفيفا أن تسحب القميص الرقم (10) من قائمتها تخليدًا لذكراه هو وحده.