دائماً تستحوذ الشخصيات الشريرة المُركبة على اهتمام المشاهدين و القراء، فكم من مرة جذبت شخصية الجوكر أو ليكس لوثر الانتباه إليها بدلاً من الانتباه لباتمان أو سوبرمان؟ ولماذا استطاع الطاغية الفضائي ثانوس أن ينال إعجاب الجميع بسهولة عند رؤيته علي الشاشة خلال أفلام مارفل؟

لأنهم شخصيات شريرة مركبة..هذه هي الإجابة بكل بساطة.

ولكن قبل الاسترسال في عرض محتوى المقال،ما معني مصطلح الشخصية الشريرة المُركبة؟

الشخصية الشريرة المُركبة Complex Villain

أشرار مارفل
أشرار مارفل

تحمل الشخصية الشريرة المعتادة بداخلها بذور الشر الخالص، فنراه طوال أحداث القصة يتحرك بهدف تنفيذ خطته الدنيئة للإيقاع بالبطل أو إبعاده عن الطريق، ودائماً تظهر دوافعه واضحة و صريحة إذ تصب جميعها في بحر الشرور و الأذى، فينال كراهية القراء أو المشاهدين بشكل كامل.

ولكن عند الوصول لجزء الشخصية الشريرة المُركبة، نجد الشرير يحصد إعجاب الجميع, فكيف حدث ذلك؟

هنا نحن أمام شخصية مضطربة، تحمل بداخلها دوافع الشر الخالص ولكنها تحمل جوانباً داخلية تبرز المعاناة التي تعرضت لها الشخصية عبر سنوات حياتها، أو تظهر لنا ماضياً مفعم بالأسى و المواقف التى قد تسببت في جعله ماهو عليه الآن.

الشخصية الشريرة المُركبة تجبر من أمامها على اكتساب تعاطفه، والوقوع في فخ الاعجاب بجوانبه المتعددة التي تتصادم فيها الصفات المضادة، بينما يدير خطته الأصلية بكل حنكة و ذكاء من أجل هزيمة البطل بالنهاية.

التفاصيل الخاصة بشخصية الشرير هي ماتجعله مُركباً أو بسيطاً، وكلما ازداد عمق تلك التفاصيل كلما صب ذلك بمصلحة الشخصية بالنهاية، حيث يتعرف القارئ أو المشاهد علي الفلسفة الخاصة بالشرير ورؤيته للعالم وخطته التي يهدف تنفيذها، فمثلما رأينا بسلسلة أفلام مارفل كيف قام ثانوس بالتخطيط لجمع الأحجار اللانهائية الستة فيلماً تلو الآخر، إلى أن قرر أن ينفذ الخطة بنفسه دون استخدام الأعوان و المساعدين، فتكلل الخطة بالنجاح في فيلم Avengers:Infinity War التي تنتهي فيه رحلة جمعه للأحجار ثم استخدامها لإفناء نصف تعداد الكون بالفعل، والتى لولاها ماكانت لحروب فرقة الافنجرز و مغامراتهم أي أهمية بالنهاية.

إذن، فشخصية الشرير هي التي تحرك الأحداث للأمام دائماً بمبادراته نحو البطل و خططه التى تجذبه إلي دائرة الحدث، فتخيلوا معي عالم الكومكس بدون أشرار عظماء مثل الجوكر،ثانوس أو دكتور دووم؟

بدايات أشرار الكومكس

أشرار دي سي
أشرار دي سي

في عالم الكومكس، يكثر وجود الشخصيات الشريرة المُركبة، إذ نجد أمامنا بعالم دي سي شخصيات مثل:الجوكر،ليكس لوثر، سينسترو،شيتا،ريفرس فلاش، ديثستروك، بين، آيفي السامة، هارفي دينت,سكيركرو،ريدلر, والقائمة تطول.

أما إذا نظرنا نحو عالم مارفل، سنرى شخصيات شريرة لامعة مثل: ثانوس،دكتور دووم،ماجنيتو،لوكي،دكتور أوكتبوس،فينوم،ميستيك،ساندمان و غيرهم.

تتشارك جميع تلك الشخصيات في تعرضهم لمآسي سابقة ببدايات أو منتصف حيواتهم، مما جعلتهم يجنحون لجانب الشر كوسيلة لإظهار غضبهم أو حزنهم مما حدث أو للشعور بالتعويض الداخلي الكافي وإيجاد هدف جديد لحياتهم البائسة.

يهتم المؤلفون للغاية بنقطة التحول التي تتسبب في تحويل مسار حياة الشخصية، لتجعله شريراً مُركباً يمارس عدوانيته ضد الأبرياء و الأبطال، وغالباً تكون حادثاً غير متوقعاً يتلاعب بطبيعة جسد أو عقل الشخصية ليجعله فيما بعد مشوهاً أو خارقاً بشكل يسمح له باستغلال تلك العاهة أو القدرة كشرير خارق.

أشرار أم  أنتي هيرو ؟

anti-heroes
anti-heroes

الشخصيات الشريرة المُركبة هي الأكثر استعدادا ً للتحول لما يطلق عليه “نقيض البطل Anti-Hero”، ويُطلق ذلك المصطلح على شخصية البطل الذي يمارس بطولته بطريقة عنيفة تكاد توازي طرق الأشرار في بعض الوقت، فهنا نجد أن الأنتي هيرو لا يلتزم بأي قوانين أو قواعد عامة، ولا يتورع عن سفك الدماء أو الاعتداء علي الآخرين، لكنه بالنهاية يستهدف إمالة كفة الأمور نحو جانب الخير بدلاً من جانب الشر.

و طوال سنوات طويلة من عمر الشخصيات الشريرة بالكومكس، تعرضت شخصيات عديدة لذلك التحول الذي يجعلها أقرب للأنتي هيرو, ففي سلسلة Action Comics الخاصة بشخصية ليكس لوثر والصادرة عام 2016-2017 نجده وقد صار رفيقاً لسوبرمان بدلاً من كونه عدوه اللدود، بل أنه حمل شعار سوبرمان المشهور علي صدره ضمن بذلة معدنية خارقة تمكنه من الطيران وإيقاف الأشرار.

كذلك الشرير سينسترو الشهير بالفانوس الأصفر رمز الخوف، يمرّ ببعض الفترات التى تجعله مدافعاً عن الأبرياء بهدف تحقيق العدالة بدلاً من نشره للقتل والدمار مثلما اعتاد مسبقاً.

و بسلسلة Infamous Ironman  الصادرة ضمن قصص مارفل عام 2016، نجد أنه بعد غياب ايرون مان عن الأحداث، يقرر دكتور دووم الشرير الخارق أن يبحث عن الخلاص لذاته الشريرة، وذلك بسلوك طريق الخير وأن يخترع بذلة جديدة متخذاً هوية أيرون مان الجديد لنشر السلام ومساعدة الأبرياء.

الأمثلة كثيرة على تلك التحولات، فهى فرصة ذهبية للمؤلفين كي يرتادوا جوانب جديدة تخص شخصياتهم الشريرة وتزيد من عمق تركيبهم الداخلي ، مما يساعد على فتح خطوط روائية تسمح بإصدار المزيد من القصص و الأعداد المثيرة لشهية القراء المتعطشين دوماً لكل جديد.

أسس تقديم الشخصية الشريرة المُركبة

أشرار دي سي 2
أشرار دي سي 2

تأليف الشخصيات الشريرة هو التحدي الأصعب لدي المؤلفين، فالأبعاد النفسية و الصفات المتضاربة داخل نفس الشخصية يستلزم من المؤلف وعياً كاملاً بتفاصيل الشخصية، وقدرة هائلة على الحلول داخله لاستلهام الشعور المناسب فيتمكن من اخراجه بصورة لافته للنظر بالمنتج النهائي سواء كان فيلم أو رواية أو قصة كومكس.

يرى البعض أنه لا وجود للشخصية الشريرة الخالصة، ففي كل شخصية شريرة جانباً إنسانياً مهما كان ضئيلاً، وعلى المؤلف ألا يكتفي بالنظرة الخارجية السهلة للشخصية، بل يتعمق بداخلها ليقتنص ذلك الجانب الإنساني ويستكشفه جيداً ويجعله أساساً لتعقيد الشخصية و تركيبها.

كذلك يعتبر الدافع هو المحرك الأساسي للشخصية الشريرة المُركبة ووسيلتنا لفهم سر تركيبها، فمثلاً شخصية الجوكردائماً في صراع عنيف مع المجتمع من أجل إسقاط معتقداته الراسخة البائدة  وفضح كذب الجميع و إظهارهم لأنفسهم بهيئة مخالفة لأصولهم، ويستخدم الفوضى في ذلك الصراع كسلاح ناجح يحقق به هدفه.

عندما نتفهم ذلك الدافع، حينها يمكننا كقراء و مشاهدين أن نتقبل بعض الأفعال التي يرتكبها الجوكر، حتى وإن ادركنا فسادها الأساسي ولكننا صرنا قادرين على تفهم وجهة نظره الشخصية، وكذلك رؤيتنا لأفعال ثانوس التي يعتبر نفسه بها بطلاً سينقذ الكون من مشاكل الكثافة السكانية المتزايدة و خطرها على توفير الموارد للجميع.

لذلك كلما احتوت المبررات على وجهات النظر الشخصية للأشرار, كلما كانت أسهل وأقرب للتصديق لدى المشاهدين، فحينها يمكنهم مشاركة الأشرار وجدانياً و تعلقوا بها أكثر.

مجال الكومكس ملئ بالأشرار ذوي الشخصيات المركبة مثلما ذكرنا سابقاً، لذلك ستمتد رحلتنا عبر سلسلة طويلة من المقالات لاكتشاف اسرارهم الداخلية و نواياهم المعقدة, وستكون محطتنا الأولى بزيارة لشخصية دكتور دووم من عالم مارفل، لنستكشف الدوافع و الأسباب التى جعلته من أفضل الشخصيات الشريرة المركبة بعالم مارفل.