«فضائلنا وعيوبنا لا ينفصلان مثل القوة والضعف إذا انفصلا لا يصبح الإنسان إنسانا» إحدى مقولات العالم والمخترع نيكولا تسلا، الذي عاش ما يقارب 87 عاما، كثرت واختلفت الحكايات عنه، لكن المتفق عليه أنه نال احترام الجميع ليس فقط من قبل الأشخاص العاديين بل من جميع العلماء. لذا لقب بمخترع القرن العشرين لما قدمه من إنجازات واختراعات. ورغم أن «نيكولا تسلا» ليس بقدر شهرة «توماس إديسون»، مخترع المصباح الكهربائي و«جولييلمو ماركوني»، أول من نقل واستقبل موجات الراديو، إلا أن لولا جهود «تسلا» المضنية، لما كان لنا أن نعيش اليوم في شوارع ومنازل مضاءة، أو نستمتع بالبث الإذاعي والتلفزيوني.
مفارقة قد تكون علامة على مستقبل عظيم
يقال إن لحظة ميلاد «تسلا» عام 1856 اقترنت بعاصفة رعدية شملت قريته الصغيرة التي كانت حينها جزءا من الإمبراطورية النمساوية، قبل أن تنفصل لتصبح داخل حدود كرواتيا، لتلقي العواصف بظلالها على عالم مخترع درس الفيزياء والرياضيات في جامعة «جراتس» النمساوية، وعمل في عدة وظائف تقنية بأوروبا، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة عام 1884 مفلسا لا يحمل سوى خطاب ترشيح للعمل حتى يتمكن من الحصول على وظيفة كمهندس في معامل الأبحاث الصناعية الخاصة برجل الكهرباء الأول في العالم «توماس إديسون».
عاصفة التغيير التي حملت «تسلا» إلى الحياة هي نفسها التي غيرت مساره بعد العمل مع المخترع الأمريكي «إديسون».
أشهر قليلة كانت كافية للكشف عن علامات نبوغ المهندس الشاب والمخترع العبقري الذي انتهز الفرصة عندما عرض «إديسون» مكافأة قدرها 50 ألف دولار لقاء تطوير «تسلا» لتصميم مولدات التيار الكهربي المباشر، فظن المهندس الشاب أن الفرصة جاءته؛ إلا أنه فوجئ بعد إتمامه العمل ومطالبته بالمكافأة بإجابة «تسلا، يبدو أنك لا تفهم حس الفكاهة الأمريكي».
مزاح كتب نهاية المرحلة الأولى من حياة «تسلا» المهنية، وبداية مرحلة الاستقلال بعمله والبحث عن مستثمرين لتمويل أبحاثه وتجاربه فى مجال التيارات الكهربية المترددة التي لم يحبذها «إديسون»، مولياً اهتماماً أكبر إلى التيارات المباشرة، على الرغم من صعوبة توزيعها ونقلها لمسافات طويلة.
في شارع «الحرية» أسس «تسلا» معمله على مقربة من مقار معامل وشركات «إديسون». ومع نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر، وبمساعدة عدد من المستثمرين، ولد اختراع مولد التيار الكهربي المتردد، ليسجل براءته «تسلا» في مايو عام 1888، لافتا أنظار كبار المستثمرين الى نبضات عقله المنيرة، ومحطما بذلك تفرد مولدات التيارات الموجهة.
الاختراع المولود حديثا سلم «تسلا» إلى أيدي شريك وممول جديد وهو «جورج ويستنجهاوس» صاحب شركة «ويستنجهاوس إليكترك» التى شرعت في الاستفادة من تقنية التيارات المترددة.
«تسلا» ينتصر في حرب الترددات
النجاح الذي حققه «تسلا» والاهتمام المجتمعي الذي انصب على أعماله جعل «إديسون» يعلن الحرب عليه، والتي عرفت بـ«حرب الترددات».
بدأ «إديسون» نشر دعاية مضادة لـ«التيارات المترددة»، من خلال اقتراح استعمالها في تنفيذ أحكام الإعدام، بذل جهدا في إثبات عدم حاجة البشر إليها، أقام عروضا في الشوارع وصعق بها الحيوانات التي سرعان ما نفقت، لكن محاولات «اديسون» وأد اختراع «تسلا» تم محوها باختبار عملي وحيد.
ففي أول تطبيق عملي لتجاربه استطاع «تسلا» بالتعاون مع «وستينجهاوس» إضاءة المعرض الكولومبي بشيكاغو بالكامل في أوائل تسعينيات القرن الـ19، معتمدا فقط على التيارات المترددة التي شكك الكثيرون في جدواها، ليصبح أول عرض ضوئي مبهر للجمهور من ذات الطاقة التي ظنوا أنها ليست إلا التدمير فقط. لكن الحدث سجل لحظة تاريخية لا تنسى ولم تكن سوى نواة لتغير آت.
من هنا أصبح العالم يرى
لم يكن ينوي «تسلا» سحب بساط التألق من أسفل قدمي «إديسون» نهائيا، كونه يصب جام اهتمامه في الإعداد لمشروع أنار العالم بأكمله بعد نجاحه.
بدأ في شراكته مع «ويستنجهاوس» وبالتعاون مع شركة «جينيرال إليكتريك» الإعداد لإضافة طوربيدات في شلالات «نياجرا»، لتكون بذلك أول محطة توليد كهرباء عصرية في التاريخ تستخدم طاقة متجددة، وبنجاحها تصبح الطاقة متوفرة وعلى مساحات جغرافية واسعة، ليمر مفهوم الإنارة بتطور ينقله من طور الاختراع إلى الحاجة اليومية التي لا غنى عنها.
قبل نهاية القرن تمكن «تسلا» من تصميم مولدات عملاقة بطاقة 5 آلاف حصان، لتصبح بذلك أكبر مولدات عرفها عصره، وضمن 3 منها إلى محطته، لكن ذلك لم يكن كافيا لإنهاء الشكوك حول جدوى تجاربه. فمع إعطاء إشارة التشغيل في منتصف العقد الأخير من القرن، تبددت المخاوف وتلاشت الشكوك مع صدور كميات كبيرة من الطاقة بعد اندفاع المياه إلى طوربيدات الموصلة بالمولدات العملاقة، وبانتقال الطاقة من طريق إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى؛ انتشرت الإضاءة الكهربائية بين المنازل. ومع مرور السنوات زاد عدد المولدات في محطة الكهرباء الأولى في العالم وتمت إنارة مدينة نيويورك بالكامل.
هوس نقل الطاقة يولد الراديو
يرتبط اختراع الراديو الذي نعرفه اليوم باللحظة التي تمكن فيها المخترع الإيطالي «ماركوني»، من بث رسالة عبر المحيط الأطلسي في ديسمبر عام 1901، إلا أن السر وراء ذلك الإنجاز كان «تسلا».
المفتتن بالطاقة ووسائل نقلها جعلته ينجز تطوير أساسيات الاتصال اللاسلكي ويسجل بها براءة اختراع في سبتمبر عام 1897، أي قبل إنجاز «ماركوني» بـ 4 سنوات، انطلاقا من إيمانه بأن الطاقة يمكن أن تنقل لاسلكيا بوسيلة أو بأخرى.
لم تتوقف إنجازات «تسلا» في مجال نقل الطاقة اللاسلكية عند الراديو، تمكن من توجية قارب صغير والتحكم به لاسلكيا في بركة حديقة «ماديسون سكوير»، في أول تجربة للتحكم عن بعد، ما أذهل متابعيه ودفعهم للاعتقاد بأن هناك خدعة وراء ابتكاره.
لم يمثل ذلك في نفس المفتتن بالتيارات الكهربائية سوى خطوات على طريق حلمه، لبناء شبكة تواصل عالمية يحكمها برج عملاق من الأخشاب في «لونج أيلاند»، بدأ في تنفيذه ليصبح مركزا لفكرة نقل الطاقة الكهربية حول العالم، وهو ما رآه البعض دربا من الجنون واللا معقول، حتى إن ممول المشروع «جاي. بي. مورجان» تخلى عنه واتجه لتمويل «ماركوني».
بدأت الأنظار تتحول عن «تسلا» وتتجه إلى الشاب الطموح، حتى علق المخترع الشغوف بالكهرباء قائلا «إن ماركوني شخص صالح، دعوه يُكمل ما بدأ فإنه يعمل بهدى 17 من براءات اختراعي».
رفض تسجيل براءة اختراع «ماركوني» للراديو في الولايات المتحدة بسبب ريادة «تسلا» في المجال عام 1900، ولكها قبلت في المرة الثانية عام 1904 مُعلنة أفول نجم «تسلا».
من الاختراعات والأعمال والأفكار التي ساهم فيها «تسلا»
«التيار المتناوب (المتــردد) – المحرك الكهربائي الذي يعمل على التيار المتناوب – الضوء – كيفية تسخيره وتوزيعه – الاشعة السينية – الراديو – اجهزة التحكم عن بعد – المحرك الكهربائي – الروبوتات – الليزر – الاتصالات اللاسلكية – الطاقة الحرة اللامحدودة»