حينما تقرأ أي رواية من روايات الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكينز تجد أنه يحكي عن فيضان المجاري، أو دخان الفحم، وأوكار إدمان مخدر الأفيون، بالإضافة إلى العديد من الحكايات المأساوية منها شخص ما يموت بسبب الكوليرا، أو الإصابة بمرض الزحار، والحقيقة أن كل ذلك كان في العصر الفيكتوري، ووراء هذا التأثر الأدبي سبب ما.

بحلول سنة 1841 ازداد عدد سكان مدينة لندن وكذلك بالوعاتها، وأصبحت المجاري تصرف على نهر التايمز، وغرقت في يوم من الأيام شوارع لندن في روث الخيل، والكلاب الميتة والبول، وعلى الضفة الجنوبية لنهر التايمز كانت الجلود الحيوانية، وروائح الجلود المدبوغة ورائحة البول المنفرة.. تلك كانت لندن الفيكتورية.

وفي عام 1857 أصبحت المراحيض عصرية ولم يعد الناس يلقون بأشيائهم في الشوارع، ولكن بدأ عمل الصرف الصحي في ظل بعض من التخبط، وظل إفراغ هذه المراحيض المائية في نهر التايمز، ما أدى إلى ما يعرف في التاريخ الفيكتوري بـ “النتن العظيم” عام 1858م.

كان يجب فعل شيء ما لعلاج ذلك، ولسوء الحظ لم يكن لدى الفيكتوريين جامعي قمامة، أو مدافن للقمامة، لذلك كان عليهم أن يكونوا مبدعين.

فيما يلي بعض من الوظائف التي انتشرت في ذلك العصر وتجعلك تقدر مسؤوليات العمل الخاص بك في العصر الحالي.

10 وظائف قديمة في مدينة لندن في العصر الفيكتوري

1- صائد المجاري

صائد المجاري
صائد المجاري

في العصر الفيكتوري لو استيقظت في وقت مبكر وذهبت في نزهة على طول نهر التايمزن فقد تواجه عدد قليل من الشخصيات التي تسير على حافة النهر، وكانوا يسمون بصائدي المجاري أو الصيادين، حيث ربطوا الفوانيس في صدورهم ونزلوا في النهر في الضباب بصباحه الباكر، مرتدين معاطف طويلة لحماية أنفسهم من الرياح والأمطار، وكانوا يحملون بعض من الحاويات يبحثون في البراز والحطام عن الكنوز.

الكنوز التي كانوا يسعون إليها لم تكن الذهب، ولكن قطع صغيرة من النحاس وجدت متناثرة على خط طول الحافة المائية. كان النحاس كما هو اليوم ذو قيمة كبيرة جدا، حيث كان يتم استخدامه في صناعة المجوهرات والسكاكين، والقطع المعدنية والقطع النقدية.

صائدو المجاري Toshers كانوا الأوفر حظا حيث يعملون في المجاري نفسها تحت الأرض بجوار الجرذان الشرسة، والمياه ذات الرائحة الكريهة.

وكان يصاب هؤلاء الصيادون بـ مرض الجيوب الأنفية القاتلة وذلك بسبب غاز الميثان الذي يصيب الأنف بالتهابات شديدة السوء، وكان بعض منهم يموت متأثرا باختناق من غاز الميثان.

2- المودلاركس Mudlarks

صورة لأطفال الـ مودلاركس في لندن بالعصر الفيكتوري - مجلة هيدينجتون -1871
صورة لأطفال الـ مودلاركس في لندن بالعصر الفيكتوري – مجلة هيدينجتون -1871

المودلاركس هُم الأطفال الذين في السلسلة الهرمية الثانية بعد جامعي النفايات وصائدي المجاري فهم عادة أطفال فقراء يرتدون ملابس ممزقة لا توفر لهم أي حماية تذكر، كانوا يتجولون في الحطام والنفايات على أمل العثور على أي شيء تركه لهم صائدي المجاري سواء كانت كتل من الفحم، أو بعض من قصاصات الخشب، أو الحبال القديمة، أو أي شيء لا يجرؤ معظم الناس على لمسه.

الوظيفة هذه كانت خطرة جدا فكانوا يواجهون حوادث الاصطدام بالزجاج، أو الإصابة بتسمم الدم، والموت.

3- جامعي العظام Bone Grubber

صورة لأحد جامعي العظام في العصر الفيكتوري
صورة لأحد جامعي العظام في العصر الفيكتوري

اليوم لو وجدت قطا ميتا أو كلبا أو حتى أي حيوانات نافقة في النهر أو على طول النهر يمكنك الاتصال بالسلطات المحلية في مدينة لندن لإزالتها، ولكن في العصر الفيكتوري لم يهتموا بالحيوانات النافقة وكانوا يتركونها في مياههم بسبب أن عظام تلك الحيوانات كانت تحمل قيمة مادية عالية.

العظام كانت تباع إلى مجموعة من الأشخاص يستخدموها في صناعة فرش الأسنان، والإكسسوارات التي تصنع من العظم، أو مقابض السكاكين، والأمشاط الرخيصة الثمن. أغلب الأطفال في العصر الفيكتوري كانوا يتوقفون عن البكاء حينما يمسكون أصبع من العظام في أفواههم.. إلخ.

المقصود من الحديث أن العظام كانت تستخدم في هذه الأغراض ولم تكن مخصبات بل كانوا يصنعون منها الحساء في بعض الأسر الفقيرة في العصر الفيكتوري.

4- صانعي أعواد الثقاب

صانعات الثقاب
صانعات الثقاب

كانت تصنع أعواد الثقاب بداية بتجهيز الأعواد الرفيعة ثم تغمس أطرافها في الفسفور الأبيض (مادة كيميائية شديدة السمية)، في العصر الفيكتوري، كان يتم تنفيذ هذا العمل على أيادي مراهقات يعملن في ظروف صعبة.

غالبًا ما كانت تعمل تلك الفتيات لمدة تتراوح ما بين 12 إلى 16 ساعة في اليوم، مع فترات راحة قليلة جدًا، لذلك دائمًا ما كنّ يأكلن الطعام في أماكن عملهن ما يعني أن الفوسفور السام كان يدخل إلى طعامهن، ما أدى إلى إصابة بعضهن بحالة مرضية شديدة كانت معروفة باسم (الفك الفاسد) حيث تصاب عظام الفك بالعدوى، ما يؤدي إلى تشوه شديد.

5- عمال تنظيف المداخن

طفل انجليزي يعمل في تنظيم المداخن
طفل انجليزي يعمل في تنظيف المداخن

كان يتم توظيف أطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم 4 – 6 سنوات لتنظيف المداخن، فأحجامهم الصغيرة كانت تجعلهم بمثابة الحجم المثالي لتنظيف مداخن الطوب. التسلق كان سهلا جدا لأعلى المدخنة ليكشط جميع الأوساخ بصورة جيدة.

المشكلة التي كانت تواجه هذه الأطفال أنهم كانوا يستنشقون الكثير من الغبار والدخان، ما يصيب منطقة الصدر بأمراض خطيرة، والأمر الصعب ذكره أن بعض العائلات الإنجليزية كانت تتعمد ألا يأكل أطفالهم بصورة جيدة لإعاقة نموهم، ويعملون في هذه المهنة حتى سن العاشرة. ولحسن الحظ صدر قانون عام 1840 م بمنع تسلق المدخنة لأي شخص دون سن الـ 21 عاما ليعمل في التنظيف، وعلى الرغم من ذلك استمرت بعض العائلات عديمة الضمير في هذه الممارسة.

6- كاتم الصوت الجنائزي

كاتمي الأصوات الجنائزية
كاتمي الأصوات الجنائزية

إذا ما قرأت رواية أوليفر تويست للمخرج الإنجليزي تشارلز ديكنز فستجد أن كاتم الصوت الجنائزي كانت وظيفة مبكرة للأيتام لدى متعهد دفن الموتى السيد سوربيري. فكانت أحد مكونات الطقوس الجنائزية وممارساتها الفيكتورية المعقدة للغاية، والمربحة أن يأتي بمجموعة من البكم ويرتدون ملابس سوداء عليها وشاح عادة ما يكون أسود أيضًا، ولكن مع الأطفال الوشاح كان أسود، ويحمل عصا طويلة مغطاة بالقماش، واقفًا بحزن وصمت أمام بيت المتوفى قبل أن تسير الجنازة إلى المقبرة.

7- صائدو الفئران

صائدوا الفئران
صائدوا الفئران

عادة ما كان يصيد صائدو الفئران فئرانهم باستخدام كلب صغير أو نمس، والهدف إبادة الفئران التي غزت الشوارع والمنازل البريطانية الفيكتورية، وكثيرًا ما كانوا يمسكون الفئران وهي على قيد الحياة، حتى يمكنهم بيعها إلى من يرغب في شرائها.

وكان في ذلك الزمان تقام حفلات رهان ومنافسات على المدة التي سيستغرقها الكلاب في صيد فئرانهم.

صيد الفئران لم يكن أمرًا سهلًا بل كان عملًا خطيرًا، ولم يقتصر الأمر على إصابة الكلاب بأمراض منقولة من الحشرات ولكن البشر نفسهم كانوا يصابون بلدغات حشرية تسبب التهابات رهيبة، وكان رجل يدعى “جاك بلاك” أحد أشهر صائدي الفئران الفيكتوريين الذين يعملون لصالح الملكة فيكتوريا نفسها.

وكشف كتاب “عمال لندن وفقراء لندن” عام 1851 أن جاك بلاك كان يستخدم قفصًا لتخزين ما يصل إلى 1000 فأر حي في وقت واحد، حتى يطعمهم للأسود في وقت من الأوقات، وإذا نساهم فإن هذه الفئران تبدأ في قتال وأكل بعضهم البعض، ما يؤدي إلى تدمير غنيمته.

8- كنّاسون الطرقات للعابرين

رسم كاريكاتوري من مجلة بانش عدد 26 يناير 1856 يظهر كناسي العبور
رسم كاريكاتوري من مجلة بانش عدد 26 يناير 1856 يظهر كناسي العبور

وظيفة كناسين الطرقات للعابرين كان يدخل فيها مجموعة من الأطفال وعادة ما يكونوا فقراء جدا، حتى إذا ما عبر رجل أو امرأة الطريق كنسوا أمامهم. وكان يعمل الكناس في الشوارع المتسخة والقذرة حتى تكون نظيفة جدا، لكي لا تتسخ أحذية هؤلاء الأثرياء.

وكان يعتبر كناسون الطرقات للعابرين درجة أعلى من التسول، أي أن عملهم كان قائم على أخذ البقشيش من هؤلاء الأثرياء، وخدمتهم بلا شك في وقت من الأوقات كانت تقدر بصورة عظيمة في الأماكن التي يوجد بها وحل وأوساخ مختلفة، فكان عليهم أن يتحملوا جميع ظروف الطقس ويخاطرون أيضًا بصحتهم العامة.

9- القيّاميون RESURRECTIONISTS

الرسم التوضيحي يوضح القياميون عام 1847 ينبشون عن الجثث المدفونة حديثًا
الرسم التوضيحي يوضح القياميون عام 1847 ينبشون عن الجثث المدفونة حديثًا

في أوائل القرن التاسع عشر كانت الجثث الوحيدة المتاحة لكليات الطب، وعلماء التشريح هي جثث المجرمين الذين حكم عليهم بالإعدام، ما أدى إلى نقص حاد في الجثث المطلوب تشريحها.

كانت تدفع كليات الطب رسومًا جيدة لمن يقدم جسدًا في حالة جيدة، ونتيجة لذلك رأى العديد من الفيكتوريين الماكريين فرصة لكسب بعض المال من خلال سرقة المقابر التي تم حفرها حديثًا. وتفاقمت المشكلة لدرجة أن العائلات كانت تحرس قبور المتوفين حديثًا لمنع القيّاميون من التسلل ونبش القبور وإخراج رفات موتاهم.

بعض الأشخاص مثل ويليام بيريك، وويليام هير تماديا إلى أنهما قتلا 16 شخصًا في الفترة ما بين العامين 1827 و1828 وأغرى الزوجان الضحايا للدخول إلى منزلهما، لشرب الخمر معهما ثم يخنقوهم، مما يضمن بقاء الجسد في حالة جيدة بما يكفي لربح المال المدفوع من كلية الطب بجامعة إدنبرة مقابل الجثث.

بعد اكتشاف جرائم بيرك وهير، سنت بريطانيا قانونًا للتشريح عام 1832 للإنهاء على تجارة القيّاميون المروعة من خلال منح الأطباء وعلماء التشريح قدرة على الوصول إلى أكبر عدد من الجثث، والسماح للناس بترك أجسادهم للعلوم الطبية.

10- جامعي براز الحيوانات Pure Finder

كان هناك مجموعة من الأشخاص تعمل على جمع براز الكلاب من شوارع لندن لبيعها إلى الدباغين الذين يستخدمونها في صناعة الجلود، فبراز الكلاب يساعد على تنقية الجلد وجعله أكثر مرونة، وكان الطلب على الجلود كبيرًا في العصر الفيكتور، فلم يقتصر استخدامه فقط كقماش للخيول ولكن للأحذية، والحقائب، وفي تجليد الكتب، وكان هواة الجمع يطاردون أماكن تجمع الكلاب الضالة، ويجمعون البراز ويحتفظون به في دلو مغطى قبل بيعه إلى الدباغينن وارتدى بعض الهواة في هذه المهنة قفازًا أسود لحماية أيديهم من التلوث لكن البعض الآخر كان من الصعب عليه الحفاظ على نظافة القفاز أكثر من يده، وتجنب حمايتها بصورة كاملة.