هو أبو محمد الحجاج ابن يوسف الثقفي المولود بالطائف، وكانت كنيته كليب فغيرها إلى الحجاج، حفظ القرآن وعمل معلما له بالطائف، ورحل إلى الشام حين أشتد عليه استخفاف ولاة الزبير ابن العوام خليفة مكة والمدينة والطائف، أنضم إلى شرطة الأمويين وترقى بها حتى أصبح ذراع الأمويين العسكرية وعاملهم على الشام عشرين عاما.
ولد الحجاج بثقيف في الطائف في العام 41 بعد الهجرة، تعلم القرآن والحديث في شبابه على يد أبيه ثم عمل معه في تعليم الصبيان، حمل إجلال لا ينكر للقرآن الكريم، واشتهر بفصاحة لسانه وحسن منطقه وبيانه، تغيرت حياته بالكلية بعد سخرية عمال الزبير عليه وعلى أهل الطائف.
الحجاج معلم الصبيان
لأسباب تتعلق بإن العرب كانت تحتقر مهنة المعلم ولا تكن لها أي إجلال، إضافة لسخرية عمال الزبير من شخص الحجاج لأنه معلم صبيان، وشعور الحجاج ذاته أن تعليم الصبيان ليس مكانه، قرر الحجاج التوجه إلى الشام.
توجه الحجاج إلى الشام ولم يتوجه إلى مكه، رغم بعد الشام بمراحل عن مكه، ورغم أن خصومته كانت مع ولاة الزبير، التحق بشرطة عبد الملك ابن مروان الخليفة الأموي وترقى بينهم حتى أصبح قائد الشرطة.
أصبحت الشرطة في ولاية الحجاج لا تقاس على الاطلاق قبل ولايته، لقد خلق الحجاج نظاما حقيقيا للشرطة الأموية، يقوم على الانضباط والطاعة والولاء التام.
الحجاج قائد الشرطة
حين التحق بشرطة الشام كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم، واستخفاف أفراد الشرطة بالنظام، وقلة المجندين. فأبدى حماسةً وانضباطاً، وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل، وأخذ نفسه بالشدة، فقربه الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان إليه، ورفع مكانته، ورقاه فوق أصحابه، فأخذهم بالشدة، وعاقبهم لأدنى خلل، فضبطهم، وسير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر.
ومن أشهر حوادث الحجاج مع الشرطة حين كانت في حالة سيئة، وقد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا،أنه أسرف في عقوبة المخالفين، فما عاد منهم تراخ ولا لهو، فقد جاء الحجاج يوماً على رؤوسهم وهم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، وأحرقت سرادقهم.
الحجاج القائد العسكري
رأى فيه الخليفة عبد الملك ابن مروان العزيمة والقوة الماضية، لأنه كان داهية مقداماً، لا يتواني عن حساب المقصرين، حتى لو كانوا من رجال الشرطة، وهو الذي وصف نفسه بحضرة الخليفة أنه الحقود الحسود، فجعله الخليفة الأموي عامله على الشام، فجمع الحجاج الدولة الأموية وحماها من السقوط، وأسسها من جديد.
كان التجنيد في حواضر الخلافة الأموية غير إلزامي، فجعله الحجاج إلزامي ونادى في أهل الشام ” أيما رجل قدر على حمل السلاح وتخلف، أمهله ثلاثة أيام، ثم أقتله وأحرق داره وأنتهب أمواله ” ثم طاف بالبيوت باجثا عن المتخلفين، وقتل أحد الرجال ممن اعترضوا عليه، فخرج أهل الشام كلهم للحرب معه مجبرين.
الحجاج وقصاصه من ابن الزبير
وحين سيّره الخليفة عبد الملك ابن مروان للخلاص من عبد الله الزبير بمكه أعطاه الأمان، فلم يقبله الزبير وقاتل حتى مات، فصلبه الحجاج.
وحين اتى أسماء بنت أبي بكر أم عبد الله ابن الزبير قال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، فقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم من النمل ونطاق لا بد للنساء منه فانصرف عنها ولم يراجعها.
وفاة الحجاج
مات الحجاج بالعام 95 من الهجرة، ودفن في مدينة واسط التي بناها في العراق، وكان قد أوصى يزيد بن أبي مسلم عامله عليها أن يُدفن سرا وأن يخفي موضع قبره، كي لا يتعرض للنبش.