ما الذي يدور داخل عقل واحد من ألمع وأعتى العقول الرائدة في مجال الاستثمار والتكنولوجيا؟ كيف يقضي يومه العادي، وأيام عطلاته؟ ما هي علاقته بأسرته وأصدقائه وشكرائه وموظفيه؟ ما الذي يفعله في حياته بعد أن ترك رئاسة شركته الشهيرة العملاقة مايكروسوفت؟ والأخطر من كل ذلك، كيف ينتقل تفكير بيل جيتس من الاهتمام بتوفير المراحيض ومصل شلل الأطفال إلى الشروع في إنشاء شبكته الخاصة من المفاعلات النووية؟ هذه الأسئلة وغيرها، يحاول الإجابة عليها وثائقي السيرة الذاتية “داخل عقل بيل: تفكيك شفرة بيل جيتس” أو (Inside Bills Brain: Decoding Bill Gates)، من إنتاجات نتفليكس الأصلية، 2019م.
بيل جيتس الذي نعرفه
الوثائقي سلسلة من 3 حلقات بصحبة الملياردير الأمريكي المثير للجدل “بيل جيتس”، في محاولة لاستكشاف طريقة تفكيره ودوافعه ونظرته لمحطات مهمة في حياته، بدايةً من طفولته ونشأته في أسرة ميسورة الحال ذات نشاط مجتمعي ملموس، مرورًا بسنوات دراسته وولعه بالرياضيات ثم بالبرمجة، وصداقاته النوعيّة، وقصة زواجه من ميليندا، وتشكّلات رحلته في البرمجة والإدارة والاستثمار وإنشاء مايكروسوفت، وصولاً إلى اعتلائه قمّة قائمة أغنى رجال الأعمال في أمريكا، ومطاردته قضائيًا بتهمة الاحتكار وتخلّيه عن رئاسة مايكروسوفت، وانتهاءً بأبرز نشاطات جيتس ومساعيه في العمل الخيري من خلال مؤسسته الخيرية العملاقة التي أنشأها ويسمّيها ويديرها باسمه هو وزوجته ميليندا.
مشاريع بيل جيتس العملاقة
السلسلة تتمحور كل حلقة من حلقاتها الثلاث حول أحد المشاريع الخيرية الكبرى لجيتس، وتستعرض قصّة كل مشروع منها منذ البذرة الأولى، وصولاً إلى آخر ما وصل إليه مع توقيت تصوير السلسلة وإنتاجها.
المشروع الأول: إنشاء وتوطين مراحيض تعمل ذاتيًا دون الحاجة إلى شبكة صرف صحّي، في بعض الدول الإفريقية.
المشروع الثاني: إطلاق حملات التطعيم ضد شلل الأطفال في بلاد إفريقية مثل نيجيريا، وآسيوية مثل باكستان وأفغانستان. وقد استمرت هذه الحملات حتى قمعتها بوكو حرام في نيجيريا، وطالبان في أفغانستان.
المشروع الثالث: إنشاء مفاعلات نووية آمنة لإنتاج طاقة نظيفة، بما يساعد في الحد من أزمة التغيّر المناخي. وصل هذا المشروع إلى محطات نهائية بالاتفاق مع الصين، حتى ألغت إدارة ترامب هذا الاتفاق ضمن اتفاقات أخرى في حربها التجارية ضد الصين في 2019م، فتوقف العمل عليه.
بيل جيتس الذي لا نعرفه
الوثائقي ممتع ومُلهِم ومُقلِق. فهو يضعك أمام عقلية عبقرية فذّة، يقرأ بمتوسط 150 صفحة في الساعة، ويقرأ في جميع المجالات بلا استثناء، وهو قبل كل ذلك عبقري ورائد في البرمجة والإدارة، وإمبراطور في الاستثمار، ولا يجد حساسيةً في أن يعترف بسذاجته المتعجرفة الماضية في التعامل مع أزمة مقاضاته بتهمة الاحتكار.
لكنّك على الجانب الآخر، يمكنك كمشاهد يتابع ربط التفاصيل من وجهة نظر أخرى، أن تراه شخصًا سَلبَته السُلطة السياسية والقضائية حقوقَه وامتيازاته الشخصية في شركته العملاقة التي عاش لأجلها، فقرر أن يخوض مسارًا آخرَ طويلاً لا يستطيع أن يسلبه أحدٌ فيه شيئًا. الرجل كان قاب قوسين أو أدنى من أن يمتلك عددًا من المفاعلات النووية “السلمية الآمنة” في أمريكا وفي مناطق أخرى حول العالم. يمكنك أن تتساءل: من يستطيع أن يوقفه بعدها أو يسلبه شبئًا؟!
فضلاً عن أن العمل الخيري للشركات العملاقة لا يجري التعامل معه بارتياح دائمًا؛ فبقدر ما هو مشكور، بقدر ما هو مشكوك في كونه واجهةً يتوارى وراءها المجهول الكثير على المستوى الاقتصادي والعسكري والاستخباراتي، ومن غير الواقعي استثناء مؤسسة جيتس وميليندا من هذا السياق.
أخيرًا، الوثائقي أنتج قبل ظهور جائحة الكورونا، التي ألقت بشكوكٍ وتوهّمات حول طبيعة دور جيتس في التنبؤ بها والتعامل معها، وما ورائيات الصراع والسباق الذي يخوضه خلف الكواليس في طريقة إدارة هذه الأزمة العالمية.