المسلسل القصير (Carlos/Le prix du Chacal)، إنتاج 2010م، والذي يمكن أيضًا اعتباره فيلمًا مكونًا من 3 أجزاء، هو سلسلة حلقات تلفزيونية ممتعة ومثيرة مكونة من 3 أجزاء، يتجاوز بعضها الساعتين، اعتمدت على بحث مكثّف وتجميعات استقصائية حول محطات نشِطة جدًا ومحدّدة من تاريخ “إليتش راميريز سانشيز” الشهير بـ(كارلوس الثعلب)، الذي يصنّف بالإرهابي العالمي بسبب تاريخه المليء بالعنف عبر الدول، بينما يصفه البعض بالمناضل العالمي.
من هو كارلوس الثعلب
“إليتش راميريز سانشيز” أو كارلوس الثعلب أو الإرهابي كارلوس، ناشط يساري فنزويلي وُلِد في 12 أكتوبر 1949م، وبدأ نشاطه الثوري في السبعينات انطلاقًا من فكرة ثورية رومانسية بعض الشيء، تتجاوز تجربة جيفارا الثورية الشهيرة، وذلك من خلال تبنّي مقاومة الرأسمالية عالميًا عبر العمل المسلّح، وبجانبها مقاومة الصهيونية أيضًا، وتشكّلت في هذا السياق جبهة شبه عالمية، شاركت فيها منظمة الجيش الأحمر الياباني، والخلايا الثورية الألمانية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وغيرهم.
نفّذت هذه المنظمات والجبهات أنشطة مخيفة ومربكة في ذلك الوقت، تمثّلت في تفجيرات واغتيالات واختطاف سفراء من قلب سفاراتهم، واختطاف وزراء دوليين من قلب مؤتمراتهم الدولية، وهكذا.. كل هذا كان يتم تحت تصريحات بالتزامٍ غريب من هذه الجبهات تجاه القضية الفلسطينة. في ذلك الحين، كان كارلوس الثعلب هو حديث الساعة، يحسب له الجميع حسابًا، خصوصًا أنه كان ينفّذ عملياته في المكان والوقت الذي يروقه.
الوضع المتفرّد لكارلوس الثعلب
من بين المواقف التي يستعرضها المسلسل حول كارلوس، عندما رصدته أجهزة الأمن المجرية على أرضها ومعه أسلحة ومتفجرات، أرسلوا له ضابطين من أمن الدولة، وقالوا له بكل توجّس وأدب “نستأذنك إذا تكرمت؛ ألا تنفّذ عمليات هنا في المجر”، استغرب كارلوس جدًا وأجابهم “لقد نفذت عمليات في برلين وبراغ وموسكو، ولم يضايقني أحدٌ مثلما تفعلون؛ هذا عيب في حقكم!”.
في أواخر السبعينات، كان كارلوس محميًا من المخابرات السوفييتية (كي جي بي)، وقبلها كان أستاذًا في التزوير والتنكّر ويجيد عدّة لغات، كما عاش وتدرّب وتجوّل سائحًا في لبنان واليمن وسوريا والعراق. ووفّرت له المخابرات الجوية السورية – هو ومجموعته- جوازات سفر دبلوماسية، ونفذ عمليات ثقيلة ونوعية لحسابهم، وخلال سنوات قليلة في أوائل الثمانينات، كان كارلوس قد تمكّن من إنشاء قواعد متينة تابعة له في أغلب عواصم أوروبا الشرقية، وكان يختم بيانات عملياته بتوقيع (الجناح المسلّح للثورة العربية).
كارلوس الثعلب واغتيال السادات
حسبما يعرض المسلسل، في مارس 1979م، كلّف الرئيس الليبي معمّر القذافي، كارلوس الثعلب، باغتيال الرئيس المصري أنور السادات نظير 4 مليون دولار؛ لكن نظرًا لقناعات كانت لدى مجموعة كارلوس بأن الحرس الشخصي للسادات مدرّبين على أعلى مستوى على أيدي خبراء الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية المعروفة اختصارًا باسم سي آي إيه؛ اختاروا أن يرتّبوا للعملية على مهل، وبعد عامين ونصف (كانوا قد نفذوا خلالهما عمليات كبرى من بينها اغتيال السفير الفرنسي في بيروت)، صدمتهم الأخبار باغتيال السادات على يد الجماعات الإسلامية المسلّحة المصرية في أكتوبر 1981م، وخسر كارلوس ومجموعته باقي الأربعة مليون دولار التي تم الاتفاق عليها، وكان هذا هو الإخفاق الثاني لهم مع القذافي.
تغيّرات أربكت كارلوس الثعلب
بعد انهيار جدار برلين وتفكيك الاتحاد السوفييتي، تغيّرت خريطة علاقات سوريا بشكل لم يعودوا معه بحاجة إلى كارلوس؛ فطردته المخابرات الجوية من سوريا، فسافر على ليبيا، لكن القذافي رفض إدخاله البلاد، وبعدها بفترة وجيزة ساعدته المخابرات الإيرانية في الدخول إلى السودان، ليعمل مدرّسًا للغة الإنجليزية لبعض الوقت، وبحسب الفيلم اكتشف السودانيون تواجده في الخرطوم وتعرّفوا عليه، وطلب منه حسن الترابي أن يوفّر له صفقات أسلحة.
الثأر الفرنسي من كارلوس
يمتلئ سجل فرنسا بعمليات نفّذها كارلوس الثعلب ضدّها، وبعض هذه العمليات كان على أرضها، من بين هذه العمليات: قتل ضابط أمن في باريس، وتنفيذ عدّة تفجيرات مهولة متزامنة في قلب باريس، وقبلها عملية خطف سفير فرنسي من داخل سفارته، واغتيال السفير الفرنسي في بيروت، وبعدها نفذ عملية لاغتيال جاك شيراك لم تنجح، وهكذا.
وصلت المعلومات إلى الدوائر الفرنسية بتواجد كارلوس في السودان، فتتبّعوه ولم يتوقّفوا حتى قبضوا عليه وهو في ظروف صحية سيئة بسبب إفراطه في شرب الخمر والعلاقات الجنسية، وتم ترحيله إلى فرنسا في 1994م، وحُكِم عليه في 1997م بالسجن مدى الحياة.
الجانب الآخر من الصورة
كانت السلسلة حريصة على توضيح المنعطفات اللي قد تحوّل مناضلاً إيديولوجيًا عالميًا ضد الأنظمة الكبرى، إلى مرتزق يعمل لحساب بعض الأنظمة ضد أخرى. إضافة إلى ذلك فإن كارلوس الثعلب كان محطّة مهمة جدًا في تاريخ دراسات مكافحة الإرهاب ومكافحة احتجاز الرهائن. وعند مشاهدة المسلسل يدرك المشاهد بوضوح مدى التغيير الشامل الذي طرأ على الإجراءات والأوضاع الأمنية منذ ذلك الحين؛ بسبب أعمال كارلوس ومنظماته.
عندما تشاهد المسلسل، تفهم لماذا تتواجد الآن كل هذه الإجراءات والاحترازات والقوانين الصارمة لتأمين الشوارع والمرافق والمدن، وتأمين المؤسسات الدبلوماسية والحكومية، وتأمين المطارات، ومواكب الحراسة الشخصية المرافقة، وتأمين الحدود، وإلى أي حدٍ صار من الصعب جدًا على أي أحد أن يزوّر أو يتنكّر أو يهرّب أو ينفّذ أي عملٍ خارجٍ عن قبضة هذه الإجراءات والقوانين.
وبالتأكيد، لم تأتِ هذه المناعة لدى الأنظمة والمؤسسات الأمنية التابعة لها من فراغ؛ وإنما كان لابدّ أن تكتسبها وتثبّتها وتطوّرها وتوجد لها احترازات وقائية متجدّدة ومتكرّرة ومعدّلة باستمرار، بسبب أنشطة شخص واحد مثل كارلوس، ومن معه أو يشبهه. وعادةً، عندما تكتسب الأنظمة مثل هذه الخبرات المناعية، تحرص على تبادلها مع بعضها البعض، من خلال المؤتمرات الأمنية المشتركة، والفعاليات التدريبية سواء كانت سريّة أو مُعلَن عنها، وبالتالي مهما كان عنف التجربة وطول مدتها: تظلّ الأنظمة دائمًا قادرة على احتوائها وابتلاعها ولو بعد حين، وتوظيفها لمصلحتها متى أرادت.
المستجدّات بعد أحداث المسلسل
أنتجت هذه السلسة في 2010م، لذا هي لا تتطرّق إلى ما حدث بعد هذا التاريخ، من محطات مهمّة في حياة كارلوس الإرهابي، والتي كان من بينها قصة إشهاره لإسلامه، ومحاكمات جرت له في الأعوام 2013 و 2017م، وإشاعات عن تأليفه لكتاب في السجن وُصف إعلاميًا بالكتاب الخطير، ويقال إن عنوانه (الإسلام الثوري).
أخيرًا، السلسلة تتضمن مشاهد لا تصلح للمشاهدة العائلية، أو أقل من 21 سنة.