ما هو غسيل الأموال؟ وكيف تتم مكافحته؟
ظاهرة غسيل الأموال

تعتبر جريمة غسيل الأموال (أو غسل الأموال)، من الجرائم المستجدة التي ظهرت على المستويات المحلية والدولية، وشكّلت تحديًا دوليًا كبيرًا نظرًا لارتباطها بكثير من جرائم الإرهاب وتجارة المخدرات وتجارة الأسلحة والجريمة المنظمة وجرائم التزييف والتزوير، وغيرها.

معنى غسيل الأموال

تعرف ظاهرة غسيل الأموال أو غسل الأموال بأنها “عملية تنظيف الأموال القذرة الآتية عن طريق الجريمة، مع إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال”.

كما تعرف أيضًا بأنها “عملية إخفاء حقيقة الأموال المكتسبة من طرق غير مشروعة، عبر تصديرها أو إيداعها في مصارف دول أخرى أو نقل إيداعها أو توظيفها أو استثمارها في أنشطة مشروعة للإفلات بها من الضبط والمصادرة وإظهارها كما لو كانت مكتسبة من مصادر مشروعة”.

تتنوّع ممارسات وأساليب غسيل الأموال
تتنوّع ممارسات وأساليب غسيل الأموال

وهناك تعريف ثالث، بأنها “ممارسة تتضمن عدة عمليات يقوم بها أصحاب تجارة المخدرات أو أصحاب الصفقات المشبوهة، مستخدمين المؤسسات المصرفية أو المالية، وكافة القنوات المصرفية الممكنة، في تنفيذ عمليات مصرفية وتحويلات مالية للأموال الناتجة عن أعمال غير مشروعة ناتجة عن صفقات مشبوهة او جاسوسية أو تجارة سلاح محرّم أو ممنوع أو فساد سياسي ورشاوي وعمولات أو تجارة مخدرات ليتمكنوا من إخفاء مصادر هذه الأموال غير المشروعة بحيث تبدو فيما بعد بأنها مشروعة وتم الحصول عليها بطريقة مشروعة”.

التاريخ الحديث لظاهرة غسيل الأموال

ظهر مصطلح غسيل الأموال أو غسل الأموال، لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة بين عامي 1920م و1930م، وذلك عندما استخدمت الجهات الأمنية هذا المصطلح للدلالة على ما كانت تقوم به عصابات المافيا الإجرامية من شراء المشروعات والبضائع التجارية بأموال قذرة المصدر، ومن ثَمّ دمجها وخلطها برءوس أموال وأرباح من تلك المشروعات لإخفاء مصدرها الحقيقي عن أعين السلطات الأمنية والرقابية. وكان أول استخدام قانوني للمصطلح في محاكمة زعيم المافيا الشهر “آل كابوني”، عام 1931م.

تحظى ممارسات وأساليب غسيل الأموال بتوسّع متزايد
تحظى ممارسات وأساليب غسيل الأموال بتوسّع متزايد

ثم أخذت هذه الظاهرة في التوسّع والتمدّد عقب الحرب العالمية الثانية، فشملت بعض الدول الأوربية، خصوصًا سويسرا التي فتحت أبواب بنوكها لعملية غسيل الأموال القذرة لصالح النظام النازي الألماني، الذي نهب احتياطيات الذهب من عشرات البنوك في الدول ألأوربية أثناء الحرب، فضلاً عن المجوهرات الأخرى التي تمت سرقتها وتهريبها إلى سويسرا.

ومع تغاضي الدول الأوربية فيما بعد عن دور سويسرا في غسيل الأموال، تفاقمت ظاهرة غسيل الأموال وتوسّعت إلى دول أمريكا اللاتينية ودول المعسكر الشيوعي.

ثم أصبحت ظاهرة غسيل الأموال ذات اهتمام على المستوى الدولى عندما قامت قمة الدول الصناعية السبعة في باريس عام 1989م، بإنشان لجنة مالية لمكافحة غسيل الأموال باسم فريق العمل المالي لمكافحة غسل الأموال (FATF).

وفي السنوات الأخيرة، ازدادت عمليات غسل الأموال بشكل ملحوظ، حيث قدّرها صندوق النقد الدولي بما يقارب من 800 مليار دولار أمريكي، إلى 1.5 تريليون دولار أمريكي، سنويًا.

أسباب انتشار ظاهرة غسيل الأموال

تتم عمليات غسيل الأموال بصورة أساسية من خلال الأسواق المالية والمؤسسات المصرفية والمالية، ويليها الاستثمار المباشر وشراء الماس والتحف النادرة والعقارات والسلع المعمّرة. ومن أهم أسباب انتشار ظاهرة غسيل الأموال:

– تعاظم الأرباح المحققة من وراء عدد كبير من الجرائم والأعمال غير المشروعة، حيث تتصدر تجارة الأسلحة المرتبة الأولى بين الأسواق الاقتصادية العالمية، تليها تجارة المخدرات، ثم سوق البترول والطاقة.

– تعاظم الأرباح المتحققة من عمليات غسل الأموال المتأتية من الجرائم والأعمال غير المشروعة، بارتفاع العمولة على هذه العمليات بنسبة قفزت إلى 50%.

تسبّب اتساع عمليات العولمة المالية في انتشار غسيل الأموال
تسبّب اتساع عمليات العولمة المالية في انتشار غسيل الأموال

– اتساع عمليات العولمة المالية نتيجة ارتفاع حراكت التحرير المالي والانفتاح الاقتصادي، واتجاه العالم نحو عقد اتفاقيات عالمية تتعلق بتحرير قيود التجارة وتوزريد الخدمات.

– تطور القنوات المالية التي تحجب أسماء ووثائق المتعاملين بها.

– انتشار مراكز الأوفشور التي تضعف فيها الرقابة على المؤسسات المصرفية والمالية، وعلى العمليات المجزّأة من خلالها.

– اتساع ترابط الأسواق المالية في الاقتصاديات الحرة والمفتوحة، مما قدّم خيارًا أوسع لمرتكبي جرائم تبييض وغسيل الأموال.

– تنافس الدول، وخصوصًا النامية، بتقديم شتى أنواع المغريات لاستقطاب الأموال الخارجية للاستثمارات، دون التدقيق في مصادرها.

– انغماس عدد من مكاتب الخبرة القانونية والمحاسبية والمالية والمعلوماتية، في تقديم خبراتهم لتسهيل عمليات غسيل الأموال بأساليب تحول دون المساءلة والملاحقة القانونية.

– التطور الفني في مجال الاتصالات المعلوماتية، حيث باتت العمليات تجري بسرعة في لحظة إبرامها، مع إمكانية اختلاق أسماء وهمية للمتعاقدين، مما يحول دون التعرّف عليهم أو ملاحقتهم.

طرق كسب الأموال القذرة

تتنوّع مصادر الأموال القذرة بين:

1- تجارة المخدّرات، ويتضمّن ذلك زراعة المواد المخدّرة، وتصنيعها معمليًا، وتعبئتها، وترويجها وتسويقها إلاميًا أو جماهيريًا، والتجارة بها بيعًا وشراءً، وحملها ونقلها وتوزيعها على المخزّنين أو المتعاطين.

تعتبر تجارة المخدرات من أبرز روافد غسيل الأموال
تعتبر تجارة المخدرات من أبرز روافد غسيل الأموال

2- تجارة النساء، (أو تجارة الرقيق الأبيض) ويتضمن هذا استغلال المرأة جنسيًا، أو عرض مفاتنها مقابل أموال معينة تقتسمها مع من يقوم باستغلالها، أو تكون هذه الأموال للمرأة وحدها إذا احترفت الجنس والدعارة، أو لمشغّلها أو لمستأجرها. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك حوالي 4 مليون امرأة يتعرّضن سنويًا لللبيع في مختلف أنجاء العالم، وتكسب العصابات والمنظمات المتورطة من ورائهن 700 مليون دولار في العام.

3- تجارة الأطفال، ويتضمّن هذا استغلال الأطفال جنسيًا، أو التجارة بهم، أو قتلهم وتقطيعهم وبيع أعضائهم على المصحّات والمستشفيات والمنظمات السرية.

4- تجارة الأعضاء البشرية، وتتضمن الاتجار في أعضاء الإنسان المتّصلة (الوجه واليدين والرجلين والأثداء والأرداف وهكذا)، أو المنفصلة (كالأعضاء الداخلية: الكلى والدم والقلب وغيرها).

5- تجارة التزييف والتزوير، وتتضمّن عمليات تزوير الأوراق الرسمية بمقابل مادّي، وتزييف العملات النقدية عبر إيجاد عملة مزوّرة تقليدًا لعملة صحيحة (تفيد التقديرات أنه يتم الكشف في كل عام، عن 80 مطبعة سرية  لتزوير الأوراق النقدية حول العالم)، وتزوير وثائق إقامة الأجانب وجوازات السفر وتاِيرات الدخول والخروج، والبطاقات الائتمانية والشهادات العلمية والتقديرية وشهادات الخبرة وشهادات الميلاد والشهادات الطبية ورخص قيادة المركبات، وتزوير توقيعات الأشخاص وأختام المؤسسات، وغيرها.

6- كما تتضمّن تجارة البضائع المقلّدة، عبر تزوير المنتجات الصناعية، سواء كانت منتجات أساسية كالأطعمة والمشروبات والملابس، أو منتجات ثانوية كقطع غيار وسائل النقل والمواصلات، أو منتجات زينة كالعطور والإكسسوار النسائي. وتقدّر خسائر الشركات بمالا يقل عن مليار دولا سنويًا، بسبب تقليد البضائع والماركات وسرقات الملكية الفكرية.

7- الاتجار بالأسلحة النارية والذخائر، وتهريبها وتداولها. وتعتبر مصدرًا للأموال القذرة إذا تمّ بيعها في سرية، بعيدًا عن إشراف ورقابة السلطات المعنية. وأكثر من يتعامل بهذه التجارة هي العصابات والمنظمات الإجرامية التي تتمّ الأمر بصورة تتنافى مع النظم والقوانين المحلية والدولية الخاصة بتجارة الأسلحة. وتستخدم في ممارسة أعمال الإرهاب والتخريب والسطو المسلّح والإجرام المنظم.

مراحل غسيل الأموال القذرة

تتمثّل في ثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة الإيداع/ التوظيف/ التصريف، وتتركّز هذه المرحلة في نقل الأموال غير المشروعة من نطاقها الممنوع إلى داخل النظام المالي، وتشمل أنشطة المعاملات النقدية، واشتراك البنوك، ومسارات التدقيق الزائفة (تبادل العملات وتهريبها، والتصرفات العينية، والأعمال النقدية الأخرى كالمطاعم والحانات والفنادق ودور النشر وشركات السفر والجماعات الدينية، وشراء الأصول المادية، والأعمال المصرفية السرية).

يعتمد غسيل الأموال في إحدى مراحله على إيداع المال القذر في المنظومة الاقتصادية
يعتمد غسيل الأموال في إحدى مراحله على إيداع المال القذر في المنظومة الاقتصادية

الثانية: مرحلة التجميع/ الطمر، وتتركّز هذه المرحلة في تجميع معاملات مالية معقدة بشكلٍ يجعل تتبّع مسار التدقيق أصعب ما يمكن. وتشمل: أنشطة التحويل الإلكتروني للأموال، والتحويلات من خلال بنوك متعددة، والتحويلات عبر البنوك الوسيطة، والتحويل إلى مستندات مالية، وتحويل أو بيع الأصول المادية.

الثالثة: مرحلة التكامل/ الدمج، وتهدف هذه المرحلة إلى إضفاء المظهر الشرعي على الأموال المغسولة بحيث يصبح تمييزها عن الثروات الشرعية أصعب ما يمكن. وتشمل: أنشطة الفواتير الزائفة أو المضخّمة، والعقارات، والشركات الأمامية مجهولة المالكين والتي تقوم بشراء الشركات الخاسرة وشراء البضائع وشراء وثائق التأمين وإنشاء شركات تأمين خارج الإفليم، واشتراك المصارف الأجنبية.

أضرار غسيل الأموال القذرة

تتنوّع أضرار غسيل الأموال على عددٍ من المستويات الاقتصادية والاجتماعية، نذكرها فيما يلي:

1- أضرار على دخل الدولة وإيرادها القومي، واستنزاف اقتصادها، وتهديد المنظومة الدولية الموحّدة للمؤسسات المالية، فضلاً عن إفساد القادة وزعزعة الاستقرار السياسي في الدولة.

2- أضرار على توزيع الدخل القومي.

يتسبب غسل الأموال في خسائر اقتصادية كبيرة
يتسبب غسل الأموال في خسائر اقتصادية كبيرة

3- أضرار على ادّخار الدولة والاحتياطي النقدي الاستراتيجي لها، مما يجعلها غير قادرة على الوفاء باحتياجات الاستثمار، ويوسّع نظاق فجوتها التمويلية.

4- أضرار على العملة الوطنية، من خلال تأثرها سلبًا في قيمتها وقوتها الشرائية.

5- أضرار على العمالة الوطنية، حيث تؤدي أنشطة غسيل الأموال إلى إخراج مؤسسات الأعمال المشروعة والنزيهة من السوق، بالإلاس والبطالة نتيجة عدم قدرتها على المنافسة.

6- أضرار في زيادة معدّل الجريمة محليًا ودوليًا، حيث يشجّع توسع أنشطة غسيل الأموال وإفلات أصحابها من الملاحقات الأمنية والقانونية، على زيادة رقعة المنخرطين في هذه الأعمال.

7- أضرار على زعزعة الأمن والاستقرار داخل الدول والمجتمعات الشرية، وتعتبر العلاقات بين الأنشطة الإرهابية وعمليات غسيل الأموال القذرة، أوضح مثال على هذا الأمر.

مكافحة غسيل الأموال القذرة

تنوّعت طرق المكافحة العالمية بين مسارين:

1- الجهود العالمية الجماعية، والتي تمثلت في المعاهدات والمؤتمرات الدولية التي وُجدت لأجل هذا الغرض، مثل لجنة بازل للرقابة المالية على المصارف عام 1988م، ومعاهدة فيينا لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية عام 1988م بما تتطلبه نصوص المعاهدة من تجريم غسيل الأموال، وإنشاء عشرين هيئة حول العالم لملاحقة الجرائم المالية، والمؤتمر الوزاري لمكافحة الجريمة غير الوطنية المنظمة عام 1994م.

ظاهرة غسيل الأموال
ظاهرة غسيل الأموال

2- الجهود المحلية الفردية، والتي تتمثّل في الخطط القومية أو القومية لمكافحة أو مقاومة جرائم الأموال، ومصادرها كالمخدرات والجريمة المنظمة وغيرها.

3- فيما يخص تجارة الرقيق الأبيض، عقدت مؤتمرات دولية واتفاقات، مثل الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار بالنساء (باريس 1910م)، والاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير (ليك سكسيس 1950م).

4- فيما يخص تجارة الأسلحة، اتفقت وزارات الداخلية والعدل في 70 دولة حول العالم، عام 2005م، على الالتزام بتعزيز التعاون الدولي والدعم القانوني لكبح صناعة الأسلحة النارية وذخائرها وقطع غيارها، ومنع الاتجار بها بصورة غير مشروعة. كما وضعت لوائح دولية بخصوص نقل هذه الأسلحة واستيرادها وتصديرها وتخزينها.

حكم غسيل الأموال في الشريعة الإسلامية

غسيل الأموال وتبييضها ينافي الشرع الإسلامي، ويخالف أصوله ومبادءه، لأن الإسلام يحرّم كل كسب خبيث وأخلاق فاسدة. فالأموال التي تخضع لعمليات الغسل والتبييض أموالٌ ناشئة في الأصل غن جرائم المخدرات والدعارة والسرقة والقتل والنهب والسطو على المنازل وتجارة السلاح، وهو ما لا يجيزه الإسلام ولا يعتبره مصدرًا صالحًا مشروعًا للرزق والتكسّب.

حكم غسيل الأموال في القانون المصري

صدر في مصر القانون رقم 80 لسنة 2002م، لمكافحة غسيل الأموال بتاريخ 12 مايو 2002م، ويحدد القنوان الجرائم التي يعتبر المال الناتج عنها غير مشروع، ومن ضمنها جرائم زراعة وتصنيع المواد المخدرة والاتجار بها، وسرقة الأموال والرشوة والاتجار بالأسلحة والدعارة والأموال المتحصلة من العمليات الإرهابية.

تحظى ظاهرة غسيل الأموال بوسائل مكافحة أمنية وقانونية
تحظى ظاهرة غسيل الأموال بوسائل مكافحة أمنية وقانونية

وجاء هذا القانون بعد أن كانت مكافحة جريمة غسل الأموال تتم في نطاق تطبيق قانون “الكسب غير المشورع”، على العاملين في الحكومة والقطاع الخاص والهيئات العامة، وفي نفس الوقت لا تطبق أحكام هذا القانون على القطاع الخاص. كما تلجأ السلطات الأمنية أحيانًا إلى قانون “سرية الحسابات” الصادر عام 1990م، رغبة في الاستفادة من بعض نصوصه التي تقضي بكشف هوية صاحب الحساب بناءً على قرار النائب العام أو من يفوّضه من المحامين العامين الأوائل على الأقل.

ومن أهم توصيات قانون مكافحة غسل الأموال:

1- تطبيق القوانين الحالية والتي تعتبر كافية لمواجهة عمليات غسيل الأموال، وذلك إعمالاً لنص المادة (44/1) مكرر، من قانون العقوبات.

2- ضرورة استخدام الصلاحيات الموجودة في قانون “سرية الحسابات” رقم 205 لعام 1990م، للحصول على إذن النيابة العامة لتعقّب حالات غسيل الأموال مع التأكيد على عدم وجود تعارض بين هذا القانون وإجراءات مكافحة غسيل الأموال.

 

المصادر

– جرائم غسل الأموال في ضوء الشريعة والقانون، د. أحمد بن سليمان الربيش، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2004م.

– المخدرات وظاهرة غسل الأموال، العقيد هشام أحمد تيناوي، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2006م.