يُعد علم الإدارة العامة أحد العلوم الاجتماعية البينية، أي أنه يتقاطع فيه أكثر من حقل معرفي، مثل علم الإدارة والعلوم السياسية، بالإضافة إلى القانون، فما هو تعريف علم الإدارة العامة؟ وما علاقته بغيره من العلوم.

في السطور التالية تجد الإجابة على هذه التساؤلات…

متى نشأ علم الإدارة العامة؟ وما أهم تعريفاته؟

 

نشأة الإدارة العامة

في البداية فعندما نتحدث عن نشأة علم من العلوم ينبغي التفريق بين نشأته من حيث كونه حقلًا معرفيًا أو مادة تُدرس أكاديميًا، وبين الممارسات والنشاطات التي يقوم بها الإنسان في مجتمعه والتي أصبحت فيما بعد محل نظر وبحث ودراسة هذا العلم.

بخصوص الإدارة العامة فهي مرتبطة بالمجتمعات البشرية منذ القدم، وهي دليل للتفرقة بين المجتمعات المنظمة والمجتمعات الهمجية، فالإدارة العامة ساهمت في نشوؤ الحضارات ونمو المجتمعات، ففي كل مجتمع لابد من ضوابط لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع والسلطات والهيئات الحكومية، وبالتالي فالنشاطات والسلوكيات التي تهتم بها الإدارة العامة قديمة للغاية، أما بخصوص ظهور مصطلح “الإدارة العامة” فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع عالم السياسة توماس وودرو ويلسون[1].

تعريفات الإدارة العامة

هناك تعريفات متعددة للإدارة العامة، منها أنها “العمليات المتعلقة بتحقيق أهداف الحكومة بأكبر مقدار من الكفاءة وبما يحقق الرخاء لأفراد الشعب”[2]، وهناك من يدقق في التعريفات، ويقسمها إلى نمطين، النمط الأول يربط الإدارة العامة بالسياسة العامة، والنمط الثاني يربطها بالنشاط الإداري والأجهزة الإدارية.

التعريفات التي تربط الإدارة العامة بالسياسة العامة

أنصار هذا التعريف يرون أن الهدف الأساسي للإدارة العامة هو تنفيذ السياسة العامة، وبناء عليه يمكن تعريف الإدارة العامة أنها “تتضمن جميع العمليات التي تهدف إلى تحقيق أو تنفيذ السياسة العامة” ووفقًا لهذا التعريف فالإدارة العامة هي مزيج من القوانين والمراسيم والعلاقات التي تسمح بتحقيق السياسة العامة، وهناك تعريف أخر يربط بين الإدارة والسياسة العامتين يرى أن الإدارة العامة هي “تنسيق الجهود المتعددة بقصد تحقيق السياسة العامة، وهي تختص بأعمال الحكومة، وإذا كان التنظيم هو وضع الأفراد والوظائف داخل إطار وهياكل تنظيمية فإن الإدارة تختص بصفة عامة بتوجيه الموارد المتاحة بقصد تحقيق السياسة العامة[3].

تعريف أخر يرى الإدارة العامة “مجموعة الأنشطة المتعلقة بعملية صنع القرارات وتنفيذها، المتمثل في النشاطات المختلفة التي تصدر من المؤسسات العامة في داخل المؤسسات السياسية الرسمية في النظام السياسي”

التعريفات التي تربط الإدارة العامة بالنشاط الإداري والأجهزة الإدارية

يقصر أنصار هذا التعريف الإدارة العامة على الجوانب والممارسات الإدارية المتعلقة بها، فمنهم من يعرفها أنها “تتضمن كل أنواع النشاط الذي يباشره الرؤساء الإداريون في الإدارات العامة والتي تغطي النشاط الإداري” ومن ثم فهي ترتبط بالأنشطة الإدارية الحكومية، وتعريف آخر أنها “أنواع النشاط الذي تقوم به الحكومة وإدارتها التنفيذية لتنفيذ المشروعات العامة”[4].

 

علاقة علم الإدارة العامة بعلم السياسة

يُعد حقل السياسة هو الموطن الذي نشأ فيه علم الإدارة العامة، فالأخير هو امتداد الأول، والواقع يشهد أن أجهزة الإدارة العامة المركزية هي التي تمثل الهيكل التنظيمي للسلطة التنفيذية للدولة، وبناء عليه فلا يمكن فهم وتحليل أداء تلك الأجهزة إلا بفهم وتحليل القوى السياسية والاجتماعية وطبيعة النظام السياسي، بعبارة أخرى فالإدارة العامة تمثل جزء من كل وهو النظام السياسي والاجتماعي الذي لا يمكن فهمه إلا عبر العلوم السياسية[5].

من ناحية أخرى فوودرو ويلسون أحد الأوائل الذي تبنوا التفرقة بين الإدارة والسياسة، واعتبر أن الإدارة تُعنى بكيفية أداء الأعمال على عكس السياسة التي تهتم بتحديد الأهداف  وتحديد ما ينبغي القيام به من أعمال[6]، وأخيرًا فمن الناحية التاريخية كان أوائل المهتمين بالإدارة العامة هم أساتذة للعلوم السياسية، باعتبار الإدارة العامة تتمحور حول مجالات الإصلاح السياسي والإصلاح الإداري[7].

لا يمكن فصل قضايا الإدارة العامة عن العلوم السياسية والإدارة والاقتصاد والقانون
لا يمكن فصل قضايا الإدارة العامة عن العلوم السياسية والإدارة والاقتصاد والقانون

 

علاقة الإدارة العامة بعلم الاقتصاد

إذا كان علم الاقتصاد يهتم بدراسة النشاط الإنساني في المجتمع من وجهة نظر الحصول على الاموال والخدمات بغرض إشباع الحاجات المختلفة، فالعلاقة بين الاقتصاد والإدارة تبرز في استخدام النظريات الاقتصادية في النشاطات الإدارية مثل اتخاذ القرار، وكذلك فأصحاب المناصب الإدارية لابد أن يتحوا بالعقلية الاقتصادية في حساب الأرباح والخسائر المتوقعة، تتبلور أيضًا العلاقة بين الإدارة العامة والاقتصاد في كون الإدارة العامة تبحث في فعالية وحسن استغلال الطاقات البشرية المتاحة واستثمار الأوقات لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة[8]، وهو أمر وثيق الصلة بالميزانية العامة الذي هو أمر اقتصادي بحت.

 

الإدارة العامة والقانون

هناك عدة أنواع من القوانين، مثل القانون الدستوري والقانون الجنائي، والنوع وثيق الصلة بالإدارة العامة هو القانون الإداري، الذي يهتم بالجوانب القانونية لأية منظمة وخاصة تحديد العلاقة التي تربط بين المواطن وإدارته وشروط التعاقد والتحاكم والتعويض[9] .

من ناحية أخرى فالإدارة العامة تشمل معنيين، أحدهما وظيفي وهو النشاط المتعلق بالإدارة العامة، والأخر هيكلي ويقصد بها الإدارة العامة كتنظيم يُدار من قبل الموظفين، وما سبق هو موضوع علم الإدارة العامة، وكذلك هو موضوع القانون الإداري، فعلم الإدارة العامة يضم كل من عمليات التنظيم والتنسيق والقيادة وإصدار القرارات، أما القانون الإداري فيشمل مجموع القواعد القانونية التي تُطبق على الإدارة.

أما الفارق بين الحقلين –الإدارة العامة والقانون الإداري- فهناك فارق رئيسي في المعالجة، فعلم الإدارة العامة هو أحد العلوم الاجتماعية المعنية بأعمال الأفراد والجماعات التي يتكون منها جهاز الدولة الإداري، فعلم الإدارة العامة يهتم بوصف وتوضيح وتفسير النشاطات السابقة، وكل العوامل المؤثرة فيها، أما القانون الإداري فيدرس القواعد القانونية التي تحكم أعمال العاملين في الإدارة العامة سواء ما تعلق بالنصوص القانونية والدستورية، أو التنظيمية فضلًا عن القواعد التي يبرز في أعقاب الاجتهادات القضائية .

[1] سعيد عيد القادر عبيكشي، مطبوعة في مقياس الإدارة العامة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة جيجل، صـ 5

[2] زيد منير عبوي وسامي حريز، مدخل إلى الإدارة العامة: بين النظرية والتطبيق، صـ15.

[3] عصام نعمة إسماعيل، محاضرات في علم الإدارة العامة المقارنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية، صـ13

[4] المرجع السابق، صـ15

[5] عصام نعمة إسماعيل، مرجع سابق، صـ18.

[6] عبد اللطيف قطيش، الإدارة العامة من النظرية إلى التطبيق، منشورات الحلبي الحقوقية، صـ 34 .

[7] حمزة حاكمي وسعاد حدة، مذكرة ماستر بعنوان “ابستمولوجيا الإدارة العامة المقارنة: من الإدارة العامة إلى التسيير العمومي الجديد”، كلية الحقوق والعلوم السياسية/ جامعة الدكتور مولاي الطاهر، صـ 20 .

[8] سعيد عيد القادر عبيكشي، مرجع سابق، صـ10

[9] المرجع السابق، صـ 10