في عام 1891م (1309هـ)، أتمّ محمد بن الرشيد استلاءه على نجد، بانتصاره على أهل القصيم في وقعة المليده. وبينما كان الإمام عبد الرحمن آل فيصل آل سعود قادمًا برجاله من الرياض لنجدة أهل القصيم، وصلته أخبار ما جرى، فعاد إلى الرياض فأخرج حريمه وأولاده منها، وارتحلوا إلى الأحساء، وكانت هذه الحادثة إيذانًا بأفول حُكم آل سعود.
غير أنه بعد 10 سنوات من هذه الواقعة، خرج عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود من منفاه في الكويت، مع 42 رجلاً من رجاله، في شتاء 1901م (1318هـ)، ليقودَ حربَ استردادٍ طويلة أسّست للدولة السعودية الثالثة؛ المملكة العربية السعودية.
الأمير المجهول
ولد عبد العزيز في 2 ديسمبر 1880م (29 ذي الحجة 1297هـ)، في الرياض عاصمة ملك أجداده، ونشأ وتربّي على يد والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل بت تركي بن عبد الله، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة الأساسية، ومن ثمّ توسّع في دراسة الفقه والتوحيد، كما تعلّم مبادئ الفروسية وأقبل عليها بشغف، وأتقن أغلبب مهاراتها.
عاين عبد العزيز في نشأته أعمامَه يتنازعون على الملك، والعدو على أبواب عاصمتهم طامعًا في الاستيلاء على نجد بأكملها، ورأى أباه يحارب في الوقعة الأخيرة ويستسلم، وعانى معه حين انسدّت في وجوههم كل الأبواب إلا الصحراء.
ارتحل مع أبيه إلى منفاهم في الكويت، وترعرع هناك وسط خشونة العيش والجلَد والصبر، يتلقى العلوم، ويعايش الأمراء والعلماء، يلازمه حلم استعادة المُلك المفقود. ومع أنه كان في منفاه مجهول الاسم والنسب؛ إلا أن المقربين كانوا يعلمون أن هذا الشاب قويّ البنية فارع الجسد، مَن يكون. غير أن كلّ ما مرّ به من المصاعب في نشأته، أهّله لتخطّي الكثير من المصاعب التي سيخوضها لاحقًا.
ألحّ عبد العزيز على والده أن يأذن له بمعاودة الكرّة كي يستردّ الرياض، حتى اقتنع الإمام عبد الرحمن بفكرة ابنه، وأذن له. وكانت البداية.
حملات الاسترداد
خرج عبد العزيز برجاله من الكويت، وشنّ حملاتٍ عديدة على بعض القبائل وأغراهم بالمكاسب، فانضم إليه منهم آلاف، وعندما علمت الدولة العثمانية بدعم القبائل ضيّقت عليهم، فتخلّوا عنه، فاضطر عبد العزيز إلى انتهاج السريّة في خطواته التالية.
في شوال من عام 1319هـ، اقتحم عبد العزيز الرياض، ونجح في السيطرة عليها وعلى مركز حاميتها العسكرية، وجاءه أهل الرياض مبايعين، ليتم إعلان البيعة له بالإمارة في اليوم التالي. وكانت هذه النواة الأولى لتأسيس المملكة العربية السعودية.
توحيد البلاد
قدِم الإمام عبد الرحمن بأسرته إلى ابنه عبد العزيز في الرياض، وتنازل له عن الحكم، وجاء العديد من القبائل يبايعون الأمير عبد العزيز إمامًا للوهابية وأميرًا على نجد ، ليتمكّن بعدها بفترة وجيزة من إحباط هجومٍ لابن رشيد على جنوب الرياض، مستخدمًا تكتيكات حرب العصابات بنجاحٍ أدّى إلى انسحاب ابن رشيد وانهزامه في تلك الموقعة التي رفعت من مكانة الأمير عبد العزيز، وبدأت تغيير موازين القوى في المنطقة.
بعدها، توسّع الأمير عبد العزيز في المناطق الشمالية من الرياض، واستمر في التوسع حتى تمكّن من ضم منطقة سدير بأكملها. ثم تمكّن من ضم عنيزة في العام التالي، واتجه بعدها إلى بريدة واستردها، وواصل ضم بقية المناطق الأخرى التابعة للقصيم.
في العام ذاته، تحرك ابن رشيد بدعمٍ من الجيش العثماني النظامي لمواجهة الأمير عبد العزيز، وتمكّن من هزيمته في موقعة البكيرية، ولم يمضِ وقتٌ حتى تمكّن الأمير عبد العزيز من الثأر في موقعة الشنانة، وحصل على غنائم كبيرة. ومن هنا بدأت الدولة العثمانية في إجراء مفاوضات مع الأمير عبد العزيز.
بعدها بعامين، في 1324هـ، هاجم الأمير عبد العزيز معسكرًا أعده ابن رشيد للهجوم على بريدة، وانتهى الأمر بمقتل ابن رشيد وهروب بقية جيشه إلى حائل، وعقد صُلحًا مع متعب ابن عبد العزيز بن رشيد الذي خلف والده، وارتحلت القوات العثمانية عن المنطقة لتخضع القصيم بكاملها للأمير عبد العزيز.
وعلى مدار السنوات العشر التالية، واجه الأمير عبد العزيز مشكلاتٍ متعدّدة مع بعض الأطراف، بين نقضٍ للصلح وخروج عن البيعة وصراعات استدعت الاستنجاد به، وتمكّن من اتلعامل معها جميعًا بأساليب متنوعة ناسبت كل صراعٍ على حدة. وعلى إثر هذه الفترة، تمكّن الأمير عبد العزيز من ضم حائل والأحساء.
وفي صيف 1921م (1339هـ) عقد مؤتمرًا في الرياض، حضره علماء نجد ورؤساء القبائل، وتم إعلان الأمير عبد العزيز سلطانًا على نجد وملحقاتها.
ضم الحجاز إلى الدولة السعودية
كان الأشراف يحكمون الحجاز باسم الدولة العثمانية، ومنهم الحسين بن علي الذي كان يتطلّع لمد نفوذه على الجزيرة العربية، وأعلن الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية عام 1334هـ، وحدثت خلافات بينه وبين الملك عبد العزيز حول تحديد الحدود بين نجد والحجاز، ونظرًا لإغارة أتباع الحسين على بعض المناطق، واجههم الملك عبد العزيز وتمكّن من هزيمتهم، لكنه لم يطوّر تمدّده على الأرض حذرًا من الموقف البريطاني.
وعلى إثر منع الشريف حسين بن علي للحجاج النجديين من أداء فريضة الحج، عقد الملك عبد العزيز مؤتمرًا في الرياض بمشاركة علماء نجد وزعماء القبائل، وتقرر أداء الحج رغم المنع، وشكّل الملك عبد العزيز جيشًا كبيرًا زحف به إلى الطائف وسيطر عليها، واستمر في زحفه إلى مكة ودخلها دون قتال، لتتم البيعة للملك عبد العزيز في 15 يناير 1926م (25 جمادى الثانية 1344هـ)، في مكة، ملكًا على الحجاز.
وخلال العام التالي، تمكّن الملك عبد العزيز من ضمّ المدينة المنورة وجدّة، متممًا ضمّ الحجاز بالكامل إلى الدولة السعودية.
وفي 19 يناير 1927م (25 رجب 1345هـ)، نادى به أهل نجد، في اجتماع عُقد في االرياض، ملكًا على نجد وملحقاتها، وخلال السنوات التالية تمكّن الملك عبد العزيز من ضمّ عسيرو جازان إلى الدولة السعودية، ليصدر مرسوم ملكيّ بتوحيد مكل هذه المناطق تحت اسم جديد هو “المملكة العربية السعودية”، التي ظهر اسمها عام 1932م (1351هـ).
النمو الحضاري للمملكة
توجّه الملك عبد العزيز بالبلاد بدأبٍ نحو تحقيق المن والاستقرار، وإن كان الدخل المادي للمملكة محدودًا قبل اكتشاف النفط وتصديره تجاريًا، وهو ما أثّر على تباطؤ حؤكة التنمية وسيرها بالشكل المرغوب.
إلا أنه بعد اكتشاف النفط، أمكن السير بالحركة التنموية في الاتجاه المأمول، مما ساعد على تطوير العلاقات الخارجية والتنظيم الإداري والتعليم والمواصلات والبريد والهاتف والدفاع والطيران والزراعة والصحة وشؤون الحج والإعلام والاقتصاد والنقد.
رحيل الملك عبد العزيز
على مدار نصف قرن تقريبًا، ظلّ الملك عبد العزيز يحكم المملكة بشكل مباشر، وبقوةٍ يسّرت أمور الدولة الداخلية والخارجية. عدا أنه في آخر عهده ألمّ به مرض التهاب المفاصل، فبدأ يعاونه ولي عهده الأمير سعود بن عبد العزيز.
وفي أواخر عام 1372هـ، ذهب الملك عبد العزيز للاصطياف في الطائف، وتأثّرت حالته الصحية سلبًا في هذه الرحلة، وظلّ هناك ثلاثة أشهر واشتد عليه المرض، حتى وافاه الأجل في 9 نوفمبر 1953م (2 ربيع الأول 1373هـ)، وصُلّى عليه في الحوية، ثم نُقِل إلى الرياض ودُفِن في مقبرة العود.
المصادر
– تاريخ نجد الحديث وسيرة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، أمين الريحاني، دار الجيل، بيروت، 1988م.
– مختصر تاريخ الدولة السعودية (1744م – 2010م)، جمع وإعداد د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز.