من بين فنون الكتابة الإبداعية المختلفة، يأتي فن كتابة السيناريو باعتباره واحدًا من أكثرها إثارةً وإحكامًا. يرجع هذا إلى ما تتطلبه كتابة السيناريو من مؤهلات أساسية وإمكانات مهارية قبل الشروع في الاشتباك مع عملية الكتابة ذاتها. هذا بالإضافة إلى أسرار مهنية مطلوبة بشكل أساسي داخل حرفة كتابة السيناريو نفسها.
من بين أهم المصادر التي اعتنت بكشف تعقيدات فن كتابة السيناريو واستكشاف أسراره، يأتي كتاب (Save The Cat! The Last Book on Screenwriting You’ll Ever Need)، محتلاً مكانة ذات أولوية ضمن هذه المصادر. في هذا المقال نتناول الطريقة الأمثل التي وضعها بليك سنايدر لتشييد البناء الدرامي لسيناريو الفيلم.
خطة البناء الدرامي لسيناريو فيلمك
الخطوات الثابتة المعتادة في طريقك إلى كتابة سيناريو فيلمك؛ أنك تبدأ أولاً بكتابة ملخص قصتك، وتعرضه على أشخاص ذوي كفاءة لتتأكد من جودة هذا الملخص. ثم بعدها تحدد النوع الدرامي لقصت فيلمك، وتدعم ذلك بمشاهدة عشرات الأفلام المنتمية لنفس النوع. ثم تأتي الخطوة التالية وهي ابتكار البطل المثالي لقصتك، واختيار شرير مناسب، وتكريس الدافع الأساسي لبطلك والصراع الذي يخوضه أثناء رحلته لتحقيق هدفه. بعد أن أنجرت كل هذه الخطوات، تأتي الخطوة الأهم متمثلة في وضع خطة البناء الدرامي لسيناريو فيلمك.
يقدّم لنا بليك سنايدر خطته الخاصة لتشييد البناء الدرامي، بالخطوات التفصيلية، بل وبالتركيز على مساحة كل خطوة من الصفحات. يشدّد سنايدر على أنه في حالة عجزك ككاتب سيناريو عن كتابة جملة ملخصة لكل خطوة، فهذا دليل أنك لم تنجح في كتابة محتوى هذه الخطوة بعد.
1- افتتاحية الفيلم – Opening Image (ص1)
الافتتاحيات مسئولة عن تحديد أجواء ونوع وطراز ومخاطر الفيلم ككل. إنها ما يمنحنا الانطباع الأول عن ماهية الفيلم وأجوائه، وطرازه ونطاقه. وإلى جانب كونها فرصة لمنحنا بدايات البطل، فإنها تطلعنا أيضًا على لحظة ما قبل ظهور البطل.
مرحلة الافتتاحية لها علاقة خاصة مع المشهد الختامي. فهما سويًا كدفتي الكتاب، ويجب أن يكونا متضادين تمامًا، كالسالب والموجب، بحيث تظهر من خلالهما التغيرات بطريقة درامية للغاية، بما يوثق الاضطرابات العاطفية التي يتناولها الفيلم. هذان المشهدان – مشهد الافتتاحية والختام- هما أنسب طريقة لتوضيح كيفية حدوث التغيرات خلال أحداث فيلمك.
2- تحديد التيمة – Theme Stated (ص5)
في وقت ما خلال الخمس الدقائق الأولى بالسيناريو ذي البناء الدرامي المتماسك، لابد أن توجد شخصًا (بخلاف الشخصية الرئيسية غالبًا) يطرح سؤالًا أو يدلي ببيان ما (غالبًا يوجهه إلى الشخصية الرئيسية)، ليصبح محتوى هذا السؤال أو التصريح هو تيمة الفيلم، أو موضوعه. ربما تأتي ضمن الحوار، كملاحظة عابرة لا تفهمها الشخصية الرئيسية وقتها، لكنها تظل حمل معنى مؤثرًا فيما بعد عندما تفهمها الشخصية الرئيسية.
هذا البيان أو التصريح هو الفرضية الموضوعية للفيلم. فمن أوجه كثيرة، السيناريو الجيد هو نقاش يطرحه الكاتب، ويظل النقاش موجودًا على مدار بقية السيناريو، سواء بإثباته أو نفيه، أو بطرح مزاياه وعيوبه من كل الزوايا.
3- التمهيد Set-Up (ص1 : 10)
هذا التمهيد يكون لشخصية البطل، والمخاطر التي سيواجهها، وهدف القصة نفسه.
تأكد عند وصولك للصفحة العاشرة لسيناريو فيمك،أنك ستقابل كل الشخصيات، أو حتى سترى إشارات تخصهم. الصفحات العشر الأولى هي حيث تبدأ في كشف أفعال كل شخصية، وتستكشف كل سلوك يحتاج للتوضيح لاحقًا، وكذلك إظهار كيفية وسبب احتياج البطل للتغير كي ينتصر بالنهاية.
وفي حال إذا افتقر بطل فيلمك إلى شيء ما أو احتاجه، فهذا هو الموضع الأنسب لإظهار ما تفتقر إليه حياة البطل، مثل عيوب وأخطاء شخصيته التي ستتفجر لاحقًا في السيناريو، ثم ستُعالَج وتزول خلال أحداث القصة، ولكن سيُعاد تذكرها فيما بعد.
في فيلم Romancing the Stone تجد البطلة كاتبة منعزلة تحيا في عالمها الخيالي، وفي فيلم Rain Man البطل شخص أنيق عابث، وبجانب برودة قلبه، فهو مستورد سيارات ماهر واثق بنفسه دائمًا، وفي فيلم Legally Blonde البطلة شخصية هوائية سهلة الارتباك تمتلك القدر الأدنى من الثبات الانفعالي.
4- العامل الحفاز – Catalyst (ص12)
مرحلة العامل الحفاز هي أول لحظة يحدث فيها شيء ما. فبعد أن أظهرتَ لنا هيئة العالم، الآن في مرحلة العامل الحفاز ستهدم هذا العالم تمامًا. هذه المرحلة عكس ما تبدو عليه. إذ تظهر كنقيض للأخبار الجيدة، لكن فيما بعد عندما تنتهي المغامرة، سنكتشف أنها كانت السبب في وصول البطل إلى السعادة في النهاية.
5- الجدال – Debate (ص12 :25)
مرحلة الجدال هي بالفعل مجرد جدال. إنها الفرصة الأخيرة للبطل كي يعبر عن اندهاشه مما يحدث. وعلينا أن نجعله مدركًا لذلك حقًا، حيث يتساءل إن كان عليه أن يذهب إلى هناك؟ وهل يجرؤ أساسًا؟ إن الأمر خطير بالتأكيد، لكن ماهو اختياره؟ هل يظل هنا بدلًا من خوض المغامرة؟
قد لا تظهر هذه المرحلة بشكل واضح بما يكفي، ولكن تذكر دائمًا أنه لابد من أن تطرح هذه المرحلة سؤالًا ما بطريقة أو أخرى.
6- بداية القسم الثاني من الفيلم – Break into Two (ص25)
يشدد سنايدر على العناية الشديدة بهذه الخطوة؛ لأنها الفاصل بين القسمين الأول والثاني، وهي اللحظة التي نترك وراءنا عالمنا القديم بيان الفرضية، ونتجه نحو عالم معاكس تمامًا له. هنا لا ينساق البطل إلى القسم الثاني، ولا يصح أن تجعله يُخدع ليدخله، بل عليه أن يصنع قراره بنفسه. فهذا هو ما يجعله بطلًا بالأساس؛ أنه مقدام وسبّاق للأمام.
7- قصة جانبية – B Story (ص30)
لابد أن تتواجد في سيناريو فيلمك قصة جانبية. هذه القصة التي تحمل تيمة الفيلم، وتساعد على تلطيف الأجواء قليلًا بعد الأحداث الصريحة بشكل صادم للقسم الأول بالقصة الأصلية A Story.
لقد مهدت لقصتك الأصلية، وبدأت أحداثها بالفعل، ثم فاجأت الجميع بقفزة الأحداث للقسم الثاني من الفيلم، حيث تنقلنا إلى عالم جديد مختلف تمامًا. فتظهر القصة الجانبية لتقول: “فلنتمهل قليلًا، دعنا نتحدث عن شئ آخر!” وهو ما يجعل الأمر متماشيًا مع القصة الأصلية، لكن بشكل جديد.
في هذه القصة الجانبية، تظهر مجموعة جديدة كليًا من الشخصيات، والتي لا نقابلهم عادًة بالصفحات العشر الأوائل بالسيناريو، ولم نعلم حتى بوجودهم من الأساس. إنها شخصيات معاكسة تمامًا للشخصيات الموجودة في عالم القسم الأول.
8- اللهو والمرح – Fun and games – (ص30 : 55)
يصف بليك سنايدر هذه المرحلة بأنها هي قلب الفيلم. إنها المرحلة التي لا نهتم فيها بتطور القصة، بقدر اهتمامنا بالحصول على بعض المتعة والمرح، إذ أن المخاطر لن تبدأ قبل منتصف الفيلم. تجيب هذه المرحلة على سؤال “ماالذي جئت لرؤيته في هذا الفيلم؟ ما الرائع في هذا الملخص، هذا البوستر، فكرة هذا الفيلم؟”
هذه المرحلة بفيلم Die Hard على سبيل المثال، نرى فيها تفوق بروس ويلس Bruce Willis لأول مرة على الإرهابيين. وفي فيلم Phone Booth كانت عند إدراك كولين فاريل Colin Farrell لخطورة موقفه.
في تلك المرحلة نأخذ استراحة من مخاطر القصة، ونرى ما تدور حوله فكرة الفيلم، ونكتفي برؤية ما تعدنا به القصة، ولا شيء آخر عدا ذلك.
9- منتصف الفيلم – Midpoint (ص55)
إنها نقطة الفوز الزائف أو الخسارة الزائفة. نقطة منتصف الفيلم هي إما بفترة “القمة Up ” عندما “يبدو” أن البطل في أفضل حالاته (بالرغم أنها قمة زائفة a false peak )، أو بفترة “القاع down ” عندما ينهار عالم البطل من حوله (وهي كذلك انهيار زائف a false collapse ).
عادةً تشتد المخاطر في مرحلة المنتصف. إنها مرحلة نهاية اللهو والمرح، لكي نعود مرة أخرى للقصة! إنها كذلك لحظة حصولك على “نصر زائف”، عندما تتحقق أماني البطل ويحصل على كل ما يظن أنه بحاجة إليه.
لاحظ جيدًا، أنّ هناك علاقة تضاد بين نقطة منتصف الفيلم ونقطة الخسارة التامة التي ستأتي لاحقًا؛ فلا يوجد في قصة الفيلم ما هو أفضل من أحداث مرحلة المنتصف، ولا يوجد ما هو أسوأ من أحداث مرحلة الخسارة التامة.
10- عودة الأشرار – Bad Guys Close in (ص55 : 75)
هذه المرحلة هي الجزء الأصعب في السيناريو. تبدو الأمور كلها على ما يرام، ولكن بالرغم من هزيمة الاشرار مؤقتًا – سواء كانوا أشخاص، ظاهرة ما، أو شئ آخر ، وتوافق شخصيات فريق البطل- إلا أن القصة لا زالت لم تنته بعد.
هذه هي اللحظة التي يقرر فيها الأشرار أن يتحدوا من جديد، ليهجموا بكامل قوتهم مرة أخرى. وهي المرحلة التي تبدأ فيها الغيرة والشك والخلافات في تفكيك وحدة فريق البطل.
تدريجيًا، تشتد قبضة القوى المتحدة ضد البطل، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ فلا يستسلم الشر، ولا يجد البطل ما يساعده. لقد صار وحيدًا، وعليه عبور ذلك بمفرده، إذ يتجه نحو انحدار ضخم، وهو ما يقودنا إلى مرحلة الخسارة التامة.
11- الخسارة التامة – All is Lost (ص75)
هذه المرحلة هي نقيض مرحلة المنتصف. تأتي كهزيمة ساحقة، تتحطم فيها جميع أركان حياة البطل، ولا وجود لأي أمل.
في مرحلة الخسارة التامة، ضع أي شيء يتضمن الموت. هذا ينجح دائمًا، وسواء كان شيئًا متعلقًا بالقصة أو شيئًا رمزيا، فأضف إشارة لشيء ميت هنا.
هذه المرحلة هي كلحظة صلب المسيح، إنها اللحظة التي يموت فيها العالَم السابق، الشخصية القديمة، أو طريقة التفكير القديمة للبطل، ثم تفسح المجال للعالم الجديد بأسلوب حياته الجديدة.
في الفيلم الكوميدي الناجح Elf، بطولة ويل فاريل Will Ferrell، عندما تسوء الأمور ويتعقد العالم تمامًا بالنسبة لويل المسكين، فيرفضه والده الحقيقي.. نرى لحظة وفاة في الصفحة 75، حيث يتوقف ويل على أحد الجسور، وينظر نحو المياة من ارتفاع شاهق، في تفكير صريح بالانتحار.
12- الانكسار – Dark Night of the Soul – (ص75 : 85)
فترة الانكسار هي فترة الظلام قبل بزوغ الشمس. إنها اللحظة التي تسبق وصول البطل بداخل أعماقه للفكرة النهائية المثالية، التي ستنقذه وتنقذ الجميع من حوله.
إذا وضعنا أنفسنا مكان البطل في هذه اللحظة، فهذا يعني أنه حينها – وحينها فقط- عندما نعترف بتواضعنا وانسانيتنا، ونترك زمام سيطرتنا على الأمور إلى القدر، حينها نجد الحل. علينا أن ننكسر، وندرك انكسارنا، كي نتعلم الدرس. هذه هي مرحلة الانكسار.
13- بداية القسم الثالث من الفيلم – Break into Three (ص85)
أخيرًا ! يأتي الحل! بفضل شخصيات القصة الجانبية، وبفضل كل النقاشات التي استعرضت فكرة الفيلم في هذه القصة الجانبية، وبفضل الجهود الأخيرة للبطل كي يكتشف الوسيلة اللازمة للتغلب على الأشرار رغم عودتهم واقترابهم من الفوز. لقد عثر البطل على الإجابة الصحيحة. لقد ظهرت فكرة لحل المشكلة. وصار العالم الناتج من اندماج العالمين في متناول اليد.
في فيلم Miss Congeniality بمساعدة من صديقاتها اللائي اكتسبتهن في عالم النساء، تجمع ساندرا أشلاءها المفككة بواسطة بقية المتسابقات، لتستكمل رحلتها بنهائي المسابقة، فتحيا ساندرا من جديد بتقدير ما اعتبرته غريبًا عنها سابقًا، وبكل ثقة نتيجة اهتمام الفتيات بها. وبمساعدة الفتيات لساندرا، فهن قد ساعدن أنفسهن أيضًا.
14- النهاية – Finale (ص85 : 110)
هنا يُختتم كل شيء، فنرى تطبيق الدروس التي تعلمها البطل، وتُصلح أخطاء الشخصيات، فتنتهي القصة الأساسية والجانبية بانتصار بطلنا. إنها نهاية العالم القديم، وصنع عالم جديد بنظامه المختلف.
تستلزم النهاية عادةً إقصاء جميع الأشرار، وبترتيب تصاعدي، بدءًا من الأتباع والمساعدين والحلفاء وصولًا لزعيمهم، فالمصدر الأساسي للـ”مشكلة” سواء كان شخصًا أو شيئًا لابد من إبعاده تمامًا، لإفساح المجال لتواجد العالم الجديد.
النهاية ببساطة هي موضع ولادة الوضع الجديد، فلا يكفي أن ينتصر البطل فقط، بل عليه أن يغير العالم.
15- الختام – Final Image (ص110)
ختام الفيلم هو نقيض الافتتاحية. إنه برهانك على حدوث تغيير حقيقي خلال القصة. فإن لم يكن لديك ختام مناسب، أو إذا لم تكن قادرًا على رؤيته بشكل واضح، فعاود إجراء حساباتك، لأن هذا يعني أنه لابد من وجود شيء ناقص بالقسم الثاني من الفيلم.