كان رجلًا مسنًا، أبحر ليصطاد الأسماك، مرت ٨٤ يومًا حتى الآن، ولم يحصل على سمكة واحدة.
العجوز والبحر
العجوز والبحر رواية عن هيمنجواي، دون إسقاطات، هيمنجواي الروائي العجوز الأمريكي، حتى قراره بالرحيل عن العالم، لم يكن يشعر أنه صاحب انجازات، هيمنجواي صاحب نوبل، كان يبحث عن انجاز واحد حقيقي، حتى لو كان صيد سمكة عملاقة بمفرده.
تلك السمكة العملاقة التي تعبر صراحة عن حياته، حياته التي تآكلت بفضل الصراعات البشرية المتوحشة، وليس الجوع الفطري الغريزي لدى سمك القرش، حياته التي جرها وراءه حتى النهاية، كما جر العجوز هيكل السمكة العملاق معه حتى النهاية، ولم يتخلى عنه.
حياته التي رغم ثراءها، بدت له بالنهاية أشبه بهيكل عملاق عظمي لرجل ميت، حتى انه لم يدخر وسعا في التجهيز لرحيله، ولم يقرر الرحيل لأن الرحيل أمر مألوف بعائلته، أو أنه يئس من حياته، ولكن لأنه صار ينسى، وزحفت عليه لعنة ال زهايمر كأفعى جرس عملاقة، تذكره آن، وتنسيه آن آخر.
فتناول همنجواي بندقية صيد الدببة ذات الفوهتين، ونزل الدرج بصباح مشرق جميل، وراقب الشروق بهدوء ونظر إلى صفحة الماء قدر استطاعته، وتمنى لو تسامحه زوجته وتتفهم أسباب رحيله، ثم وضع البندقية ذات الفوهتين بفمه، وضغط الزناد، وتخلص من أكثر الأجزاء موهبة به، رأسه.
ورحل همنجواي عن عالمنا، وكأنه وضع البندقية ذات الفوهتين تلك بقلوبنا نحن، فمن يتصور إن العجوز يهزمه البحر.
قد يتحطم الإنسان ولكنه لا يُهزم
إن تحديات العجوز سنتياجو بالبحر، على خبرته العتيدة، لم تكن بالتحديات السهلة على الإطلاق، خاصة على مدار أربعة وثمانين يوما بعمق البحر، دون طعام أو ماء، وإذا كان عتاة البحارة يستعدون دوما لأقسى الظروف وأطول الأوقات، إلا أن ثلاثة شهور أو يكاد، بعرض البحر تحت وطأة وهج الشمس، دون ماء كافي أو طعام، هو درب من الجنون أو الموت المحقق وليس التحدي.
أضف إلى ذلك قوة التوربين المائي الهائلة التي ارتبطت حياتها بحياة قارب العجوز الخشبي، والتي كانت بإمكانها أن تجذبه معها إلى الأعماق، بقوة الغضب وغريزة البقاء، ومحاولاتها المستميتة غير اليائسة، لجذب العجوز العنيد لعرض البحر حيث مناطق نفوذها.
كل ذلك الصراع والذكاء والمراوغة والصبر والقدرة على التحمل، بين كائنين من عالمين مختلفين، لا يتكلمان لغة مشتركه، ولكن يتكلمان لغة واحده، لغة البقاء.
العجوز الذي أصطاد نوبل
من الأعمال التي جسد فيها همنجواي هذا الصراع روايته الشهيرة ” العجوز والبحر” التي دارت أحداثها حول صراع مرير بين صياد عجوز وأسماك القرش وسمكة عملاقة، والرواية من أعظم الأعمال الروائية في القرن الماضي، والكاتب من طراز فذ، تمرس بالنضال الإنساني على اتساعه وشموله وتنوعه وقد جاء في تقرير جائزة نوبل للآداب التي حاز عليها عام 1954 ” لأستاذيته في فن الرواية الحديثة ولقوة أسلوبه كما يظهر ذلك بوضوح في قصته الأخيرة العجوز والبحر “.
وتعتبر الرواية ثاني أعظم رواية في أدب البحر التي صورت الصراع بين الإنسان وقوى الطبيعة مجسدة في بطل الرواية العجوز ” سنتياجو ” مع أسماك القرش الجائعة والسمكة الضخمة التي اصطادها بعد 84 يوما من التوغل والبقاء بالبحر، تميزت العجوز و البحر بخبرات واقعية بعالم البحر، وتظهر بها قوة الإنسان وتصميمهُ على أهدافه وإمكانية انتصاره على الطبيعة، وفقا لمقولة همنغواي ” قد يتحطم الإنسان ولكنه لن يهزم “.