يكتب الدكتور يوسف أدريس القصة القصيرة بحميمية مفرطة، للحد الذي تشعر معه أنه من كتب ” المغفلة ” تلك القصة القصيرة الأيقونية التي كتبها أديب روسيا العظيم تشيكوف، وربما كان للطب الذي درسه يوسف أدريس دورا في تشريح النفس البشرية.
أرخص ليالي
في مجموعته القصصية المتميزة التي حملت عنوان ” أرخص ليالي ” يتساءل الفلاح المغلوب على أمره : من أين يأتي كل هؤلاء الأبناء؟ للرجل عدد لا يعلمه من الأبناء، ولا يعرف بالفعل من أين يأتون، ففي قرى الريف البعيدة، لا مجال للسمر إلا المقاهي والقمار، والرجل لا قبل له بالأثنين، حيث لا مال فاض للمقهى والقمار، ولا مال من الأصل.
يقضي الرجل لياليه بالبيت، ولا يجد متنفسا غير زوجته، لأن لياليه مع زوجته لا تكلفه شيئا، فهي بالنهاية ” أرخص ليالي ” أرخص من المقهى واللعب، ولكنها لبساطته وسذاجته تكلفه دون أن يدري أعباء تفوق تكاليف المقهى والقمار، حيث تنتج تلك الليالي الرخيصه بطون جائعة.
أنا سلطان قانون الوجود
يسجل الدكتور يوسف أدريس بمجموعته القصصية الفريدة ” أنا سلطان قانون الوجود ” حادثة رحيل محمد الحلو بعد هجوم الأسد سلطان عليه في السيرك القومي، بتفاصيل ربما لم يراها المشاهدون للحدث بأم أعينهم، فيصف مشاعر الأسد سلطان التي تحولت في غمضة عين.
ماذا أفعل هنا؟ ولماذا يحتجزني ذلك الرجل؟ ولماذا يطالبني بالقفز؟ ولماذا أمتثل له؟ وهل يجب علي أن أطيعه؟ ولماذا لم أفتك به منذ زمن؟ وماذا يمكن أن يحدث لو فعلت؟ يقرر سلطان في توقيت وجودي حاسم أن يقضم الحلو من جانب جسده، ولا يفعل أكثر من ذلك.
يرحل الحلو عن الحياة متأثرا بجراحه، ويرحل أيضا عن الحياة سلطان متأثرا بالحزن، أمتنع الأسد عن تناول الطعام حتى أصابه الهزال، وبقى صامتا في مكمنه حزينا على صاحبه، وهو لا يفهم لماذا فعل ما فعل، ولماذا رحل مدربه، ولماذا حزن هو على رحيله إلى هذا الحد.
يوسف إدريس ونوبل
حين عرف الدكتور أدريس بفوز الروائي المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل، ذهب إلى السويد لنقض تلك الجائزة، ورأى أنها من حقه هو، وأن مجموع ما كتبه يستحق نوبل، وربما كان الدكتور أدريس محقا، فمجمل أعماله يتخطى العالمية، بحميميته وأصالته.