من منا لم يعتمد على خاصية الـ«جي بي اس GPS» في حياته اليومية إذ يعد من أهم الابتكارات البشرية نظرا لتعقيد آلية عمله، لكن هل تخيلت أن هذه الخاصية تعتمد على ابتكار قديم يدعى الاسطرلاب المعقد وأن السبب في وجوده امرأة؟ هذا يجعلنا نتوقف أمام تساؤل عن دور المرأة في نهضة العلم والحضارة، فلقد شهد الحراك العلمي إسهامات هامة من النساء، ولم تقتصر إسهاماتهن على حقل علمي واحد بل امتدت إلى مختلف المجالات. من بينهم مريم الأسطرلابي أو الأسطرلابية التي بزغ نجمها في مجالات الفلك والرياضيات والهندسة.
من هي مريم الأسطرلابية؟
عاشت مريم في العصر العباسي خلال حكم سيف الدولة الحمداني (303 – 356هـ/915 – 967م) ، كان والدها الجغرافي والفلكي المشهور كوشيار الجيلي المتوفى سنة (420هـ/ 1029م) ونتيجة لنشأتها في هذه البيئة الرياضية والفلكية، استطاعت مريم أن تتعمق وتتقن ي هذين العلمين.
مريم ووالدها كانا تلاميذ لدى نوتولوس صانع أقدم أسطرلاب مبسط في التاريخ، فانطلقت في مجال علوم الفلك المعروف الآن بعلوم الفضاء لتبدع وتصمم وتصنع آلة الأسطرلاب «المعقَّد» ثم تفرغت بعده لابتكار الأسطرلاب «المطور»، أيقونة مشوارها في البحث العلمي والفلكي، لاحتوائه على تقنيات مطورة لتحديد شكل الأجرام السماوية.
ما هو الأسطرلاب؟
الاسطرلاب الذي ابتكرته مريم كان اللبنة الأولية لأجهزة الملاحة والفلك في عصرنا الحديث مثل البوصلة والأقمار الاصطناعية وأجهزة تحديد المواقع المعروف بـ «جي بي اس GPS». فهو آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب «ذات الصفائح» استطاعت مريم تطويرها لعمل الأسطرلاب المعقد.
الأسطرلاب نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد، يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه، وبعض الأسطرلابات تتميز بصغر حجمها وسهولة حملها، وبعضها الآخر ضخم يصل قطرها إلى أمتار.
في هذا التوقيت كانت تعد الأسطرلابات حواسيبا فلكية، تحل المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية، مثل الشمس والنجوم والوقت. كما ساعد في قياس ارتفاع الشمس في السماء، وهو ما مكن العلماء من تقدير الوقت في النهار أو الليل. استخدمه المسلمون في تحديد اتجاه القبلة خاصة بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية. كما ساعد في تحديد بدايات الشهور الهجرية ومواسم الحج وغيرها.
مكانة مريم في التاريخ العلمي
مع الأسف تجاهل التاريخ ذكر مريم الأسطرلابية ولم يمنحها سوى سطور، فلا أحد يعلم السبب هل يعود ذلك لتفكك الدولة وضعفها في هذا الوقت أم لكونها امرأة؟
في عام 1411ه – 1990م أطلق الفلكي الأمريكي هنري إي هولت اسم مريم الاسطرلابية على حزام الكويكبات الذي اكتشفه.
وفي عام 1437ه – 2015م استلهمت الكاتبة الأمريكية نيدي أوكورافور شخصية مريم الاسطرلابية لتؤسس عليها شخصية البطلة في روايتها «بنتي» التي حازت على جائزة هوغو الأدبية التي تعتبر من أرفع جوائز أدب الخيال العلمي في العالم.