مارشال ماكلوهان نبيّ العصر الإلكتروني
مارشال ماكلوهان نبيّ العصر الإلكتروني

مارشال ماكلوهان؛ أطلِق عليه “نبي العصر الإلكتروني”، وهو أول من أطلق واستخدم مصطلح “العولمة” معرفيًا، وهو أول من بشّر بتقلّص المجتمع الإنساني إلى قرية كونية صغيرة متشابكة بفعل الثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال والإعلام. فيما يلي نتعرّف على مارشال ماكلوهان، وروافده الفكرية، وأهم أفكاره ونظرياته العلمية ورؤاه الفلسفية.

مارشال ماكلوهان – النشأة والتكوين

مارشال ماكلوهان، باحث وناقد في الفلسفة والتربية والاجتماع، وهو أستاذ أدب إنجليزي، ومن أشهر الرواد المنظّرين في الاتصال. ولد ماكلوهان، نبي العصر الإلكتروني، في 21 يوليو 1911م، بمدينة ألبرتا في كندا، ودرس الأدب الإنجليزي بجامعة مانيتوبا، وحصل على الماجستير عام 1934م.

مارشال ماكلوهان
مارشال ماكلوهان

اعتنق ماكلوهان الكاثوليكية عام 1937م، ولاحقًا أصبح مستشارًا للفاتيكان. أكمل ماكلوهان الدراسة بجامعة كامبريدج في بريطانيا، وحصل على الدكتوراة في الأدب الإنجليزي عام 1943م، وعاد في السنة التالية إلى كندا، ودرّس بجامعة وندسور، ثم رحل في 1946م إلى تورينتو ليدرّس الأدب الإنجليزي، وأصبح عضوًا بمدرسة الاتصال في معهد سان ميشال.

 

أصيب ماكلوهان بـ ورم سرطاني في الدماغ، وخضع لعمليةٍ جراحية لاستئصال الورم عام 1970م. وتوفّي في 31 ديسمبر 1980م، تاركًا إنتاجًا علميًا ثريًا.

 

مارشال ماكلوهان وروافده الفكرية

اعتبر النقاد أن كتاب مارشال ماكلوهان “المنطلقات الشعرية والبلاغية”، الذي نشره عام 1943م، يمثّل مفتاحًا كاشفًا لتكوينه السابق في النقد الأدبي، ولإبداعه اللاحق في النقد الإعلامي. وقد تأثّر ماكلوهان في مشواره النقدي والفكري بعددٍ من المفكّرين والباحثين، أبرزهم:

 

  • دكتور وايت، وبالأخصّ كتابه “التكنولوجيا الوسيطة والتغير الاجتماعي”.
  • والتر بنيامين، وخصوصًا كتابه “العمل الفني: عصر إعادة الإنتاج الميكانيكي”.
  • مامفورد، وتحديدًا كتابه “التقنيات والحضارة”.
  • ستيفرد لويس، وخصوصًا كتابه “الآلة تحكم زمام الأمور”.
  • هارولد إينّس، ومن كتبه “الإمبراطورية والاتصال”، و”تحضيرات الاتصال”.
  • جورج مورستي.

 

رؤية مارشال ماكلوهان لتشكيل المجتمعات عبر وسائل الاتصال

يرى مارشال ماكلوهان أنَّ كل تغيير يصيب المجتمعات في الحقب الزمنيَّة المختلفة والمتتابعة على مرِّ التاريخ، يرجع إلى شكل وسيلة الإعلام والاتصال التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم بعضًا وبما حولهم.

وسائل التواصل والتشكيل الاجتماعي
وسائل التواصل والتشكيل الاجتماعي

تعتبر رؤية ماكلوهان هذه، رغم طرحه لها من 40 عامًا، من أهم المنظورات التي تتناول الشكل الذي يكون عليه المجتمع، والذي يتحدّد وفقًا لوسيلة الاتصال والتواصل التي يستخدمها أفراد المجتمع فيما بينهم. ويرجع انتشار هذه النظرية ووضوحها في الربط بين الرسالة والوسيلة، إلى التأكيد على أهمية الوسيلة ذاتها في تحديد نوعية الاتصال وتأثيره.

 

بحسب ماكلوهان، فإن الوسيلة الإعلامية ذاتها هي الرسالة، ولا يمكن النظر إليها بشكلٍ مستقلّ عن تقنيات الوسائل الإعلامية. بالتالي لا يمكن الفصل بين الإعلام ووسائل الاتصال بين المجتمع، لأنه جزء منها.

 

لكن ما يبرز واضحًا عند ماكلوهان، هو أنّ الإعلام هو الذي يشّكل الرسالة، كما أنه ليس المضمون الإعلامي أو المحتوى المنقول هو الرسالة، وإنما الرسالة هي الوسيلة الإعلامية المستخدمة ذاتها.

 

الحتمية التكنولوجية عند مارشال ماكلوهان

بينما كان كارل ماركس يُؤمن بالحتمية الاقتصاديَّة، وبأنَّ التنظيم الاقتصادي للمجتمع يشكِّل جانبًا أساسيًّا من جوانب حياته؛ يؤمن مارشال ماكلوهان بالحتمية التكنولوجية وبأنَّ الاختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تُؤثِّر تأثيرًا أساسيًّا على المجتمعات.

 

الحتمية التكنولوجية (Technological Determinism) لدى مارشال ماكلوهان، تركّز على أنّه لا يمكن الفصل بين مضمون الوسيلة الإعلامية، وبين تكنولوجيا الوسيلة الإعلامية ذاتها. ويصل بنا هذا إلى أنّ الكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية محتواها، تُؤثِّر بشكل كبير في طريقة تفكير المجتمع المتلقي له، بل ومن الممكن أن تُعيد تشكيله.

 

هذه الحتمية التكنولوجية تؤكّد أن وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها سوف تحدد طبيعة هذا المجتمع، وكيفية تعاطيه مع مشاكله وعلاجه لها.

الحتمية التكنولوجية
الحتمية التكنولوجية

وبقدر ما توفّر هذه الوسائل نوعًا من الترفيه والتسلية وتسهيل الوصول إلى المعلومات، فهي تشكّل تهديدًا في الوقت ذاته؛ وذلك لأنها قد تستخدم أساليب تُمَكِّن المنظومة من السيطرة على المجتمع. ولمنع احتمال مثل هذا التهديد يُؤكِّد ماكلوهان على أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الإعلام؛ لأنَّه بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها، ونتغلب تمامًا على نفوذها أو قدرتها الحتمية.

 

أخيرًا في هذه الجزئية، يشدّد ماكلوهان على أنَّ الفرد عليه أنْ يفهم كيف تستطيع المنظومة الصمود في وجه التغييرات التي تُصيب المجتمع بينما تظلُّ هي متماسكة، وأن يعرف جيدًا ما هي الوسائل التي تستخدمها المنظومة الإعلامية والسياسية لفرض السيطرة على الأفراد.

 

القرية العالمية عند مارشال ماكلوهان

بحسب مارشال ماكلوهان في كتابه “الحرب والسلم في القرية العالمية”، فقد حوّلت وسائل الإعلام والتواصل الجديدة العالمَ إلى قرية عالمية تصل في محيطها بين جميع أنحاء العالم مباشرةً. أيضًا، فهذه الوسائل الجديدة تقوّي العودة إلى القبائلية في الحياة الإنسانية. لقد أصبح عالمنا عالمًا من نوعٍ جديد، يتوقف فيه الزمن وتختفي فيه المساحات؛ لذا عُدنا إلى مجدّدًا إلى تشييد شعور بدائيّ ومشاعر قبائلية.

القرية العالمية
القرية العالمية

أدّى هذا الوضع الجديد إلى ابتعادنا التلقائي عن تصنيف المعلومات، والاعتماد على إدراك النمط أو الشكل الكلّي، ولم يعُد من السهل بناء شيء متسلسل، فالاتصال الفوري جعل كل المعلومات المتضمنة في البيئة والظروف المحيطة تتفاعل مع بعضها بعضًا.

 

يشدّد ماكلوهان على أن التاريخ الحديث للمجتمعات الغربية ليس سوى تاريخ متحيّز نحو الاتصال؛ لذا ثمّة ضرورةٌ أن ننقل تأكيد انتباهنا من حالة الفعل إلى حالة ردّ الفعل، للتعرّف على نتائج كل سياسة وكل فعل.

 

النقد الموجّه إلى نظريات ماكلوهان

في السنوات الأخيرة، باتت رؤى مارشال ماكلوهان موضع انتقاد أو تعديل أو تشكيك من قِبل بعض الباحثين والمفكرين. من ذلك:

  • النقد الذي وجّهه إليه فرانسيس بال، فيما يخصّ رؤية مارشال ماكلوهان حول “القرية العالمية”، وأنها لم يكن لها وجود حقيقي في المجتمع المعاصر.
  • النقد الذي وجهه له زبجنيو بريجنسكي حول نفس المفهوم، مؤكّدًا أن العالم ليس قرية، وإنما مدينة عالمية يمكن تشبيهها بعقدة من العلاقات المترابطة، العصبية الهائجة والمتوترة، ممَّا يُعرِّض كل واحد من سكانها إلى أهوال العزلة، بدلاً من أن تُقدِّم له حرارة التضامن كما في قرية مارشال ماكلوهان.

 

أبرز مؤلفات مارشال ماكلوهان

  • المنطلقات الشعرية والبلاغية، عام 1943م.
  • العروس الميكانيكية، عام 1951م.
  • مجرة جوتنبرج، عام 1962م.
  • من أجل فهم وسائل الاتصال، عام 1964م.
  • الوسيلة في الرسالة، عام 1967م.
  • الحرب والسِلم في القرية العالمية، 1969م.

 

مصادر

  • صناعة الواقع: الإعلام وضبط المجتمع، محمد علي فرح، مركز تفكّر للبحوث والدراسات، 2014م.
  • مارشال ماكلوهان: قراءة في نظرياته بين الأمس واليوم، د. تواتي نور الدين، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 10، مارس 2013م.
  • الشباب والتواصل الافتراضي بين الحتمية التقنية والضرورة القيمية، محمد براي، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، عدد 14.
  • التغير الاجتماعي والحتمية التكنولوجية لوسائل الإعلام: قرلءة في نظرية مارشال ماكلوهان، بوسعيد رندا، جامعة الجلفة.