برواية ترانس كندا، تقفز سماح صادق بين الطبقات الاجتماعية بمهارة قط، قط كافكا على الشاطئ تحديدا، المنصت الحكيم، ترصد التفاوت الطبقي المريع بين طبقات الشعب المصري، الأقرب رغما عنه لمسخ، تتناول حيوات فتياته وأيضا فتيانه، ممن كان عليهم الرضوخ دونا عن إرادتهم لظروف بمنتهى الظلم والذل والقبح، لمجرد أنهم ليس لديهم خيار ثالث، فالخيار الثالث للأسف، تم احتكاره لطبقة قليله بعينها، طبقة استولت على الثروة والسلطة بتخطيط وعناد، تحت علم وعين الزمن ولم تبالي، لم تبالي بالخير أو الحق أو الجمال، لم تبالي أكثر بحق الآخرين في الحياة؛ ناهيك عن حقهم في التعليم والنجاح والثراء.
بعالم سماح صادق الروائي الوليد، تتجاوز سماح عوالم الأدب النسائي التقليدي، خاصة المستغانمي منها، الذي يجعل دوما المرأة ضحية، والرجل دوما كائن دنيء، المرأة والرجل بعالم سماح الصغير، كائنان متساويان ومتكافئان، مدانان ومدينان، الحياة بينهما سجال، وليست فقط جناح أنثوي مكسور، ينوح وينعي ويندب طوال الوقت، بسبب تعنت وقهر الكائن الرجل، المرأة بعالم سماح الروائي الذي يحبو، تتحدى العالم ولا تتحدى الرجل، لتثبت أنها قوية لا لتنتقم من كائن آخر مسكين يدعى الرجل، ربما نسى الأدب النسائي في غمرة الانتقام منه وكيل الاتهامات له؛ أنه أكثر الكائنات حاجة للمرأة.
سماح صادق، بروايتها ترانس كندا، سوف تقصفك بمدفعيه ثقيلة، مدفعيه من النوع غير القاتل، بل المثير للشجون، كل امرأة على الأغلب سوف تجد نفسها بترانس كندا، حتى لو لم تزور من قبل كندا، كل امرأة – وربما كل رجل – سوف يجدها فرصه مناسبة للبكاء على شيء ما؛ حلم، حب، ذكرى، تعاطف، حنين، وربما كلهم مجتمعين، وربما تكون محظوظا، وتكون الفرصة سعيدة، وتبكي، الأدب الصادق لا يخجل؛ والقارئ الصادق أيضا يجب ألا يخجل.
بترانس كندا، على ألطف الفروض، سماح صادق لاعبة جودو، لذلك؛ انتبه جيدا قبل أن تبدأ – خاصة إن كنت رجلا – لأن أولى ركلاتها سوف تكون بين قدميك، وحين تنحني من الصدمة، سوف تعيدك إلى وضعك بـ نوك اوت، ثم تعقصك كما تعقص كعكة شعرها للخلف، لتضعك على الأرض دون لمس أكتاف، وربما بالنهاية تترك لك حرية التأوه.
بالأدب، أنا أكره العامية، بترانس كندا، تذكرني عامية سماح بأمي ” مالك يا أخويا ” أبي قطعا لم يكن أخوها، لكن المعنى الضمني، والصدق الذي تحمله الكلمات، يجعلك تتصالح معها، وتفهم أبي حين يرد ” بخير يا أمي ” العامية الحميميه بترانس كندا؛ تذكرني بأبي و أمي.
” لا أريد الآن أن أصبح جميله و طيبه مثل أمي؛ فمن لهم صفاتها يحترقون في النهاية ”
” أحب حمامات الفنادق؛ إضاءة قويه، مرآه براقة ونظيفة وكبيره، تجعلك دائما تبدو أجمل من المعتاد ”
” البكاء لم يعد كما كان في الماضي؛ تعبيرا عن الألم، الدموع أصبحت إشارة فقط أن إحساسي ما زال حيا يرزق ”
” إن لعنة تعلم اللغة الفرنسية بلكنة أهالي مقاطعة كيبيك الكندية؛ لثلاث سنوات متواصلات، أخف وطأة من محاولة ركوب ميكروباص بمصر ”
ترانس كندا، رواية تخترق الصف، ترانس كندا، رواية محظوظة أن صاحبتها خرجت من مدينة البهائم، ترانس كندا تنتصر للمشاعر الإنسانية، وتقوم بدور المنارة لنا، في مجتمع أصبح الكذب والعناتيل والتحرش أولى أولوياته.
ترانس كندا رواية عارية، إن أمكنك أن تنظر إليها دون أن ينتصب قضيبك كالمخبول، أو تنقدها مشاعرك كالمعتوه، فأنت إذن بصحبة رواية لا تكذب ولا تتجمل.
بترانس كندا، سماح صادق سوف تصدمك إن كنت امرأة، التفاصيل بترانس كندا كثيرة ودقيقه وجميله، للدرجة التي سوف تشعرين معها أن سماح تبلغ من العمر ثلاثمائة عام؛ وأنها قطعا مرت بكل التفاصيل عبر ترانس كندا.
بقليل من الوقت، والخبرة، والتروي، سماح صادق؛ يمكنها أن تكون إيزابيل آيندي جديدة.