نقدم في هذا الموضوع خطبة محفلية تتحدث عن حب الوطن الغالي العزيز المملكة العربية السعودية، وهذه الخطبة سترتكز على مجموعة من النقاط المهمة جدًا التي يبحث عنها كل شخص في المملكة بخصوص تحدياتها وما تتطلبه من أمور تساعد على رفعة هذا الوطن.

في حب الوطن

مفتتح

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين  اللهم احفظ أوطاننا سالمة غانمة إلى يوم نلتقي حيث لالقاء إلا لقاءك ولا مقراً لنا إلا بجناتك نجنا برحمتك وارض عنا واعف انك أنت الغفور الرحيم  أما بعد:ـ

نص الخطبة

إن من أسمى معالم الوفاء والإخلاص ورقي الفطرة الإنسانية هو حب الوطن والدفاع عنه ضد أي إنسان أو فئة ما هدفها النيل منه وتدمير أخلاقياته ورقيه وتشويه حضارته بمسميات عدة وذلك للسيطرة والاستحواذ عليه ليكون تابعاً لا مستقلاً واستغلال ممتلكاته وعناصره البشرية أسوأ استغلال.

وتلك هي الطبيعة الإنسانية والفطرة التي فطرنا الله عليها فما من إنسان سوي إلا ويعتز بوطنه ويحبه ويفديه روحه ذاك الوطن الذي نشأ و تربى فيه وترعرع ونما وهو موطن والديه وأجداده الذين يحبهم، حتى إن الحيوانات تثور عندما تشعر بإغارة قطيع آخر عليهم يريد أن يستلب منهم مكانهم الذين يستقرون فيه.

حب الوطن

كيف تدافع عن وطنك وأنت لاتملك أي شئ؟

تستطيع أن تفعل ذلك بكل ما أوتيت من قوة، فليس حب الوطن كلام يقال ولا شعار يرفع، ولكنه تضحية جندي يسهر ليله في سبيل الدفاع عنه، وحماية شعبه من أذى قد يلحق به، ويظهر أيضاً في كل ذي مهنة يتقنها ويخرج أفضل مالديه طبيباً كان أومهندساً أو معلما، يعلم أبنائنا العلوم باختلافها ويزرع فيهم القيم والمثل العليا، وفي كل فلاح يزرع بذوره كي تنمو فيبيعها لنا فنأكلها ونشبع، ونصدرها فتنمي اقتصاد بلادنا، وفي كل أم تربي أبنائها تربية صحيحة فينشأ جيل سوي قادر على تحمل المسؤولية سواءاً تجاه بلده الصغير الأهل أووطنه الكبير الذي يحتضنه فيعيش على ترابه ويستظل بسماه ويأكل من خيراته.

كما تستطيع أن تبدي ذلك بأفعالك وأخلاقك وبلسانك فلاتترك مجالاً لضال أومضل أو محرف إلا ورددته بالحجة البالغة وبالأسلوب الجيد قال تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وقال تعالى أيضاً ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ولك أن تبحث في سير الأنبياء و الصحابة والتابعين لترى كم دافعوا عن أوطانهم أشد دفاع.

مظاهر حب الوطن في عهد الرسول وصحابته

إذا توارد بخاطر أحدكم هل كان الأنبياء والرسل السابقين وصحابتهم رضوان الله عليهم جميعاً يحبون أوطانهم؟ هل كانوا يفدونه بأرواحهم ويغارون عليه؟ تكن الإجابة بالطبع نعم وإلا لم تلك الغزوات والحروب هل كانت حباً في العراك؟ هل كانت مزاجاً يهب عليهم فجأة أن هيا فلنقتل هؤلاء بالطبع لا هي غيرة على الوطن ودينه الإسلامي القويم.

ولنا مع صحابته مواقف مع صاحبته رضوان الله عليه منها صاحب الصوت الحسن مؤذن الرسول بلال الحبشي حينما كانت وطنه هو مصدر سخرية الناس له حيث كان حبشياً ومن المعروف أن الإنتساب للحبشة يعني العبودية واللون الأسود ولكنه مع ذلك كان شديد التعلق بوطنه.

بخلاف ذلك هناك من السيرة العطرة ما يبرهن حب النبي الشديد لموطنه ( مكة ) فعندما هاجر إلى المدينة المنورة وقف ناظراً إلى مكة حزيناً على فراقها قائلاً “( ماأطيبك من بلد وما أحبك إلى ولولا أن قومي أخرجوني منك ماخرجت )” حتى أنزل الله وحيه مبشرأ نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه بالعودة مرة أخرى إلى وطنه الحبيب ولكن عندما يأذن الله قال تعالى “( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )”.

كما أن النبي ص عند هجرته للمدينة ألفها ودعا الله عز وجل كما جاء في الحديث الشريف “( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد )” رواه البخاري, كما دعا لها بالبركة أيضاً, ففي الحديث الشريف “( اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة )” رواه البخاري.

وفي الحديث الذي أخرجه الأزرقي في “أخبار مكة” عن شهاب قال “( قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي ( ص ) فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له ياأصيل كيف عهدت مكة؟! قال عهدتها قد أخصب جنابها وابيضت بطحاؤها، قالت أقم حتى يأتيك النبي، فلم يلبث أن دخل النبي فقال له ياأصيل كيف عهدت مكة؟! قال والله قد عهدتها قد أخصب جنابها وابيضت بطحاؤها وأغدق إذخرها وأسلت ثمامها، فقال حسبك ياأصيل لاتحزنا ودع القلوب تقر قرارها )”

قال عز وجل في كتابه العزيز الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه “( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم )”

وجاء أيضاً في كتابه العزيز في موضع آخر في سورة الممتحنة “( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )” وهذا يدل على أن حب الوطن داخل في عبادة الله تلك هي فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك هو الدين القيم )”

قيمة حب الوطن ومظاهره فى العصر الحديث

لعلك تجلس في بيتك مع أحباءك في وطنك معززاً مكرماً غير مستشعر بوطنك بل ربما هو آخر همك ، ولكن لكي تعرف قيمة وطنك وألم فراقه اسأل من فارقه وذهب مثلاً ليعمل في الخارج سله كيف حالك سله هل الحياة عندك أجمل أم في وطنك حينها ستصدق وتستشعر حقيقة فضل الدفاع عن الوطن، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:ـ
وطني لو شغلت بالخلد عنه * نازعتني بالخلد إليه نفسي

بالإضافة إلى ذلك تدبر قيمة ومعنى الوطن في نفوس تلك البشر الذين يسكنون المناطق المتجمدة الباردة ولا يهاجرونها رغم البرد القارس، وأولئك الذين يسكنون الجبال والأدغال والوديان رغم السباع والضواري وغيرها من المصاعب.

تأمل معي أيضاً تلك القبيلة ( الآميش ) والتي ترفض تماما كل سبل التحضر بل ترفض تعليم الأبناء ودخولهم الجامعات ترفض ممارسة أي مهنة تستخدم آلة من الآلات الحديثة بيوتهم من خشب ولوازمهم كلها من صنع أيديهم لايستخدمون أي شيء مصنع ورغم ذلك يرفضون الذهاب لوطن آخر بعيداً عن هذا التخلف كما نراه نحن هم متعايشون بحب وتآخي يفوق الوصف وحتى من حبهم لوطنهم وتقديسهم له وعاداته وتقاليده لايزوجون أبنائهم وبناتهم إلا من قبيلتهم وبينبذون من يرفض تلك العادات خارجاً.

اليوم الوطني السعودي

لعلكم لاحظتم المواقف السابقة وكم كان مقدار تعلق أصحابها بأوطانهم والتاريخ يحوي الكثير والكثير مما لامجال لذكره هنا لذا كان من الواجب على كل أمة أن تخصص يوماً للاحتفال بوطنها ونهضته وتنمية ذلك في نفوس أبنائها حتى ينشأ جيلاً واعياً مثقفاً محباً شغوفاً بوطنه وتنميته.

وقد خصصت المملكة العربية السعودية يوم الثالث والعشرون من سبتمبر من كل عام للاحتفال بذكرى توحيد المملكة
ففى مثل هذا التاريخ أصدر الملك عبد العزيز مرسوماً ملكياً برقم ألف وسبعمائة وستة عشر، وجاء في مادته الأولى مانصه ” يحول اسم المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية ويصبح لقبنا بعد الآن ملك المملكة العربية السعودية ”

واشترط في مادته الثانية مانصه ” ألا يكون لهذا التحويل أثر على المعاهدات والاتفاقات والإلتزامات الدولية التي تبقى على قيمتها ومفعولها، وكذلك لا يكون له تأثير على المقاولات والعقود الإفرادية، بل تظل نافذة ”
كما جاء في مادته السابعة والتي اختتم بها المرسوم مانصه ” اننا نختار يوم الخميس الواقع في 21 جمادى الأولى سنة 1351 الموافق لليوم الأول من الميزان يوماً لإعلان توحيد هذه المملكة العربية”.