في يوم 9 من شهر ذي الحجّة عام 10 هـ (الموافق 9 مارس 632م)، ألقى الرسول – عليه الصلاة والسلام-، خطبةَ حجّة الوداع، وكان هذا اليوم هو الموافق ليوم الوقوف على جبل عرفة، وفقًا لترتيب شعائر فريضة الحجّ. وقد ألقى الرسول خطبته هذه في حضور ما يقرب من 114 ألفًا من المسلمين الذين جاءوا معه لأداء الحجّ، وكانت هذه هي حجّته الأولى والأخيرة.

نصّ خطبة حجّة الوداع

يعتبر نصّ خطبة حجّة الوداع نصًا فريدًا، ذا خصوصيّة غير تقليدية في الفصاحة والبلاغة والبيان.

جبل عرفات حيث ألقى النبي خطبة حجّة الوداع
جبل عرفات حيث ألقى النبي خطبة حجّة الوداع

وهذا هو نصّ الخطبة:
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أوصيكم – عبادَ الله- بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.
أما بعد؛

 

أيها الناس، اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

أيها الناس، إن دماءكم حرامٌ عليكم، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب.

وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دمُ عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية، والعَمدُ قَودٌ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

 

أيها الناس؛ إن الشيطان قد يئس أن يُعبَد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.

أيها الناس؛ إنما النسيءُ زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلّونه عامًا، ويحرّمونه عامًا، ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرّم الله، ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعةٌ حُرُم؛ ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان.ألا هل بلغت؟ اللهمّ اشهد.

أيها الناس؛ إن لنسائكم عليكم حقًاـ ولكم عليهن حق. لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن، فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن، وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإنما النساء عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئًا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرًا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

 

أيها الناس؛ إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مالٌ لأخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

فلا ترجعنَّ بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض؛ فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس؛ إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فليُبلغ الشاهدُ الغائبَ.

أيها الناس؛ إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحَجَر. من ادُعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عَدلٌ.
والسلام عليكم ورحمةُ الله.

 

مصدر

  • حاضنات النصّ في خطبة الوداع: قراءة بنيوية، د. على يوسف اليعقوبي، جامعة الأقصى.