يعتبر ستيفن سبيلبرج واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ السينما، والمخرج الأشهر في هوليوود، وأحد أغنى صنّاع الأفلام في العالم المعاصر. عُرف سبيلبيرج بجاهزيته للعمل وسرعة العثور على الأفكار، وتوظيفه لأدوات السينما واللغة السينمائية والتقنيات الجديدة بشكل دؤوب. ولم يتوقّف نجاحه عند وظيفة الإخراج، بل تجاوزه إلى التمثيل والإنتاج والتوزيع. فيما يلي نتعرّف على المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج وكيف تشكّل شغفه بالسينما، ورؤيته لعناصر الفيلم، وأشهر أعماله.
ستيفن سبيلبرج وشغف السينما
ولد ستيفن سبيلبرج في 18 ديسمبر عام 1948، في سينسيناتي بولاية أوهايو الأمريكية، وعاش فترة في نيوجيرسي، ثم انتقلت عائلته إلى سكوتستدال في ولاية أريزونا، وهناك عاش سبيلبرج فترة مراهقته، وهي الفترة التي طوّر فيها شغفه بالسينما بطريقة ملموسة.
في فترات سابقة من طفولته، كان والداه اليهوديان من أصل بولندي، المتحفظان لدرجة أنهما يكرهان التلفاز، ويمنعانه ستيفن من رؤية الأفلام التي تعرض في صالات العرض التجارية، ويوجهونه إلى مشاهدة أفلام الكارتون فقط. إلا أنه مع ذلك كرّس نفسه للسينما مبكرًا، وفور أن تحصّل على ألة تصوير سوبر إيت بدائية، بدأ يصوّر أفلامًا قصيرة مرتجلة، وظلّ حتى نال اهتمام والده الذي تحمّس للأمر واستأجر له صالة عرض ليعرض أحد أفلامه القصيرة.
منذ ذلك الحين، جرّب سبيلبرج تصوير أفلام من كل الأنواع الفيلمية: الويسترن والخيال العلمي والهروب والأفلام الحربية. وصنع أول فيلم روائي طوي وهو في سن السادسة عشرة، وكان فيلم خيال علمي بعنوان ضوء النار Firelight. وقبل أن يتم العشرين انتقل إلى لوس أنجلوس للالتحاق بدورة السينما في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، ولكنه لم يلحق بها، إلا أنه وطّد علاقته بطلاب هذه الدورة، الذين صاروا شركاءه في أعماله لاحقًا.
بنهاية عِقد الستينات، حصد فيلمه القصير (أمبلين Amblin) على جوائز مهرجان فينسيا وأتلانتا، وكان هو كاتب الفيلم ومخرجه ومحرّر مونتاجه، وكان هذا الفيلم هو مدخله إلى الاحتراف، حيث وقّعت معه شركة يونيفرسال عقدًا لمدة 6 أعوام في القسم التلفزيوني من الشركة الذي اعتبره بمثابة كليةٍ للسينما، ليبدأ في إخراج والمشاركة في إخراج العديد من الأفلام التلفزيونية والمسلسلات الدرامية.
خلال السنوات التالية، عمل ستيفن سبيلبرج كمُخرج ومُنتج ومنتج منفّذ وموزّع، بل وكممثّل أيضًا، حتى وصل إلى تحقيق أمنيته بالحصول على جائزة أوسكار أحسن مخرج، عدّة مرات، من بينها جائزة عام 1994، عن فيلم قائمة شندلر. وعلى إثر مشواره الثريّ والمركّب صار سبيلبرج يُعرف بأنه رجل المعادلات الصعبة التي يندر أن يشبهه فيها أحد.
سبيلبرج وأطفال السينما المدلّلون
ينتمي ستيفن سبيلبرج إلى مجموعة المخرجين التي تعرف باسم (أطفال السينما المزعجين/ أوالمدلّلين) Movie Brats. تضم هذه المجموعة إلى جانب سبيلبرج، كلاً من:
- فرانسيس فورد كوبولا: مخرج فيلم الأب الروحي.
- وليام فريد كين: صانع فيلم طارد الأرواح.
- جون كاربنتر: صانع فيلم هالوين.
- جورج لوكاس: مخرج فيلم حرب النجوم.
- براين دي بالما: مخرج فيلم الهاجس.
- مارتن سكورسيزي: مخرج فيلم سائق لتاكسي.
ما تميّزت به هذه المجموعة من المخرجين، أنهم سلكوا مسار التعليم والتدريب في مدارس السينما المتخصّصة، مثل جامعة نيويورك وجامعة جنوب كاليفورنيا، بدلاً من أن يسلكوا طريق الارتقاء عبر التدرّج في المراتب المهنية المختلفة وفق السائد في منظومة العمل داخل ستديوهات هوليود. وبدراستهم هذه، لم يتمكّنوا من تقنيات صناعة الأفلام فقط، وإنما تشرّبوا جماليات صناعة الفيلم وتاريخها أيضًا.
سبيلبرج وعناصر الفيلم
تحافظ أفلام ستيفن سبيلبرج على الدرجة العالية نفسها من الإتقان التقني وألمعية بنائها القائم على التشويق، رغم تغيّر اهتماماته بمرور الوقت. ووسط كل هذا، فهو يحافظ على رؤية واضحة ومحدّدة يتعامل بها مع عناصر العمل ومكوّناته.
فيما يخصّ التصوير، يعتبر سبيلبرج أن تأثيره الشديد يظهر حقًا في تقريره كيف يمكن للمشهد أن يظهر. فهو يبدأ بتكوين مناخ مناسب عبر التحدّث مع المصوّر أو مدير التصوير وإفهامه طريقته في رؤية المشهد. يصرّح سبيلبرج “أنا ألاحظ بعيني اليمنى والمصوّر يلاجظ بعيني اليسري”. وأحيانا يتولى سبيلبرج نفسه تحديد موضع آلات التصوير، لتحديد اتجاهات الكاميرا وزاوية رؤية الممثل. إنها مسئوليته التي يراها التزامًا أساسيًا تجاه قصته التي يرويها عبر الشاشة.
فيما يخصّ الممثّلين، يسعد سبيلبرج بالتعاون معهم، إلا أنه يخشى التعامل مع النجوم لأنهم يشعرونه بالتوتر، إذ يضطر للتخلي عن شيء من استقلاليته. عادة ما تكون طريقته أن يجرّب الممثّل أولاً، فيتركه يتحرك ويتابعه هو بالكاميرا. إلا إذا كان المشهد مغلقًا في مكان محدود، فحينها تكون الأولوية للكاميرا، وبناءً على موضعها تتحدد حركة الممثلين.
وفيما يخصّ المونتاج، فهو أكثر شيء يشعر معه سبيلبرج بالاستبدادية، لأنه يراه أمرًا يخصّه وحده. إنه يعتبر نفسه مونتير فيلمه، ويتعاون مع فنّي التركيب ويرى أفكاره، فإن كان لدى هذا الفني شيءٌ جيّد ليقدّمه، يستخدمه سبيلبرج فورًا، وإلا فهو يستبدّ بالعملية برمّتها.
أشهر أفلام ستيفن سبيلبرج
- الفك المفترس Jaws، صدر عام 1975، مدته 125 دقيقة.
- لقاءات قريبة من النوع الثالث، صدر عام 1977، مدته 138 دقيقة.
- إي تي الكائن الفضائي، صدر عام 1982، مدته 115 دقيقة.
- إنديانا جونز والمعبد الملعون، صدر عام 1985، مدته 118 دقيقة.
- إمبراطورية الشمس، صدر عام 1987، مدته 152 دقيقة.
- حديقة الديناصورات، صدر عام 1993، مدته 123 دقيقة.
- قائمة شندلر، صدر عام 1994، مدته 185 دقيقة. حاز معه على جائزة أوسكار أفضل مخرج.
- إنقاذ الجندي رايان، صدر عام 1998، مدته 169 دقيقة. حاز معه على جائزة أوسكار أفضل مخرج.
- آيه آي: الذكاء الاصطناعي، صدر عام 2001، مدته 146 دقيقة.
- الحق بي إن استطعت، صدر عام 2002، مدته 141 دقيقة.
- لينكولن، صدر عام 2012، مدته 150 دقيقة.
- جسر الجواسيس، صدر عام 2015، مدته 142 دقيقة.
- بي إف جي، صدر عام 2016، مدته 117 دقيقة.
- ريدي بلاير وان، صدر عام 2017، مدته 140 دقيقة.
قضايا أساسية في أفلام سبيلبرج
كل أفلام ستيفن سبيلبرج فيها ذلك الملمح الذاتي. إنها تصدر عن ذلك الجزء من نفسه الذي لا يستطيع فعلاً ان يعبّر عنه.
يستدعي ستيفن سبيلبرج في أفلامه أحداثًا أو شخصيات من التاريخ؛ لأنه يرى التاريخ في حد ذاته تذكيرٌ بالمدى الذي قد تسوء إليه الأمور.
أيضًا، في أفلامه يفتش دائمًا عن وسيلة لترميم الأمور المدمّرة. إنه يعتني جدًا بالعلاقات الأسرية والإنسانية والاجتماعية، عبر قيم العاطفة والإخلاص وتحمّل المسئولية. لذا، أكثر قصصه يحدث فيها شكل من أشكال الانفصال، ثم تحدث إعادة لمّ الشمل. وكأن لديه إيمان عميق بأن ما فُقِد يُمكن استعادته بطريقةٍ ما.
مصادر
- ستيفن سبيلبرج، فرانكولا بوللا، ترجمة: أماني فوزي حبشي، أكاديمية الفنون، القاهرة، 1997م.
- الفيلم الوثائقي Spielberg، عُرض في عام 2017م على قناة HBO.
