فيلم (A Private War)، إنتاج أمريكي بريطاني مشترك، عام 2018م، هو فيلم سيرة ذاتية سريعة، للمراسلة الحربية البريطانية المعروفة (ماري كولفين)، التي تنافس مسيرتها مسيرة الأمريكية (مارثا جيلهورن). يستعرض الفيلم محطّات أساسية في حياة ماري المهنية منذ عام 2001 وحتى اغتيالها خلال الحرب الأهلية السورية، أثناء تغطيتها للاشتباكات في حمص، في 22 فبراير 2012م.
ماري كولفين وحربها الخاصة
هناك شخصيات رسولية من البشر، قدرهم وطبيعتهم أن يتواجدوا في أدوار معينة في الحياة، تحمل في جوهرها البطولة الخالصة، وتفرض عليهم أن يواجهوا ويعاينوا أمورًا عاتية، ويتحمّلونها نيابةً عن كثيرٍ غيرهم من البشر. عندها يكونون هم وسيلة الإخبار الأولى والأساسية – وأحيانًا الوحيدة- عن مثل هذه الأمور. هذه حربٌ خاصةً تخوضها هذه الشخصيات، لا يعرف الآخرون عنها شيئًا.
يقدّم لنا هذا الفيلم عيّنة من هذه الشخصيات الرّسولية، عبر سرد دراميٍ متماهٍ مع الطبيعة النفسية والسلوكية والمهنية لبطلة الفيلم ماري كولفين، متجسّدًا في الانسياق وفق حاجةٍ أكبر من أن تكون قصورًا ذاتيًا وراء أداء دورها الرّسوليّ. السرد هنا معادلٌ موضوعيّ مثاليّ للشخصية نفسها. الفلاش فوروارد لا يمكن تفسيره بأنه مجرّد فلاش فوروارد. أي نعم يبدو ظاهره كما لو أنه كذلك، لكنه ليس كذلك، خصوصًا عندما نجده يتداخل مع الفلاش باك، بل ومع الحاضر أيضًا.
ربما تكون هذه النقطة هي أكثر ما سبّب إرباكُا لبعض المشاهدين، وسبّبت نقدًا وجّهوه إلى مُخرج العمل على اعتبار انه كان يريد أن ينفّذ أمرًا إلا أنه لم ينجح في إتقانها، وخرجت بطريقة مرتبكة. في حين أنه في المقابل، وعلى الحقيقة، نفّذها بشكل متّقن يستحق التقدير والاحتفاء.
الاحتفاء بالمعاناة
الفيلم – كفيلم سيرة ذاتية- يحتفظ بتميّزه الخاص، ويحتفي بلحظات المعاناة الجماعية المتجلّيّة في معاينة فظائع الحروب والقمع والإجرام السلطوي (في سريلانكا وفلسطين وأفغانستان وليبيا وسوريا)، ولحظات المعاناة الفردية في اجترار ذكريات وكوابيس واضطرابات انغماس هذه المشاهد وتكلّسها داخل وجدان الشخصيّة، وفي المقابل يمرّ على كلّ لحظات التكريم والاحتفاء المهنيّ لماري مرورًا عابرًا.
فنّيات العمل
الأداء التمثيلي رائع ومركّب، خصوصًا أداء روزاموند بايك. الماكياج كان مقنعًا بنسبة كبيرة. إعادة إحياء وتنفيذ مشاهد معيّنة مفصلية وفارقة في أحداثٍ كبرى حضرتها الشخصية: كان مضبوطًا. الحوار تضمّن اقتباساتٍ جيّدة ومعبّرة. ومقارنة ببقية مكوّنات الفيلم، فالموسيقى هي أضعف العناصر، ربّما لأن العمل لم يكن في حاجة ماسّةٍ إليها، وسط كلّ هذا القبح شديد الفجاجة الذي يفرض نفسه على واقعنا.