هذا السؤال رغم غرابته لكنّه يدور في أذهان الكثيرين، لماذا يلبس رجال الدين من المسيحيين عباءات سوداء، وهل يرتبط الأمر بالحزن على دخول الإسلام إلى أرض مصر، التساؤل ليس جديدًا، فقد طُرح على قداسة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكنيسة القبطية السابق رقم 117، في إحدى عظات يوم الأربعاء التي اعتاد أن يتحدث إلى الناس من خلالها.
كيف كان لبس رجال الدين الأقباط قبل دخول الإسلام مصر؟
جاءت إجابة بابا كنيسة الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السابق شنودة الثالث، في 4 نقاط واضحة، مفنّدا خلالها هذه الفكرة، فقال إن لبس رجال الدين الأقباط لونه أسود منذ القرون الأولى للمسيحية أي في وقت لم يكن الإسلام موجودًا فيه، ثم تساءل إذا كان هذا الاعتقاد صحيحا فلماذا يلبس رجال الكهنوت المسيحيون من غير المصريين هذا اللون في البلاد الأوروبية أو التي تحظى بتواجد كثيف لمسيحيين؟
“اللون الأسود هو لون وقور يليق برجل الدين، فلا يصح أن يلبس الكاهن “رجل الدين المسيحي” فراجية ذات ألوان متعددة، والفراجية هو مصطلح يطلق على العباءة السوداء الواسعة التي يرتديها الكاهن، بهذه الطريقة أوضح البابا شنودة، الذي رحل في مارس عام 2012، خطأ الاعتقاد بوجود ارتباط بين اللون الأسود لملابس رجال الدين الأقباط وبين دخول الإسلام إلى مصر.
ملابس الرهبان
تشير عدد من الكتب الخاصة بالرهبان، وهم مسيحيون خرجوا إلى الصحراء للتعبد في الخالق، بداية من القرن الثالث الميلادي، إلى أن اللون الأسود كان اختيارهم الأول في الملابس منذ نشأة الرهبنة على يد القديس أنطونيوس في صحراء مصر.
وذكر كتاب (بستان الرهبان) وهو أحد المراجع الهامة التي يقرأها رهبان الأديرة بشكل دوري حتى الآن، على لسان القديس أثناسيوس الرسول، والملقب بحامي الإيمان عند الأقباط، بخصوص ملابس الراهب “ثيابك الأساسية لا تكن ثمينة للغاية، ورداؤك الخارجي ليكن (أسود اللون) ولا تضف له صبغة الألوان، واجعله يغطي الجسم والأظافر، والأكمام تغطي الأذرع إلى أصابع اليدين، وتغطي شعر الرأس المنسدل بغطاء من وبر، وتربط الشعر المنسدل برباط يغطيك إلى الأكتاف” ما يفسر شكل وطريقة لبس رهبان الأديرة المصرية.
أمّا عن تاريخ ملابس رجال الدين الأقباط عند دخول الإسلام إلى مصر، فلا تجد علاقة واضحة بين اللون الأسود لملابس رجال الدين الأقباط وبين دخول الإسلام في أي من المراجع الموثقة، لكن نجد فقط بعض الأمور المتعلقة بالزي نفسه وهيئة الكاهن وليس لون ملابسه، فذكر مثلا كتاب “تاريخ البطاركة” للقس منسى يوحنا، أن الحاكم بأمر الله، في بدايات القرن العاشر، أمر أن يشد النصارى “الزنار” في أوساطهم ويلبسوا على رؤوسهم عمائم سود، ويركبوا بركب خشب ولا يركب أحد منهم بركب حديد، وأن يحملوا صلبان طول شبر”، وهذا يوضح أن تطوّر زي رجل الدين المسيحي ارتبط بتغيّر شكله وهيئته وفق وليس بلونه.
ويغيّر الكاهن ملابسه السوداء إلى ملابس بيضاء في الكنيسة، وذلك وفق معنى روحي لدى المسيحيين، وهو أن الكنيسة مثلها مثل السماء، فتغيير لون الملابس إلى اللون الأبيض هو تشبيه لرجال الدين الذين يخدمون الآله بالملائكة وهم في خدمة الخالق جل وتعالى.