لا توجد الكهرباء في الأسلاك والخطوط فقط ولكنها توجد أيضا في الطبيعة، وفي الواقع هي تحدث في كل مكان حولنا مثل العواصف الرعدية وتستخدمها الحيوانات للدفاع عن نفسها أو حتى لقتل فريستها مثل سمك الراي اللاسع، كما أن أجسادنا نفسها تستخدمها.

ويعد البرق أحد أروع عروض الكهرباء في الطبيعة، وتحدث الإضاءة عندما تتجمع كميات كبيرة من الطاقة الكهروستاتيكية في السحب، وعندما تفرغ مناطق السحب المشحونة كهربائيا طاقتها نرى وميضا كبيرا من الكهرباء في السماء، وقد تحدث الإضاءة من السحابة إلى السحابة أو يمكن أن تحدث من السحابة إلى الأرض، وتحمل ضربات الإضاءة كميات هائلة من الطاقة، قد تزيد عن 30 ألف أمبير وتوفر 500 ميجا جول من الطاقة.

وتستخدم أجسامنا أيضا الكهرباء باستمرار، ففي كل مرة نحرك فيها عضلة، يكون ذلك نتيجة إرسال إشارة كهربائية من الدماغ إلى العضلات لتأمرها بالتحرك، ويمتلك الجسم نظاما معقدا من الأعصاب ويستخدم الإشارات الكهربائية للتحكم في كل ما نقوم به، والأمر نفسه يتم في أجسام الحيوانات والطيور.

وكما يتضح من ذلك، فإن الكهرباء لم يتم اختراعها بالمعنى المفهوم ولكن تم اكتشافها، وتكثر المفاهيم الخاطئة حول هذا الأمر، حيث ينسب البعض الفضل إلى بنجامين فرانكلين لكن في الحقيقة فإن تجاربه ساعدت فقط في إنشاء الصلة بين البرق والكهرباء لا أكثر.

بنجامين فرانكلين ينسب له اختراع الكهرباء

بنجامين فرانكلين ينسب له اختراع الكهرباء
بنجامين فرانكلين ينسب له اختراع الكهرباء

اكتشاف الكهرباء خلال زمن الإغريق

إن حقيقة اكتشاف الكهرباء تعود إلى أكثر من ألفي عام، فمنذ نحو عام 600 قبل الميلاد اكتشف الإغريق أن فرك الفراء على الكهرمان تسبب في تجاذب بين المادتين، وكان ذلك أول اكتشاف للكهرباء الثابتة. 

وبالإضافة إلى ذلك، اكتشف الباحثون وعلماء الآثار في المواقع الرومانية القديمة في ثلاثينيات القرن العشرين، بعض الأواني التي احتوت على صفائح من النحاس بداخلها ويعتقدون أنها ربما كانت بطاريات قديمة تهدف إلى إنتاج الضوء، وتم العثور على أجهزة مماثلة في الحفريات الأثرية بالقرب من بغداد ما يعني أن الحضارة العراقية القديمة ربما استخدمت أيضا شكلا مبكرا من البطاريات، ولكن بحلول القرن السابع عشر، تم إجراء العديد من الاكتشافات المتعلقة بالكهرباء، مثل اختراع مولد كهرباء والتمييز بين التيارات الإيجابية والسلبية وتصنيف المواد بين الموصلات والعوازل.

بطارية من عصور قديمة

وفي عام 1600، استخدم الطبيب الإنجليزي ويليام جيلبرت الكلمة اللاتينية “electricus” لوصف ما ينتج عن حك المواد ببعضها، وبعد بضع سنوات، كتب عالم إنجليزي آخر، توماس براون، عدة كتب واستخدم كلمة “كهرباء electricity” لوصف تحقيقاته بناءً على عمل جيلبرت.

وفي عام 1752، أجرى بن فرانكلين تجربته باستخدام طائرة ورقية ومفتاح وعاصفة، وهذا أثبت أن البرق والشرر الكهربائي الصغير كانا نفس الشيء.

واكتشف الفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولتا أن تفاعلات كيميائية معينة يمكن أن تنتج الكهرباء، وفي عام 1800 قام ببناء بطارية كهربائية مبكرة والتي أنتجت تيارا كهربائيا ثابتا، ولذا كان هو أول شخص يخلق تدفقا ثابتا للشحنة الكهربائية. 

وأنشأ فولتا أيضا أول عملية نقل للكهرباء عن طريق ربط الموصلات المشحونة الموجبة والسالبة معا.

أول مولد طاقة

في عام 1831 أصبحت الكهرباء قابلة للاستخدام في التكنولوجيا عندما ابتكر مايكل فاراداي الدينامو الكهربائي أو مولد الطاقة والذي حل مشكلة توليد التيار الكهربائي بطريقة مستمرة وعملية. 

واستخدم اختراع فاراداي مغناطيسا تم نقله داخل ملف من الأسلاك النحاسية، ما أدى إلى تكوين تيار كهربائي صغير يتدفق عبر السلك.

و فتح اختراع فاراداي هذا الباب للأمريكي توماس إديسون والعالم البريطاني جوزيف سوان اللذان اخترع كل منهما المصباح الكهربائي المتوهج في بلدانهما نحو عام 1878، وفي السابق، اخترع آخرون المصابيح الكهربائية لكن المصباح المتوهج كان أول مصباح عملي من شأنه أن يضئ لساعات متتالية.

أول مصباح في التاريخ

التيار المستمر مقابل التيار المتردد

أنشأ سوان وإديسون في وقت لاحق شركة مشتركة لتطوير ابتكارهما واستخدم إديسون ما يسمى بـ نظام التيار المستمر (DC) لتوفير الطاقة لإضاءة الشوارع بالمصابيح الكهربائية لأول مرة في نيويورك في سبتمبر 1882.

وفي وقت لاحق من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أصبح المهندس والمخترع الصربي الأمريكي والمعالج الكهربائي نيكولا تيسلا – الذي لُقب بمخترع القرن العشرين وأطلق رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك اختراعاته تيمنا باسمه – مساهة مهمة في تطوير الكهرباء إذ عمل مع إديسون وبات على العديد من التطورات الثورية في الكهرومغناطيسية، وحصل على براءات اختراع متنافسة مع ماركوني لاختراع الراديو، وعلى عمله على التيار المتردد (AC).

وفي وقت لاحق، اشترى المخترع والمصنع الأمريكي جورج وستنجهاوس وطور محرك تسلا الحاصل على براءة اختراع لتوليد التيار المتردد، وأقنع عمل وستنجهاوس وتيسلا وغيرهما المجتمع الأمريكي تدريجيا أن مستقبل الكهرباء يكمن في التيار المتردد بدلا من التيار المستمر.

ومن بين الآخرين الذين عملوا على جلب استخدام الكهرباء إلى ما هو عليه اليوم، المخترع الاسكتلندي جيمس وات، وأندريه أمبير، عالم الرياضيات الفرنسي، وأيضا عالم الرياضيات والفيزيائي الألماني جورج أوم.

وهكذا يمكن القول إنه لم يكن هناك شخصا واحدا فقط هو من اكتشف الكهرباء، فقد كان مفهوم الكهرباء معروفا منذ آلاف السنين ثم بات هناك العديد من العقول العظيمة التي عملت على تطويرها تجاريا وعلميا في نفس الوقت.