يمكن اعتبار فن الكومكس أحد الفنون الأدبية و البصرية المؤثرة بشريحة كبيرة من سكان العالم، حيث يجمع الكومكس بداخله مقومات نجاحه منذ البداية، لذلك كان طبيعياً أن يتم تحويل عدد من الروايات الشهيرة لنسخ مصورة كأعداد كومكس تعطي أبعاداً أكثر عمقاً للعمل الأدبي الأصلي، وهذا ما حدث لشخصية الكهل المنحوس رفعت إسماعيل باكورة أعمال الأديب الراحل د.أحمد خالد توفيق بسلسلة ما وراء الطبيعة، فكيف اقتحم رفعت إسماعيل عالم الكومكس؟ وهل كان ظهوراً موفقاً ؟ هذا ما قد تراه في تلك المقالة، وأكثر.
فن الكومكس
بالرغم من ظهور فن الكومكس بشكله المعتاد للمرة الأولي بعشرينات القرن العشرين، إلا أنه تظهر دلائل على وجود ذلك الفن البصري منذ قرون عديدة، ولكن من بعد منتصف القرن العشرين تطور ذلك الفن بدرجة كبيرة ليصبح أحد المجالات الإبداعية المؤثرة فنياً وأدبياً، حيث استعرضت صفحات القصص المصورة أعمالاً أدبية رفيعة المستوى واستطاعت أن تعرض للقارئ مهما كان عمره عدداً من الروايات الكلاسيكية المميزة أو أحدث الروايات التي نالت إعجاب الجميع.
وفي الألفية الجديدة، أثبت فن الكومكس جدارته في أن يصبح وسيطاً قابلاً للاستمرار عبر اكتساب المزيد من الشهرة و الانتشار في المجالات الأخرى كالتليفزيون والسينما مع تحقيق أعلى نسب المشاهدة والمبيعات.
سلسلة ما وراء الطبيعة
تعتبر سلسلة ما وراء الطبيعة أحد أهم ابتكارات د.أحمد خالد توفيق الأدبية، حيث صارت شخصية رفعت إسماعيل أحد الشخصيات الأدبية الخيالية التي تبارز الشخصيات الواقعية في مكانتها لدى القراء بسبب صفاته الواقعية التي يمكن لأي شخص أن يتوافق معها ويعتادها بسهولة، وخلال مغامرات السلسلة التي تتعرض لفكرة الرعب و الغموض يخوض القارئ عوالم من السحر والعجائب عبر مواجهات ضد كائنات خارقة للطبيعة، والتي صارت مسلسلاً تليفزيونياً في 5 نوفمبر 2020 من انتاج شبكة نتفلكس و اخراج عمرو سلامة، مع أداء الممثل أحمد أمين لشخصية رفعت إسماعيل.
واعتاد د.أحمد خالد توفيق على إظهار إعجابه الشخصي و تقديره لفن الكومكس، معتبرأ ذلك الفن سبباً هاماً في إذكاء جذوة خياله بفترة الطفولة والمراهقة التى اعتاد فيهم على قراءة القصص المصورة لشخصيات تان تان و شخصيات الأبطال الخارقين مثل باتمان وسوبرمان وسبايدرمان وغيرهم من الشخصيات ذات العباءات الملونة والأقنعة المطاطية، حيث ظهر ذلك الإعجاب خلال إحدي مقالاته بعنوان “الفن التاسع” قائلاً فيها:
“ظللت منبهرًا بفن الكوميك ستريبس، وعرفت فيما بعد أن اسمه (الفن التاسع) .. هو فن فريد يقف بالضبط حيث تلتقي عدة دوائر هي الرسم والأدب وفن السينما .. لا جدال في أن هناك جزءًا سينمائيًا مهمًا في هذا الفن، مع زوايا الكاميرا وتشكيل الكادر. في بعض قصص تان تان كان بطل القصة يصرخ أو يسمع انفجارًا فيخيل لي أنني أسمعه .. لا غرابة في أنهم يصنعون (ستوري بورد) للأفلام قبل تصويرها وهي تشبه سردًا للفيلم عن طريق الستريبس.”
لذلك كان تنفيذ سلسلة ماوراء الطبيعة بطريقة الكومكس حلماً لم يتوقف عن مراودة عقل د.أحمد خالد توفيق، إلى أن تحقق بالفعل عام 2003 بإصدار القصة المصورة بعنوان “أسطورة ميسيا” في مغامرة جديدة لرفعت إسماعيل، ثم بعام 2013 صدرت مغامرة أخرى بالقصة المصورة “أسطورة المرأة الأفعى”.
أسطورة ميسيا
صدر العدد المصور الأول من سلسلة ماوراء الطبيعة عام 2003 تحت عنوان “أسطورة ميسيا” علي شبكات الانترنت مجاناً كتجربة لصناعة ونشر الكومكس،من كتابة وسيناريو د.أحمد خالد توفيق، بينما تختلف التكهنات حول هوية رسام ذلك العدد إن كان الفنان الكويتي د.جراح علي الطبيخ أم الكاتب الكويتي سند راشد دخيل.
تدور أحداث القصة المكونة من 20 صفحة حول فكرة التماثيل المتحركة التي تدب فيها الحياة نتيجة تعويذة سحرية، حيث يقضي النحات عزت جار رفعت إسماعيل ليلته في إنهاء نحت أحد التماثيل الذي استمر في العمل عليه لفترة من الوقت، وبعد الانتهاء يخلد للنوم قليلاً فيستيقظ ليجد أن التمثال قد تغير وضع أحد ذراعيه!
يهرع عزت خائفاً إلي شقة رفعت إسماعيل ليطرق الباب صارخاً في الرابعة بعد منتصف الليل، فيستقبله رفعت بهدوء ليتحادثا بشأن ما حدث ليسترجع رفعت معلوماته الخاصة بشأن التماثيل المتحركة، ليجد أن أقرب فكرة لذلك الحدث تتمثل في اسطورة “بجماليون” الإغريقية الذي يهيم حباً بتمثال قام نحته للإلهة فينوس، فقامت فينوس ببث الحياة في ذلك التمثال علي سبيل المكافأة لتطلق عليه اسم “جالاتيا” لصعوبة زواج الإلهة فينوس من بشري مثل بجماليون.
يخرج عزت صوراً فوتوغرافية للتمثال بمراحل صنعه، ليقارنها و يكتشف اختلاف موضع ذراعه بالفعل، فيقضي عزت بقية الليلة بشقة رفعت،وبعد نصف ساعة يتناهي لسمعه صوت ارتطام بشقته، فيستيقظ هلعاً ويذهب لشقته لاستكشاف ماحدث، فيجد أن التمثال قد اختفي من علي قاعدته.
يستيقظ رفعت علي صوت صرخة عزت الخائف، ليكتشف غياب عزت و اختفاء التمثال من علي قاعدته،فيبحث بأنحاء الشقة ليجد أوراقاً تثبت أن النموذج الذي اختاره للنحت هو أحد أصنام العقيدة الودونية التي كانت تُمارس في غرب أفريقيا،وبالأخص صنم يُدعي ميسيا، ومثلما تقول الأسطورة فإن أولي أعماله كانت تتعلق بقتل النحات الذي يعرف سره، ولكن لم يدري عزت كل ماحدث لجهله باللغة الإنجليزية التي كُتبت بها تلك المعلومات.
يجد رفعت التمثال المتحرك أمامه فيحاول ضربه بإزميل النحت ولكن التمثال يكتفي بالوقوع دون التحطم، ليكمل تتبعه لرفعت بأنحاء شقة عزت، ليقرر رفعت أن ينصب فخاً للتمثال عبر ربط حبل سميك ببداية سُلم العمارة أمام باب شقة عزت، ليغريه بالخروج فيتعثر التمثال بالحبل و يتحطم متناثراً علي درجات السلم.
يعود رفعت لعزت فيوقظه بعد فقدانه للوعي إثر إصابته، فيفاجأ عزت بأن التمثال المحطم ليس التمثال المتحرك الأصلي بل هو تمثال آخر، و أن تمثال ميسيا قد هرب من الشقة دون أن يعلموا موضعه الحالي.
جاءت رسوم تلك القصة مقبولة بعض الشئ ولكنها بتفاصيل جيدة للغاية وطريقة تلوين متقنة مع استخدام لبعض المؤثرات الحركية وخطوط الكتابة المتباينة، ولكن اعتبرها القراء تجربة متوسطة المستوي لا ترقي لقصص السلسلة الأصلية،حيث كانت الأحداث سريعة في نطاق ضيق من الصفحات مع رسوم غير ثابتة الجودة فتارة تظهر الشخصيات والأحداث بطريقة جيدة وتارة أخري بطريقة رديئة جداً.
ولكن على العموم اشترك جميع القراء في اعتبارنقطة الضوء الواضحة هي وجود رفعت إسماعيل مرسوماً بقصة مصورة للمرة الأولي ولو على سبيل التجربة.
أسطورة المرأة الأفعى
في 2005، تكررت تجربة القصة المصورة لسلسلة ماوراء الطبيعة عبر إصدار قصة “أسطورة المرأة الأفعى” من كتابة د.أحمد خالد توفيق و رسوم الفنان الكويتي د.جراح علي الطبيخ، وتدور أحداث القصة عبر 48 صفحة في مغامرة بدولة اليونان، حيث يسافر رفعت إسماعيل للعاصمة أثينا ليحضر مؤتمراً لأمراض الدم هناك، ليعلم بوجود أحداث غريبة في خرائب إحدي الجزر اليونانية، كما تتداول الألسنة قصصاً عن كائن يشبه الأفعي يتجول ليلاً، إلي أن ينتهي به الطريق واقعاً في قبضة تلك المرأة الأفعي بالفعل.
وتعتمد القصة على أسطورة لاميا، تلك الشيطانة الشريرة التي تروي الأسطورة أنها كانت الملكة الفاتنة لمملكة ليبيا وبعد وقوع زيوس في غرامها قررت هيرا زوجة زيوس أن تنتقم منها فقتلت أبنائها ومسختها لوحش دميم نصف امرأة ونصف أفعى تتحول إليه ليلاً ثم تعود لهويتها البشرية صباحاً ،ومنعتها من القدرة على إغلاق عيونها أبداً حتي تظل معذبة بذكرى أبنائها إلى الأبد، فانتقمت لاميا بقتل أبناء الآخرين مما جعلها رمزاً للرعب والخطر لدي أطفال البشر،ولكن يعلم زيوس بما حدث لها فيعطيها المقدرة أن تنزع عينيها متى شاءت، كي تُرحم من رؤية أشباح أبنائها المقتولين ولا تتعذب بذكراهم. و قد اعتادت الأمهات اليونانيات أن يخوفن أطفالهن بها لمنع تمردهم وشقاوتهم، وأن يقوموا برسم النقوش والتعاويذ الخاصة بحماية أطفالهن من خطر لاميا أثناء نومهم،ولا يعرف أحد أصول تلك الأسطورة بالتحديد، حيث يربطها البعض بأسطورة ليليث الفارسية التي تمتص دماء الأطفال.
يبدو أن الرسام قد رسم القصة بشكل متقطع علي فترات مختلفة، حيث يبدو أسلوب الرسم مهتما بالتفاصيل ورسمها بإجادة تامة في الصفحات الأولي، ثم بدأت السرعة في الرسم وتجاهل التفاصيل بالصفحات التالية، ربما للإسراع في تنفيذ العدد خوفاً من ضياع الوقت، بجانب استعماله لأحد برامج التصميم ثلاثي الأبعاد بالصفحة الأخيرة مما عزز فكرة عدم وحدة الأسلوب، كما أنه هناك عدة أخطاء وقع فيها الرسام حيث ارتدى القس ملابساً كاثوليكية ببداية القصة، ثم جعله الرسام مرتدياً للملابس الأرثوذكسية فيما بعد، وفي المشهد الخاص بظهور الكنيسة رسم عليها رمز العنخ “مفتاح الحياة الفرعوني” بدلاً من الصليب المعتاد.