يعتبر كتاب صحة العلاقات تأليف الدكتور أوسم وصفي واحدًا من أهم الكتاب الفارقة في مسارات التعافي الذاتي والتطوير النفسي، التي حظت بشهادات الكثير من القرّاء حول كيفية تغيير هذا الكتاب لنظرتهم إلى الحياة والعلاقات، وإسهامه في الحفاظ على كثير من الأسر والزيجات. حظيَ الكتاب أيضًا بثناء الكثيرين من الأطباء النفسيين والمعالجين وأساتذة المشورة والإرشاد النفسي.
مؤلف الكتاب الدكتور أوسم وصفي، طبيب بشري، وحاصل على ماجستير في الأمراض النفسية والعصبية، ومؤسس مجموعة واسعة من برامج العلاج النفسي والتوعية والتعافي. فيما يلي نتناول عرضًا للجزء الأول من كتاب (صحة العلاقات: تحدّي الشفاء والنضوج في مجتمع حقيقي).
القسم الأول: مبادئ أساسية
يؤسس المؤلف أوسم وصفي في القسم الأول من كتابه صحة العلاقات، الأرضية والمنظور الذي سيتناول العلاقات على أساسها.
الفصل الأول (العلاقات: طبيعتنا ودعوتنا)
يؤتكز هذا الفصل على فكرتين أساسيتين:
- أن “طبيعتنا” الإنسانية هي أن ننشئ علاقات وننخرط فيها، وأنّ لدينا الوعي القادر على اختزان العلاقات والتأثر بها؛ وبالتالي فالعلاقة بالآخر مكوّن أساسي في التكوين النفسي للإنسان.
- أنّ المؤلف سيعتمد رؤية “مدرسة العلاقات” في علم النفس، للشخصية الإنسانية، من حيث (التكوين، والدوافع، والصحة والعلاج، والسّواء النفسي). وهي المفاهيم التي وضّحها كالتالي:
- تكوين الشخصية: ينشأ نتيجة التفاعلات المبكرة مع الأشخاص المهمين في حياة الإنسان (الأسرة كمثال).
- دوافع الشخصية: دوافع “علاقاتية” تنزع إلى الحميمية وإشباع الاحتياجات النفسية الأساسية، مثل الثقة والأمان والتشجيع والاهتمام. وهذا بخلاف المدرسة التحليلية لفرويد التي تعتبر الدوافع بيولوجية في المقام الأول.
- صحّة الشخصية وعلاجها: لا يتم علاج تشوّهات الشخصية إلا بالحصول على المزيد من الوعي بالعلاقات السابقة والحالية، وإدراك هذه التشوّهات الحاصلة، ثم معالجتها من خلال علاقات جيدة أكثر صحّة.
- السوّاء النفسي للشخصية: الشخصية الأكثر استقرارًا، هي تلك التي تنفتح وتقبل مساهمات الآخرين دون خوف معوِّق من الابتلاع وضياع الهوية.
الفصل الثاني (القبول غير المشروط: أبجدية الحبّ والعلاقة)
يؤسّس المؤلف ببساطة أنّ ألف باء “علاقة سليمة”، وألف باء “حُب حقيقي دائم”: هو القبول غير المشروط. القبول غير المشروط هو القدرة على تقبّل الآخر (كطرف في علاقة، ابتداءً من العلاقات البسيطة وصولاً إلى علاقة الحُب)، حتى وإن لم يفعل هذا الآخر شيئًا يبرّر هذا القبول، وحتى لو بدر منه ما يبرّر عدم القبول (مثل الضعف الشخصي أو العيب الأخلاقي).
بطبيعة الحال، فإن كلّ إنسان لديه حاجة للقبول من الآخرين والشعور بالقيمة لديهم. يوضّح المؤلف أنّ “القبول غير المشروط” من مقوّمات الفِطرة الإنسانية أساسًا؛ وهو الأمر الذي بتنا نقاومه ونعتبره إهانة، ونكابر في عدم اعترافنا باحتياجنا إليه، بل وأدمنّا عكسه الذي هو “القبول المشروط”، وصِرنا نبني شعورنا الزائف باستحقاق القبول على أساس وجود شروط له.
أزمة “القبول المشروط” – سواء كانت شروطه مادية وواضحة أو معنوية وخفية- أنه يتواجد معه عادةً إحساسٌ دفينٌ بعدم الأمان وبالتهديد المستمر لقيمة الشخص لدى الآخرين. ومن هنا يتضح سبب كونه صعبًا ومربكًا بالنسبة لنا. وفي المقابل، فإن “القبول غير المشروط” في أي علاقة، هو ما يعطي الأمان الحقيقي ويضفي القيمة الحقيقية، وأهميته للحب: أنّ الحب الوحيد الذي يبقى دائمًا هو الحبّ غير المشروط.
فماذا إذن عن رغبتنا في تغيير ونضج الآخرين وشفائهم، والتي هي بالمناسبة مدفوعة بحب حقيقي؟ هل نتقبّلهم ونتركهم أم نحاول تغييرهم وإصلاحهم؟ يبني المؤلف هنا رؤيةً تقول إن وجود مجتمع حقيقي آمِن مبنيّ على القبول غير المشروط، من شأنه أن يُحدِث تغييرًا تلقائيًا يُعيدُ الإنسان إلى فطرته عبر الشفاء الداخلي غير المهدّد بمهدّدات القبول المشروط.
في السياق ذاته، يبرز سؤال: كيف نمارس ونتدرّب على – ونختبر حيويتنا في- القبول غير المشروط؟ يقدّم المؤلف عندنا خمسة اقتراحات أو فرص:
- رؤية ما وراء سلوك الآخرين (احتياجاتهم، دوافعهم، صراعاتهم الكامنة، مخاوفهم، جوعهم لإشباع معين، استمدادهم للشعور بالأمان، ما يحاولون الوصول إليه؟ ما يريدون إثباته؟)
- اختبار الغفران (حجمه ومدى قدرتك عليه) باعتباره أقوى دليل على القبول غير المشروط عندما يخطئ الآخر.
- في التعامل مع سقطات الآخرين ونكساتهم، في فشلهم وإحباطهم.
- في التدريب على قبول المختلفين عنا في السلوك الاجتماعي.
- في رصد وملاحظة احتياج الشخص الوافد على مجتمع جديد، للقبول غير المشروط.
الفصل الثالث (التواصل: مخاطرة الخروج للآخر)
لا زلنا داخل قسم المبادئ التي يؤسس عليها المؤلف أرضيته ضمن رؤية مدرسة العلاقات. ما علاقة التواصل بالعلاقات؟ الإجابة ببساطة: أنه لا توجد علاقة بدون تواصل. عندما لا نتواصل تواصلاً حقيقيًا نتكلم ونصغي فيه، وننقل للآخرين حقيقتنا ونتعرّف على حقيقتهم، فإننا نفقد العلاقة الحميمية ببعضنا البعض.
التواصل في العلاقات الإنسانية، ليس مجرّد “نقل رسالة”، وإنما له دور أعمق من ذلك: “معرفة الإنسان” والرؤية العميقة له ومشاركته الإحساس والوجدان والصراع الإنساني.
ما دام التواصل جوهريًا في العلاقات إلى هذه الدرجة، فلم لا تنجح الأمور معنا دائمًا؟ الإجابة ببساطة: لأنه بالتأكيد توجد مشكلة. يُرجع المؤلف هذه المشكلة إلى أمرٍ من ثلاثة: إما مشكلة في (دافع) التواصل، أو مشكلة في (مهارات) التواصل، أو مشكلة نابعة من (تأثير خبرة العلاقات السابقة) على التواصل الحالي. فيما يلي توضيح هذه المشاكل:
أولاً: المشاكل المتعلقة بـ(دافع) التواصل: هذا الدافع يكون واحدًا من اثنين:
- الرغبة في (التعرّف) على الآخر كما هو. وهذا ينطوي على درجة من “المخاطرة”؛ لأنك بالمقابل تكون في وضعيةٍ حيث مناعتك المعرفية والفكرية قابلة للتغيّر، وهذه هي المخاطرة المقصودة في عنوان الفصل؛ على اعتبار إن الموضوع يتمّ كالتالي: خروج من الذات إلى الآخر وبذل المجهود لمعرفته، إضافة إلى الاستعداد لقبول الآخر كما هو، والاستعداد لاستكشاف النفس وعيوبها من خلال هذه العلاقة، وفوق كل ذلك الاستعداد لتقبّل الرفض من الآخر أيًا كان الألم النفسي المترتّب. وفي حال إذا لم تكن مستعدًا لأيٍ من هذا: تحدث مشاكل في التواصل.
- الدافع التاني (الحماية). حماية أنفسنا من الآخر، وتحصيل أمور محدّدة منه مادية أو معنوية. المنبع الأساسي لهذا الدافع هو عدم الأمان، بالتالي يُترجم إلى سلوكيات غالبًا ما تسبّب مشاكل في التواصل، وتدهس أي فرصة لعمل علاقة حقيقية صحيّة.
ثانيًا: المشاكل المتعلّقة بـ(مهارات) التواصل. التواصل الجيّد هو الذي يتوافر فيه: (1) الرسالة واضحة. (2) كفاءة الاستقبال عالية. (3) التشويش عليه في أقل درجاته. اختلال أي عنصر من التلاتة، أو أكثر، يؤدّي إلى مشاكل في التواصل. وضرب المؤلف مثالاً تطبيقيًا تفصيليًا مطوّلاً نسبيًا في (التواصل الزوجي)، وضفّره – باحترافية رفيعة- بكثير من الملحوظات والتحليلات والتوجيهات.
ثالثًا: المشاكل النابعة من (تأثير خبرة العلاقات السابقة) على التواصل الحالي. وذلك أننا غالبًا، و”بدون وعي” منا، نمارس إسقاط العلاقات السابقة (التي نختزن ونراكم داخلنا صورها وتمثيلاتها المتراكمة) على العلاقة الحالية، وخصوصًا إذا كانت هذه العلاقات – القديمة والحالية- تشبه بعضها بعضًا أو تأتي في نفس السياقات. بالطبع، هذا كفيل بخلق مشاكل في التواصل داخل العلاقة؛ ما لَم نكن “واعين” تجاه ميولنا لإسقاط العلاقات القديمة على الجديدة ومحايدين بشأنها.
الفصل الرابع (الدخول إلى وجدان الآخر: الذكاء الوجداني)
بعد أن تناول الفصل الثالث نصف المشوار المتمثل في (الخروج من النفس إلى الآخر)، يتناول هذا الفصل الرابع النصف الثاني من المشوار (الدخول إلى وجدان الآخر)، والذي يتطلّب نوعًا محدّدًا من المهارة ومن الذكاء؛ الذكاء الوجداني تحديدًا. الذكاء الوجداني يعني القدرة على التعامل مع المشاعر بـ”ذكاء” و”فاعلية”. وقد حدّده العلماء في خمس قدرات ومهارات:
- القدرة على رصد المشاعر الشخصية الذاتية أثناء الشعور بها، والتعبير عنها.
- القدرة على التحكم في المشاعر.
- القدرة على تحفيز الذات، من خلال القدرة على تأجيل اللذة والراحة، والتفكير الإيجابي.
- القدرة على رصد مشاعر الآخرين والتفاعل معها.
- المهارات الاجتماعية، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ”الذكاء الاجتماعي”.
ويبرز السؤال: هل من الممكن أن نستثمر هذا الأمر ونؤسسه في أطفالنا الصغار؟ الإجابة: بالتأكيد، ويتم هذا عبر التربية الوجدانية. تتمّ التربية الوجدانية عبر احترام مشاعر الصغار وعدم كبتها، مع تدريبهم على استخدام طرق وكلمات سليمة للتعبير عن مشاعرهم دون إساءة للآخرين.