بروايته الاستثنائية التي حملت عنوان ” البوسطجي ” يطالعنا يحيى حقي الروائي المصري العظيم من جديد بمواجهة مجتمعية شديدة التناقض، حين يشعر البوسطجي الشاب المتعلم الذي تم تعيينه بإحدى القرى النائية بالملل، فيقرر أن يفض رسائل هؤلاء التعساء.
رواية البوسطجي للروائي الكبير يحيى حقي تم انتاجها بالعصر الذهبي للسينما المصرية بفيلم يحمل نفس عنوان الرواية ” البوسطجي ” وكان من بطولة فتى الشاشة الذهبي شكري سرحان، الذي قام بتجسيد روايته العمدة ” قنديل أم هاشم ” بفيلم حمل نفس العنوان.
البوسطجي
يقرر البوسطجي الشاب المتعلم الذي تم القاءه بقرية بعيدة في وظيفة بسيطة أن يكسر حدة الملل في تلك القرية بقراءة ما يكتبه أهالي تلك القرية التعساء، متسائلا عما يمكن أن يكون فحوى رسائل هؤلاء الجهلة البسطاء؟ وهل يوجد ما يمكن أن يتراسلوا بشأنه من الأساس؟
تطالعه في البداية رسائل عادية للغاية من قبيل الاطمئنان والسلامات، ثم تفاجأه رسالة من فتاة بالقرية إلى شاب كانت قد استسلمت له بدافع من الحب، يقرر البوسطجي متابعة تلك الرسائل بدافع من الفضول ضاربا عرض الحائط بكل معاني الخصوصية.
وعند أحد أهم الرسالات بين الشاب والفتاة يقع على ورقها قدر من الشاي، وبسبب تلك الرسالة تحديدا وضياعها تواجه الفتاة مصير قاتل، يدفع البوسطجي لحرق كل الرسائل وترك وظيفته البائسة، بل وترك ذلك البلد الممل المجنون المتناقض.
يحيي حقي
يركز الأديب المصري العظيم بروايته البوسطجي على أمرين مهمين، ما هي مساحة الخصوصية التي يمكنك الحصول عليها بحياتك؟ وهل يمكن لفضول الآخرين غير المبرر أن يعصف بحياتك؟ وهل يمكن أن تتغير الأقدار بفضل تدخلاتنا الغبية البائسة؟
كما يحرص أيضا أديبنا العظيم على عرض التناقض الصارخ بين مفهوم الشرف ومفهوم الدفاع عنه، حين تزور البوسطجي الشاب راقصة من الغجر، فيطالب رجال القرية بخروجها من منزله مرددين بينهم عبارة صادمة للغاية ” تلاقيه بيملس على المرمر دلوقت “.
مفاهيم الخصوصية والشرف أحد أعقد مفاهيمنا في الشرق، وبين التناقض الشديد والفضول الأشد يطرحهما الأديب الكبير يحيى حقي بروايته التي حملت عنوان بسيط وعميق للغاية ” البوسجي ” أو حامل أسرار الجميع.