وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، ليست لفظ قرآني جليل فحسب، بل حقيقة مطلقة، تؤيدها فرضية علمية تشير إلى أن الإنسان يستخدم 10% فقط من قدراته، كل ذلك العلم عبر التاريخ البشري هو نتاج 10% فقط من قدرات الإنسان المزهو للغاية بتلك العشرة بالمائة.
وعلم آدم الأسماء كلها
بفيلم الخيال العلمي، الفرنسي الأمريكي، المنتج بالعام 2014، والذي حمل عنوان لوسي، يداعب المخرج الفرنسي لوك بيسون خيالنا بقسوة، فيفترض أن هناك إنسان بإمكانه أن يعلم كل شيء، وهو بالحقيقة إفتراض تمت صياغته قبل بيسون بقرون، حين قال الله – ولم يفترض – وعلم آدم الأسماء كلها.
يتناول فيلم لوسي فرضية استخدام الإنسان لكامل طاقته، لكل المعرفة التي يمكلها عبر مخزونه من المعرفة المكدسة بحكمة متناهية في شفرته الوراثية، لقد وهبنا الله المعرفة كاملة، وسخر لنا الحياة لكي نمررها، ونحن حتى الآن لم نستخدم سوى عشرة بالمائة من تلك المعرفة.
أمي، أنا يمكنني تذكر مذاق الحليب بفمي
لوسي فتاة تعيش حياة فوضوية للغاية، تتعرض لعملية تضليل تدخل على إثرها ضمن عملية تهريب مخدر جديد بالسوق الأوروبي، هذا المخدر تنتجه أجساد النساء الحوامل بشكل طبيعي في الشهر السادس من أجل بناء عظام قوية للمواليد، ولم يمكن للإنسان صناعته معمليا.
يتسلل المخدر المخلق معمليا بجسد لوسي، حيث يتم تهريبه برحمها، فتكتسب لوسي شخصية جديدة مختلفة بالكلية عن شخصيتها، فتصبح أكثر ثباتا ومعرفة، بعد أن كانت فتاة ضعيفة ضائعة بقبضة رجال عصابات عتاه، وتهرب من قبضتهم لتنتقم منهم، وتنقذ الباقي من حياتها.
سكارليت جوهانسن
بالحقيقة لا يمكن فهم كيف لم تحصد نجمة ذهبية بحجم موهبة سكارليت جوهانسن على جائزة الأكاديمية عن أفضل ممثلة حتى الآن، سكارليت هي من تجسد شخصية لوسي، بالجزء الأول هي فتاة عادية هشة تافهة، وبعد التحول هي شخصية حاسمة حازمة مخيفة.
تستوعب لوسي كل اللغات الحية تقريبا، وتتوجه إلى المستشفى الصيني بعد خلاصها من قبضة العصابات لكي تستخرج المخدر من رحمها، وعبر حديث هاتفي بينها وبين أمها تخبرها أنها تتذكر كل شيء، حتى مذاق الحليب بفمها وهي لازالت رضيعة.
نحن لازلنا قرود ذكية
تتصل لوسي بأستاذ جامعي يجسده العظيم مورجان فريمان، وتخبره أنها قرأت كل أبحاثه عن تطور الجين وتسأله: ماذا يمكنني أن أفعل بكل تلك المعرفة؟ فيرد الأستاذ الجامعي بكلمة واحدة: مرريها. تقرر لوسي أن تفعل ذلك على يديه بمختبره في الجامعة.
تمر لوسي عبر تجربة حية وهي تمرر المعرفة التي تملكها، فتتصل بالزمن، وترى وتلمس وتشاهد كل شيء حدث، وكيف حدث، في مشاهد سريعة متعاقبة حميمة وجميلة، نراها فيها تقابل ” لوسي ” أول أنثى من القردة العليا تنتصب على قدمين.
ما الذي لا نملك أكثر منه، ولا نملكه؟
تنتهي حياة لوسي بالنهاية سريعا جدا، بعد أن تنقل المخدر بالكامل لجسدها، وتتحول لتجربة علمية خالصة، تضحي فيها بجسدها الذي لا بد أنه فاني لا محالة، من أجل تمرير كل تلك المعرفة إلى المجمع العلمي بالجامعة، عبر حاملة معلومات رقمية تسلمها إلى الأستاذ الجامعي.
تضيف لوسي بنهاية الفيلم الذي لم يخلو من مشاهد حركة عظيمة معلومة أخيرة للمشاهد، لقد عرفت الآن ماهية الحياة، وأدركت قيمة الوقت، وعلمت جيدا أنه لا يمكن تعويضه، كما لا يمكن تعويض الحياة، فماذا فاعل أنت الآن بحياتك، وكيف ستستفيد من الوقت؟
العقيدة و العلم
على ما قد يبدو من تناقض بين الدين و العلم، إلا أنهما بالحقيقة يكملان بعضهما البعض، فالعلم رغم صراخه الدائم بقدم الدين وعدم أهليته، يستند بفرضياته على آيات مثبتة بالكتاب الكريم، كمثل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، وعلم آدم الأسماء كلها، وغيرها.
فيلم لوسي فيلم خيال علمي وحركة جيد للغاية، بإمكانه أن يبهرك بحركات و فرضيات علمية لم يتم إثاتها بعد، ويصارع العلم بكشفها يوما بعد يوم، بحين أن قدر قليل من الإيمان، يمكنه أن يبهرك بالحقيقة أكثر من الخيال.