في عام 1975م، وبعدما نشر الروائي الأمريكي “إي إل دكتورو” روايته “راكتايم”، تلقّاه النقاد باحتفاءٍ كبير، لدرجة أنه انتشرت جملة “الآن صار لتوصيف الرواية الأمريكية العظيمة ما يسوّغه”. ولاحقًا أدرجت مؤسسة نيو ليبراري الرواية ذاتها ضمن أفضل 100 رواية على مرّ العصور.
فمن هو إي إل دوكتورو؟ وما أهم ما نحتاج لمعرفته عن روايته “راكتايم”؟
من هو إي. إل. دوكتورو؟
الروائي الأمريكي القدير إدجار لورانس دوكتورو، يصفه جورج ساندرز بأنه “أحد أسياد السّرد حقًا”، ويعدّ من رواد كتابة الخيال التاريخي بشكل عام، وفي أمريكا بشكل خاص، أصدر 12 رواية طويلة، و3 مجموعات قصصية، كتب مسرحية واحدة، والعديد من المقالات المتنوعة.
كان دوكتورو متمردًا على القوالب الأسلوبية الجامدة، ولم يكرّر نفسه أبدًا في أي عمل، وربما استعار تقنيات من الموسيقى أو من فنون الأداء المختلفة ما يبني على مثاله كتابته وأسلوبه السردي. وتميّزت حبكاته التي تبدو تقليدية لأول وهلة، بالمباغتة وبزخم شخصياتها المتلونة بعمقٍ لافت، وبإسقاطات لانهائية على أشخاص وأحداث ومراحل من التاريخ.
مراجعة رواية راكتايم
نُشِرت رواية (راكتايم) عام 1975م، وصدرت أول ترجمة عربية لها في 2018م، بترجمة علي المجنوني، وهي ترجمة متعوب عليها، اجتهدت في نقل روح النصّ الأصليّ، بسخريتِه وإيحاءاته، قدرَ الإمكان.
الراكتايم هو أحد فنون العزف الموسيقي شبه المنقرضة، وسيلاحظ القارئ أن دوكتورو التزم في أسلوبه السردي ببعض خصائص الراكتايم.
في هذا الفيديو القصير تعريف موجزٌ للراكتايم:
من أبرز ملامح السرد التي كرّسها دوكتورو في هذه الرواية:
– أنه ضمّنها مجموعة من الشخصيات التاريخية الشهيرة واستحضرها داخل الرواية، على رأس هذ الشخصيات (سيجموند فرويد عالم النفس المعروف، وهاري هوديني فنان الافتكاك الشهير)، وجعلها دوكتورو تؤثّر وتتأثّر بالأحداث، وتكشِف لنا جوهر عالَم الرواية ودقائق شخصياتها ومعاناتهم.
– وظّف دوكتورو تقنية الاستطراد المدروس؛ حيث يتّخذ الحكاية العاديّة تُكأةً للتوسّع في شأن أمرٍ يوظّفه أو يجبره على التزامن مع الحدَث، كواقعةٍ شهيرةٍ أو شخصيةٍ مؤثّرة أو ظاهرةٍ ما (اجتماعية/ سياسية/ احتفالية/ وهكذا).
– كما اعتنى بتوظيف التزامن بشكل متكرّر (في ذلك الوقت كان… / صادفت هذه الفترة…) وهكذا. وهنا يبدو دوكتورو دائمًا وكأنه يسلّمك طرف خيط، لتكتشفَ أنه مشدودٌ إلى منطادٍ هائل، وكلّما تقدّمتَ اكتشفتَ أن فضاء الرواية تغطّيه شبكة مترابطة من هذه المناطيد.
– استخدامه الرمزية الحارقة بأسلوبه المميّز؛ كمثال: المواد المنقولة بالسفينة ويجري إنزالها في المرسى (ص31)، كأنها رمزيّةٌ لمركزية الحلم الأمريكي القائم على استلاب إمكانات واقع العالَم من حوله؛ فقط كي يستمر هذا الحلم في الحفاظ على بريقه وحيويته وإغرائه. الأمر ذاته أعاد التأكيد عليه من خلال وجهة نظر فرويد (ص52). ويذكّرنا هذا بمقولةٍ للجغرافي الرائد جمال حمدان، وهي مقولةٌ أصيلةٌ قدّم فيها نقدًا جغرافيًا اجتماعيًا عمرانيًا لمركزية مدينة القاهرة، نصّ فيها على أنّ كلّ كوبري جديد في القاهرة، كل رصيف جديد، بل كل حجرٍ إسمنتي، هو كوبري مسروق من مدينةٍ ما، ورصيف مُستلَب من مدينةٍ أخرى، وحجر إسمنتيّ مُنتزَع من مدينةٍ أخرى.
– كما وظّف دوكتورو أسلوب الاستبطان؛ حيث تقدّم الرواية الوجهَ الآخر من الحلم الأمريكي (باعتباره كابوسًا)، الضفّة الأخرى من جنّته (باعتباره جحيمًا)، الطبقات المردومة من سرديّته (باعتبارها تلفيقًا مدروسًا).. وكلها مرتكزة على الفترة الانتقالية من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين، التي واكبت انطلاق الثورة الصناعية الثانية وحتى الحرب العالمية الأولى.