كيف ينتج العنكبوت الحرير وسرّ لزوجته وقوته الفولاذية؟ ولماذا لا يستخدمه الإنسان تجاريًا؟

يستطيع العنكبوت إنتاج حرير بدقة مذهلة، وشديدة التحمل حيرت العلماء المتخصصين في مجال الحشرات لقرون. ونظرًا لحجم العنكبوت الصغير فحريرها ظلّ على مستوى التاريخ هدية تُهدى للملوك والملكات.

خيوط العنكبوت مصيدة شديدة البراعة

تنسج العناكب شبكاتها الحريرية لإيقاع فرائسها بسهولة، فهي أقوى من الفولاذ ولكنها أرقّ من شعر الإنسان. البروتين هو المادة الرئيسية لشبكة العنكبوت الحريرية، وتتميز بالمرونة الشديدة، ومقاومة الماء العادي، وبذلك يختلف حرير العنكبوت عن الحرير الذي تنتجه دودة القزّ. ومع ذلك يتطلب إنتاج شبكة فردية حريرية عنكبوتية نحو 27000 عنكبوت، وهذا يساوي في الوزن نحو رطل واحد فقط.

ومن عجائب الله في مخلوقاته أن العناكب تأكل حريرها حينما لا يعودون بحاجة إليه، وذلك بسبب المحتوى المرتفع من البروتين، فتعتبر وجبة خفيفة في حميتها الغذائية.

كيف ينتج العنكبوت الحرير؟

ينتج العنكبوت الحرير باستخدام مجموعة من الغدد المسؤولة عن إفراز مادة البروتين الحريري، وهي موجودة في الجزء السفلي من بطن العنكبوت. وتمتلك العناكب العادية 7 غدد حريرية، ينتج كل منها نوعًا مختلفًا من الحرير. وعلى الرغم أن الغدد التي يمتلكها العنكبوت تعتمد اعتمادًا كليًا على جنسه، ونوعه الذي ينتمي إليه، إلا أن السائل الذي تفرزه الغدد الحريرية عبر الأنابيب المجهرية إلى مغازل العنكبوت (الغدد التي في بطنه)، تخرج عبر نتوءات مجهرية شبيهة بالشعر وتسمى الحنفيات، ليكون المنتج النهائي خيط حريري صلب كالفولاذ، وهذا السبب الرئيسي لـ لزوجتها.

لماذا ينسج العنكبوت الحرير؟

ينسج العنكبوت الحرير لعدة استخدامات أهمها أنه بيت له، وكذلك هو يعتبر الأكياس التي تحفظ فيها الأنثى البيض الخاص بها. كما يستخدم كمصيدة لإيقاع الفريسة فيها، وهناك نوع آخر من الحرير ينتجه العنكبوت الذكر ليترك فيه حيواناته المنوية، وبهذا يقول العلماء أن الحرير الخاص بالعنكبوت يختلف نوعه باختلاف الهدف منه، إلا أن الحرير الذي يربط العنكبوت نفسه بشبكته هو أقوى أنواع الحرير لأنه يحمل العنكبوت مهما كان وزنه.

لماذا لا يستخدم الإنسان حرير العنكبوت تجاريًا؟

الإجابة على هذا السؤال بسيطة للغاية فلا يمكن للبشر استغلال حرير العنكبوت بصورة تجارية لأن الكميات التي تنتجها العناكب صغيرة جدًا، بالإضافة إلى أن أغلب العناكب تأكل شبكتها الحريرية في نهاية الأمر ما يجعل التجارة فيه أمر غير عملي. ومع ذلك، هناك كميات صغيرة من حرير العنكبوت يتم استخدامه في خيوط الصيد، وكذلك يتم استخدام جزء منه في الأدوات البصرية، بل في صناعة أوتار الكمان. ويحرص العلماء المتخصصون على إنتاج مواد اصطناعية تحاكي خصائص حرير العنكبوت لكنهم لم يتمكنوا بعد من ذلك لأنهم لا يزالوا غير مدركين بصورة كاملة العملية البيولوجية الدقيقة التي ينتج العنكبوت من خلالها حريره.

ما هي المنسوجات الحريرية التي تم إنتاجها من حرير العنكبوت؟

المنسوجات الحريرية من حرير العنكبوت نادرة جدًا، لدرجة تصل إلى أنها أسطورية فعليًا. ففي عام 1709 أنتج الفرنسي فرانسوا كزافييه بون دي سانت هيلير، قفازات وجوارب من حرير العنكبوت. ويقال في الأساطير الفرنسية أنه تم إنتاج بدلة كاملة للملك لويس الرابع عشر. وفي اوائل القرن التاسع عشر عرض على نابليون، وزوجته جوزفين جوارب، ووشاح من صنع الصانع رايموندو دي تيرماير، وهو صانع إسباني كان يعمل في إيطاليًا.

وفي عام 2009 لفتت الأنظار عباءة ذهبية مصنوعة من القماش المطرز منسوجة يدويًا من الحرير لـ 1.2 مليون أنثى عنكبوت دائرية ذهبية في مدغشقر، وشاهدها عدد قياسي من الزوار في متحف التاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك الأمريكية، وتم استخراج الحرير من عناكب أورب الذهبية orb spiders بسبب خيوطها الذهبية الحريرية، ولم تصاب بأي أذى لاستخدام مجموعة من الآلات المناسبة لذلك.