الصوم في المسيحية هو أن تمتنع عن الأكل والشرب لفترة معينة من الوقت، وكذلك الامتناع عن بعض أصناف الأكل الشهي حتى بعد قضاء فترة دون أكل أو شرب، ويقدّس المسيحيون الصوم، ويضعونه في مرتبة مساوية للصلاة، نتيجة اقتران الاثنين ببعضهما في حياة السيد المسيح، أو حين أوصى تلاميذه، ويمتلئ الكتاب المقدس الذي يؤمن به المسيحيون بعهديه القديم والجديد بأمثلة لأشخاص قرروا أن يصوموا عبادة لله.
ويصوم المسيحيون فترات طويلة على مدار السنة، فبجانب صيام الميلاد (43 يومًا)، وصيام القيامة (55 يومًا)، يوجد عدد من الأصوام المعروفة على مدار السنة، كما يصوم المسيحي الأرثوذكسي يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، وبذلك تكون فترات الصيام إذا تم حسابها مجتمعة تقترب من تلتي السنة.
معنى الصوم عند المسيحيين
دعا السيّد المسيح أتباعه إلى الصوم، مع الصلاة، في مواضع كثيرة، يذكرها الكتاب المقدّس، ولكن لم يحدد المسيح أوقاتًا معينة للصوم، بل كانت دعوة عامة، لذلك حددت الكنيسة (أي جماعة المؤمنين) بعد ذلك مواعيد للصوم بحسب نظامها، ويصوم المسيحي لرغبته في الامتثال والخضوع لوصايا السيد المسيح والاقتداء به، ويعتبر من الأشياء المميزة للمسيحي المؤمن، كذلك يعبّر عن انتساب هذا الشخص للكنيسة، الذي هو أحد أفرادها، كما يلجأ كثيرون من المسيحيين إلى الصوم في الأوقات الصعبة، واللحظات التي يحتاجون فيها إلى إرشاد من الله في أمر ما.
كما يعتبر الصيام في المسيحية أمرًا شخصيًا، لا يجب أن يعرفه الناس، ولا داع للتظاهر أو الافتخار به، فهو من الأمور المحبب أن تحدث في الخفاء حسب الإيمان المسيحي، كما يجب أن تتبعه أعمال رحمة، وأفعال أخرى تتسق معه، لذلك تقترن كلمة الصوم بالصلاة في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس.
كيف يصوم المسيحيون
توجد طريقتان للصيام عند المسيحيين، الأولى يصوم المسيحي فيها بشكل انقطاعي بالامتناع عن الطعام والشراب من منتصف الليل وحتى ظهر اليوم التالي على أقل تقدير، وأحيانا حتى الساعة 3 عصرا، أو 5 مساء، حسب مقدرة الشخص ذاته، ثم يبدأ بعد ذلك بأكل البقوليات والخضروات والفواكه، ولكنه يمتنع عن اللحوم والألبان وأي أكل دسم.
أما النوع الثاني من الصيام، فلا يمتنع فيه الشخص عن الأكل أو الشرب مدة من الزمن، لكنه لا يأكل لحومًا، أو مشتقات لحوم، وكذلك لا يأكل الألبان أو أي من مشتقاتها، مع التقشف في المأكل عمومًا، كمعنى روحي يتسق مع فكرة النسك، والتخلي عن الماديات.
درجات الصيام عند المسيحيين
تختلف الأصوام بشكل طفيف بين الكنائس الشرقية والغربية، حول توقيتها، وطريقتها، ولكنها تتفق في مدلولها، وهذا المدلول يتمحور حول ترويض الجسد وسمو الروحيات على المادة، وقسمت الكنيسة الشرقية الصيام عند المسيحيين إلى 3 درجات.
صوم الدرجة الأولى
هذا الصوم يكون انقطاعيًا، ولا يؤكل فيه السمك:
- ليلة عيد الميلاد: ليلة 7 يناير من كل عام عند الشرقيين، ودلالته الاستعداد لاستقبال حدث ميلاد السيد المسيح.
- ليلة عيد الغطاس: ليلة 19 يناير من كل عام، ويرتبط ببدأ دعوة السيد المسيح في المجتمع اليهودي.
- صيام أهل نينوى: يسبق الصيام الكبير بأسبوعين ويرتبط بفكرة توبة أهل مدينة نينوى التي بشرها يونان النبي، أحد أنبياء العهد القديم.
- الصوم الكبير: هو أطول أصوام الكنيسة القبطية، ويأتي 55 يومًا استعدادًا لأحداث آلام السيد المسيح في أورشليم، ويعرف آخر أسبوع من هذا الصيام بأسبوع الآلام، ويعتبره المسيحيون أقدس أيام العام.
صوم الدرجة الثانية
متاح أكل الأسماك في هذه الأصوام، بهدف عدم التثقيل على الإنسان نتيجة كثرة أيام الصوم واحتياج الجسم لبروتين حيواني ولو على فترات.
- صوم الميلاد: هو الفترة التي تسبق تذكار ميلاد السيد المسيح والذي تحتفل به الكنيسة الشرقية في يوم 7 يناير من كل عام، أما الكنيسة الغربية فتحتفل به في يوم 25 ديسمبر من كل عام، وفترة هذا الصوم 43 يومًا، وتأتي استعدادًا لاستقبال ميلاد السيد المسيح.
- صوم الرسل: يأتي بعد عيد القيامة بـ 50 يومًا، ويعبّر من اسمه عن الرسل الذين يحملون بشارة المسيح إلى العالم، فيرتبط مفهومه أكثر بفكرة الكرازة والدعوة، ومدة هذا الصوم لا تقل عن 15 يومًا.
صوم الدرجة الثالثة
صوم السيدة العذراء، وتصومه الكنيسة تكريمًا للسيدة العذراء مريم، والدة المسيح، ويبدأ في 7 أغسطس من كل عام، ويستمر 15 يومًا، ويؤكل فيه السمك، ما عدا الأربعاء والجمعة، وهو من أكثر الأصوام المحببة لدى المسيحيين.
أكل السمك خلال فترة الصوم
للسمك في الثقافة المسيحية دلالة ومعنى، فهو المخلوق الذي لم يغرق نتيجة الطوفان، وقت وجود نوح نبي الله، كذلك جاءت سيرته في أكثر من معجزة جرت على يد السيد المسيح، وذكر الكتاب المقدس عن المسيح أكله للسمك ولم يذكر أكله لأي نوع آخر من اللحوم، كما أن لحم الأسماك من اللحوم الخفيفة التي تتسق مع فكرة الصوم، عكس باقي أنواع اللحوم التي تكون أكثر صعوبة في الهضم، لذلك تخفف الكنيسة على المسيحيين بالسماح لهم بأكل السمك في أصوام الدرجة الثانية والثالثة.
الممنوعات في صيام المسيحيين
الصوم في المسيحية هو ممارسة روحية تتضمن الامتناع عن الطعام أو الشراب أو أنواع معينة من الطعام لفترة زمنية محددة من أجل التركيز على الصلاة والتفكير الروحي. على الرغم من عدم وجود محظورات محددة على الصوم المسيحي ، إلا أن هناك بعض الإرشادات والمبادئ العامة التي يتم اتباعها بشكل شائع.
- أولاً، يتم تشجيع المسيحيين على الصوم بطريقة صحية وآمنة لجسدهم. قد يشمل ذلك استشارة مقدم الرعاية الصحية قبل البدء في الصوم، خاصةً إذا كان الشخص يعاني من أي حالات طبية أو يتناول الأدوية.
- ثانيًا، يتم تشجيع المسيحيين على الصيام بروح التواضع والانضباط، وتجنب الصيام بغرض التباهي أو التماس الانتباه من الآخرين.
- ثالثًا، يتم تشجيع المسيحيين على استخدام الصوم كأداة للنمو الروحي والتحول، وليس مجرد وسيلة لتحقيق الفوائد المادية. قد يتضمن ذلك تحديد أهداف أو نوايا روحية محددة للصيام، مثل البحث عن الوضوح أو الإرشاد بشأن قضية معينة، أو تعميق علاقة المرء بالله.
- أخيرًا، يتم تشجيع المسيحيين على الجمع بين الصوم والممارسات الروحية الأخرى مثل الصلاة والتأمل وأعمال الخدمة أو المحبة، من أجل تعميق خبرتهم الروحية واتصالهم بالله.