الأصليين، فيلم مصري مبهج، فيلم يذكرك بحميمية شديدة بأعمال الخمسينيات و الستينيات الذهبية من القرن الماضي، حين كانت الصناعة الذهبية، صناعة السينما، معنية بالتفاصيل بقدر مبهج و مذهل، الفارق الوحيد أن الأصليين تنكر بالألوان، الأصليين من كتابة أحمد مراد و إخراج مروان حامد.
داجن
سمير عليوه، إنسان داجن، زوج داجن، مدير إئتمان داجن، سمير نموذج مطيع أليف للملايين من البشر، للحد الذي لا ينسى معه شراء الكابوتشا، واللانشون بالزيتون، ولكنه يمتنع عن شراء اللانشون السادة، حيث أنهم ألقوا بنصفه في المرة الماضية.
يدمن سمير شراء الجرائد القديمة، بأرقام تبدو فلكية في عين زوجته، تلك التي لا تجد غضاضة بدفع ضعف تلك الأرقام الفلكية كأقساط لشاليه الساحل، وتفخر للغاية بوزنها الذي أنخفض، بحين أنها في الحقيقة لازالت كما هي، لم ينقص منها جرام واحد.
محاولات سمير لشراء التاريخ، والإمتناع عن شراء اللانشون السادة، هي محاولات فردية مستقلة سعيدة، تجعل بطلنا يشعر بقدر من الحرية والإرادة والقدرة على إتخاذ القرارات، وسط حياة روتينية تقليدية تكاد تفرض نفسها فرضا على سكناته وحركاته.
الخزانة والجزر
يكره سمير الجزر للغاية، يذكرنا ذلك بقصة الأرنب الذي رفض الجزر، ثم عاد بالنهاية لتناوله، فلا طعام هناك آخر للأرانب سوى الجزر، ورغم ذلك تضع له أمه الجزر بالبسلة، ويشدد هو على طلب البيتزا أن تخلو بيتزته بالخضروات من الجزر، على الرغم من أن بيتزا الخضروات لا يستخدم بها الجزر.
يخزن سمير الجرائد القديمة التي يبتاعها لهواية غامضة بنفسه يطلق عليها ” تاريخ مصر ” بخزانة ضيقة للغاية ببيته، غرفة مستطيلة ربما كانت تصلح للكراكيب، ويختبيء أيضا سمير بتلك الخزانة، من عالمه الرتيب الموحش، ومشاكله، وزوجته الشرهة للشراء والثرثرة.
مارد الكدواني
ربما لا نبالغ إن أستعرنا وصف ماجد الكدواني لنفسه بفيلم ” طير أنت ” بـ ” مارد الكدواني ” ماجد الكدواني ممثل مصري من العيار الثقيل، الثقيل للغاية، البعيد تماما عن مجرد ممثل للأدوار الكوميدية، والقريب للغاية من ممثل له القدرة على تجسيد أدوار معقدة ببساطة شديدة.
يجسد الكدواني شخصية بطلنا بالأصليين سمير عليوة، فتشعر أنك تشاهد سمير عليوة الحقيقي، ذلك الموظف الذي تم ركله من وظيفته بالبنك بعد خمسة عشرة عاما ببساطة، وتمت دعوته لعمل غامض للغاية، يقتصر على متابعة حيوات الآخرين.
الأصليين
الأصليين فيلم تمت كتابة نصه للسينما مباشرة، والأسم الأصلي له كان ” ما لا تعرفه عن بهية ” ولفهم الاسمين يجب عليك أن تكون قد شاهدت فيلم ” المصفوفة ” الأمريكي، وقرأت رواية ” 1984 ” الأصليين فيلم مصري أصيل وشائك، ويحمل معاني ومضامين قد لا تروق للكثيرين.
وهنا أصالته وجماله، أنه يحمل مضامين عدة بين مشاهده الممتعة، ويدعك تفكر كثيرا بمعنى الأصليين، ويترك لك حرية خيار المعنى، فلا يوجهك نحو معنى محدد، ولا يفرض عليك مضمون بعينه، وربما ما يفعله بك حقا، أنك سوف تشعر بالنهاية أنك أحد الأصليين.
نحن نراقب الجميع
بدوره شديد الخصوصية بالأصليين، يجسد النجم المصري خالد الصاوي النظام، والنظام هنا بمعنى النظام وليس الحكومة، فكل شيء يجب أن يخضع لنظام، وكل فرد، بلا نظام تعم الفوضى، ورشدي أباظة، أو أحد الآباء الأصليين، هو المسئول مباشرة عن حفظ هذا النظام.
مفيش حد ما بيتراقبش، بسترته القديمة للغاية، والتي تبدو أقرب لسترة رجل قفز من ستينيات القرن الماضي، يردد رشدي أباظة على مسامع سمير عليوة تلك الجملة ” مفيش حد ما بيتراقبش ” في إشارة جادة لسيطرة الماضي بقوة وقسوة على الجميع.
ثريا جلال
ثريا جلال، أو منة الله شلبي، هي بهية الأصليين، وبهية بالتراث الشعبي المصري، والدراما المصرية، هي مصر، بكل شبابها وجمالها وفتوتها وصلابتها وتناقضها ومسيحيتها وإسلاميتها وفرعونيتها، ثريا جلال تجسد كل ذلك وهي الشابة المصرية التي درست في بريطانيا وأصبحت أستاذة بالمصريات.
منة شلبي هي ثالث ثلاثة بالأصليين، ماجد الكدواني و خالد الصاوي، ثالوث تمثيل مرعب يجسد قصة معقدة للغاية، قصة بهية، أو قصة مصر على إمتداد تاريخها الفرعوني والإسلامي والقبطي، والعسكري الذي يحكم قبضته عليها بعد جلاء المستعمر و نهاية الملكية.
حقيقة الأصليين
بالنهاية سوف يواجهنا الأصليين بحقيقة الأصليين، بعد أن طرحنا بعقولنا آلاف التفسيرات، وربما خرج أغلبنا من المشاهدة دون أن يفهم من هم الأصليين، القدماء هم الأصليين، قدماء المصريين، أصحاب الحضارة الأصلية، أصحاب الضمير، أجداد الأصليين الحاليين.
بالنهاية ندرك أن النظام يحفظ علينا سلام حيواتنا، ويخفي عنا حقائق قد تدمرها، كما دمرت حياة سمير حين أطلع على مكنونات أفراد أسرته نحوه، فهو أب تافه، عديم الشخصية، وجوده يساوي تماما عدمه، ورحيله عن حياتهم ليس مأسوفا عليه.
مزرعة بلا أسوار
بالنهاية يهرب سمير من عمله مع الأصليين، ومراقبتهم له، ويتوجه للحياة بواحة الفرافرة بالصحراء الغربية، حيث يمتلك بضعة أفدنة هناك عن إرث من أبيه، يحولها إلى قرية سياحية طبيعية تحمل اسم اللوتس الأزرق، تيمنا بثريا جلال أستاذة المصريات التي أرتبط بها وجدانيا.
ليلتقي بها صدفة برحلة عمل له في مطار برلين بألمانيا، ويمتلك الشجاعة ليتقرب منها، بعد ثلاث سنين من رؤيته لها وهروبه من قبضة الأصليين، على مرأى ومسمع من رشدي أباظة وهو يشاهدهم ويردد ” تتصور الدواجن أحيانا أنها يمكنها الهرب من المزرعة، بحين أنه ليس للمزرعة أسوار بالأصل “.