تعد اللغة العربية من أعظم اللغات السامية، فقد كانت لسان حال العرب ورمز الفصاحة والبيان، وبها تحدى الله عز وجل المشركين الذين لم يؤمنوا برسالة النبي محمد – عليه الصلاة والسلام – بأن أنزل القرآن الكريم باللغة العربية الفصحي، وأمرهم بأن يأتوا بسورة من مثلة فلم يستطيعوا، فأمرهم بأن يأتوا بآية من مثلة فعجزوا عن ذلك، وذلك يؤكد لنا عظم مكانة اللغة العربية التي اختصها الله عز وجل من جميع لغات العالم لتكون بها رسالة التبليغ إلى الناس كافة.
كيف نشأت اللغة العربية؟ وما هي مراحل تطويرها؟
لعل اللغة العربية لها من الفضل والمكانة ما لم يقدر للعديد من اللغات الأخرى، فهي تعتبر الحجر الأساس لكل شعائر المسلمين فبها نستطيع تلاوة القرآن بطريقة صحيحة، وبها يرفع الآذان في كل زمان ومكان ولا تختلف لغة الأذان من بلد لأخر، بل يرفع الأذان في كل بلدان العالم باللغة العربية الفصحى وحدها، كما أن العرب حباهم الله بنعمة عظيمة وهي منشأهم منذ الصغر على استماع وتحدث اللغة العربية مما سهل عليهم الكثير من التشريعات الدينية.
وأكدت الاحصائيات في الآونة الأخيرة أن اللغة العربية تعد ضمن اللغات الست الرسمية المعترف بهم في العالم، حيث يتحدث بها حوالي أربعمائة واثنا وعشرون مليون نسمة، وهذا العدد ليس هين على الإطلاق مقارنة بتعداد سكان العالم، ويوجد العديد من الدول التي تتحدث بها من غير الغرب، إذ أن الغالب منهم تعلموا اللغة العربية لتيسر الشعائر الإسلامية على الوجه الصحيح من صلاة وصيام ومناسك الحج والعمرة بالبيت الحرام، ومن هذه الدول اندونيسيا وماليزيا والسنغال وتركيا وتشاد ومالي.
ويأتي الطلاب من جميع أنحاء العالم ليدرسوا في جامعة الأزهر، لتلقي العلوم في جميع التخصصات، وتعلم اللغة العربية بالطرق الصحيحة كـ: إندونيسيا، وماليزيا، وجزر القمر، وتشاد العاصمة وغيرهم الكثير من دول العالم.
أصل اللغة العربية
تنتمي اللغة العربية إلى اللغات السامية التي يرجع نسبها إلى سام بن نوح عليه السلام، فكلا من اللغتين العربية والعبرية يرجع أصلها إلى اشتقاق واحد وتحدث بهما العديد من الدول والحضارات على مر العصور منها الكنعانية والأكادية والآرامية وغيرهم ويطلق عليهم “حضارة الهلال الخصيب”، كما يتحدث بها الدول الأفرو أسيوية والمناطق التي يتواجد بها العرب الخلّص كالبدو، لأن لغتهم لم تختلط بغيرهم من الأماكن وكانوا يفضلون الحل والترحال داخل الصحراء بحثُا عن الكلأ والماء، فقد كان بساطهم الأرض وسقفهم السماء يبيتون في خيم تقييهم الحرارة العالية والبرودة الشديدة يقاسون مرارة العيش بالصحراء ويتطبعون بطبيعتها القاسية.
ولعل أهم ما يميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام، هو أن اللغة العربية كانت قائمة بنفسها في حدود شبة الجزيرة العربية، لكنه حينما انتشر الإسلام واختلط العرب بغيرهم من الأعاجم، وكانوا يلحنون في أثناء قراءة القرءان كان من الواجب إرساء قواعد اللغة العربية، ليسهل على غير العرب حفظ القرءان الكريم وتدبره، وتلاوته بصورة صحيحة، ولذا نجد القراءات العشر لتسهيل النطق الصحيح للقرآن الكريم على المسلمين والمسلمات من غير العرب.
بم عرفت اللغة العربية؟
عرفت اللغة العربية بالعديد من الألقاب التي تميزت بها عن غيرها من اللغات؛ فقد أطلق عليها “لغة القرءان”، لأن القرءان الكريم نزل على صدر النبي – صلى الله عليه وسلم – جملة واحدة، بلسان العرب؛ ليكون دليلًا واضحًا أمامهم بأنه غير ساحر أو مجنون كما أدعى بعض المشركين.
كذلك لقبت اللغة العربية بـ “لغة الضاد” وهذا اللقب أطلقته العرب على اللغة العربية فقط، وإنما كان اختصاص اللغة العربية بهذا اللقب من منطلق تفرد اللغة العربية وحدها بحرف الضاد فهذا الحرف ليس له شبيه في اللغات الأخرى، كما أنه من الواجب أن نوضح – لمن لا يعلم – أن المقصود بحرف الضاد هنا ليست الضاد على شاكلتها الحالية إنما كانت الضاد العربية القديمة تُنطق على صدى حرفين من حروف اللغة وهما حرف الظاء وحرف اللام.
تاريخ اللغة العربية
لم يتفق المؤرخين القدامى على رأى موحد نستطيع من خلاله الرجوع إليه، لمعرفة الفترة الزمنية التي نشأت فيها اللغة العربية بالتحديد:
- فهناك من قال إن أول من تحدث باللغة العربية آدم عليه السلام وإنها ستكون لغته في الجنة، وإن الله علمه الأسماء كلها وإن أدم هو من علمها للملائكة، فهو أول خلق الله ومن المؤكد أن اللغة العربية كانت لغته الأم.
- يري بعض المؤرخين أن أول من تحدث باللغة العربية هي قبيلة يعرب بن قحطان.
- يرى آخرون أن اللغة العربية ترجع في نشأتها إلى عهد نوح عليه السلام فعندما أمره الله عز وجل أن يركب فيها من كل زوجين اثنين وأهلك أخذ النبي الكريم ما حدده الله عز وجل فنجا من كان بالسفينة وغرق ما دونها، ثم نما الزوجين من الطيور والحيوانات والزواحف وبني الإنسان وتكاثروا إلى أن زاد تواجدهم بالمكان الذى استقرت به السفينة فبدأ كل قبيلة تأخذ عشيرتها وتهاجر بها إلى مكان أخر، وكان سام بن نوح من أوائل من تحدثوا بالعربية لذلك يطلق عليها لغة سامية لنسبتها إليه.
- يري البعض الأخر أن مرجع اللعة العربية إلي سيدنا إسماعيل عليه السلام.
ومن هنا نجد أن المؤرخين لم يتفقوا على أصل واحد مؤكد لظهور اللغة العربية، لكن اجمع المؤرخين أن اللغة العربية تواجدت بقوة أثناء العصر الجاهلي ويشهد على ذلك الدواوين الشعرية التي ألقاها العديد من فحول الشعراء بالعصر الجاهلي والتي نراها إلى يومنا هذا ونقرئها فقد دونت هذه الدواوين والمعلقات الشعرية على أستار الكعبة، ودونت بماء الذهب كالمعلقات الشعرية لكلا من زهير بن أبي سُلمى، وعنترة بن شداد، وامرؤ القيس، وطرفة بن العبد، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم وغيرهم والتي تؤكد على تواجد اللغة العربية بقوة وازدهار في قريش.
صورة اللغة العربية في العصر الجاهلي وعصر صدر الاسلام
ومن هنا يتراءى لنا أن اللغة العربية نشأت واستقرت في قريش ونمت وازدهرت بنموها كما هو الرأي السائد الذى اتفق عليه جميع المؤرخين؛ فقد كان الشعر يرفع شأن أقوام ويحط من شأن أخرين، ويرهب القوي ويقوي الضعيف لما له من تأثير في نفوس العرب وقتئذ في العصر الجاهلي، كاشتمال الشعر على الحكم والأخلاق الحميدة وذم الأخلاق الخبيثة كشعر زهير بن أبي سُلمى أو الاتصاف بالشجاعة والفخر بالنسب والعشيرة كشعر عمرو بن كلثوم أو اتصاف الشاعر بالذكاء والدهاء، واستحسان شعره من فحول شعراء العرب، كشعر طرفة بن العبد حتى أنه ليقال في حقة “أشعر الناس بن العشرين” هذا بالنسبة للعصر الجاهلي.
فإذا ما تطرقنا إلى عصر صدر الإسلام نجد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد اتخذ 3 من الشعراء للدفاع عن الإسلام والمسلمين، والرد على المشركين بالشعر أيضًا وهم: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك.
فقد كان الرسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لحسان بن ثابت: “أهجهم وروح القدس معك”، وكان يبعث به لأبي بكر الصديق ليعلمه الهنات، وكان حسان يهجو المشركين بالأيام التي خسروا حروبهم فيها وليس بعدم دخولهم في الإسلام لأنه لو هجاهم بكفرهم ما نال منهم شيئًا، وكانت قريش تعلم جيدًا أن هذه الهنات لم تخرج عن توجيه أبا بكر لها، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعوا لحسان بالبركة في المال والأهل والولد فعاش 111 عامًا نصفهما في الجاهلية والآخر في الإسلام. وهذا هو الرأي السائد الذي ارتضاه أغلب المؤرخين العرب لنشأة اللغة العربية الفصحى.