ماذا تفعل إذا قال لك طفلك الصغير في لحظةٍ ما: بابا، أنا أكرهك؟ هل تعنّفه على مثل هذا الكلام ولا تسمح له بالتعبير عن مشاعر الغضب التي بداخله؟ أم تختار أن تقدّم له لغةً بديلةً لائقة يستخدمها للتعبير عن مشاعره؟ ماذا لو وجّهته إلى أنّ الأنسب أن يخبرك: بابا، أنا غاضب منك؟ هنا يكون التعبير صحيحًا ومعبرًا وفي محله وغير مؤلم. ما جرى في هذا الموقف تحديدًا هو ما يطلق مختصّو الصحة النفسية “التربية الوجدانية”. فما هو محور التربية الوجدانية؟ وكيف يمكن أن نحققها مع أبنائنا؟
الذكاء الوجداني والطريق إلى التربية الوجدانية
الطريق إلى التربية الوجدانية، يمرّ عبر الذكاء الوجداني. الذكاء الوجداني يعني قدرتك على التعامل مع مشاعرك ومشاعر الآخرين بـ”ذكاء” و”فاعلية”. وقد حدّده العلماء في خمس قدرات ومهارات:
- القدرة على رصد المشاعر الشخصية الذاتية أثناء الشعور بها، والتعبير عنها.
- القدرة على التحكم في المشاعر.
- القدرة على تحفيز الذات، من خلال القدرة على تأجيل اللذة والراحة، والتفكير الإيجابي.
- القدرة على رصد مشاعر الآخرين والتفاعل معها.
- المهارات الاجتماعية، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ”الذكاء الاجتماعي”.
الذكاء الوجداني أمرٌ نتعلمه في الطفولة، ونتدرّب عليه من خلال التربية الوجدانية، التي تعني أن يدرّب الكبارُ صغارَهم على احترام مشاعرهم الخاصّة، والتعبير عنها باستخدام لغة وجدانية مناسبة. تتمّ التربية الوجدانية عبر احترام مشاعر الصغار وعدم كبتها، مع تدريبهم على استخدام طرق وكلمات سليمة للتعبير عن مشاعرهم دون إساءة للآخرين.
من المهم أن تتركَ لأطفالك مساحةً للتعبير عن المشاعر، كيلا يتمّ كبتها فتخرجَ فيما بعد في صورة سلوكيات مضرّة للطفل وللآخرين، خصوصًا في فترة المراهقة.
يبدأ الأمر بإدراكك لحقيقة أنّ أطفالك لا يولدون بقدرة مكتملة على التحكم في مشاعرهم أو التعرّف عليها أو التعبير عنها؛ بل يحتاجون إلى التدريب عليها. لكن ذمّة حقيقة أخرى، وهي أنّهم قادرون على تعلّم هذه المهارة منذ سنواتم الأولى إذا تلقّوا التشجيع الكافي والتعليم المثابر للتفريق بين الطرق السليمة والطرق الخاطئة في التعرّف إلى مشاعرهم والتعبير عنها.
مواقف تستغلّها لتعليم أطفالك الذكاء الوجداني
يمكنك أن تتفادي أن يتورّط أطفالك في عيش حياةٍ كاملة من التعبيرات غير الناضجة عن مشاعرهم، عبر استغلالك لكل فرصةٍ تتاح لك أولاً بأول لتعليم أطفالك الذكاء الوجداني. فيما يلي أمثلة لهذه المواقف:
- تعليم أبنائك الذكاء الوجداني من خلال التحلّي بالذكاء الوجداني أمامهم (سواءً كانوا أطفالاً أو مراهقين)، وهذه أهم وسيلة مؤثرة.
- تعليم أطفالك احترام الكبار، لا الخوف منهم.
- تعليم أطفالك كيفية التجاوب بثقة مع مواقف الرفض من الأطفال الآخرين، ومحاولة تكوين صداقات جديدة، والمثابرة في العلاقات.
- تعليم أطفالك عدم الاستسلام للشعور بالفشل في لعبةٍ أو نشاطٍ ما، والبحث عن لعبة أو نشاط أو هواية بديلة.
- تعليم أطفالك كيفية التعبير عن مشاعرهم السلبية وإحباطاتهم من الآخرين، حتى وإن كانوا من الكبار، مع الحفاظ على التزام طرق التعبير اللائقة والمهذبة.
- تعليم أطفالك كيفية تقبّل الفشل دون التعاون أو التورّط في الشعور المفرط بالذنب.
- تعليم أطفالك كيفية إقامة علاقة مسئولة، والتواصل بمودّة واحترام وحدود مع الجنس الآخر.
- تعليم أطفالك توطين صفات الهدوء والثقة بالنفس والسلام الداخلي في دولخلهم، باعتبارها صفات مرغوبة في الشخصية.
- تدريب أطفالك على التغّلب على فخاخ الكبرياء، وتشجيعهم بطريقة تتفادى تغذية التعالي والنرجسية.
- تعليم أطفالك الموازنة بين رغبتهم في الحصول على رضا الأقران، وبين حقهم في الاستقلالية والفردية، وتعبيرهم بحرية عن الرأي واحترام ذلك.
- تعليم أطفالك الاعتراف بأحاسيس صِغَر النفس وعدم الأمان والتعامل معها بواقعية.
- تعليم أطفالك التواصل والكلام بصورة سليمة، من خلال (نبرة الصوت، وعدم البكاء بدون سبب، وعدم الزنّ والإلحاح، وعدم مقاطعة الآخرين، وعدم التدخل في الحديث وكثرة المقاطعة).
مصادر
- (صحة العلاقات: تحدي الشفاء والنضوج في مجتمع حقيقي)، د. أوسم وصفي.