هل تعلم أن سعر الكيلوجرام من خشب العود يمكن أن يصل إلى 100 ألف دولار؟ ما يجعله أحد أغلى المواد الخام في العالم في العصر الحديث. هذه ليست مبالغة على الإطلاق، والسبب وراء ذلك يعود إلى آلاف السنين التي مضت. ففي العصور القديمة أطلق بعض الشعوب على خشب العود اسم “خشب الآلهة”، ونقشت الحضارة السنسكريتية الفيدا التي يعود تاريخها إلى 1400 عام قبل الميلاد نصًا يقول: “رائحة خشب العود عبق الثروة والرفاهية”، والعجيب لكي تنتج خشب العود عليك أولًا أن تصاب الشجرة بالعفن.
السؤال هنا: ما هي الطريقة الخاصة بتعفن الشجرة؟ وما فائدة شجرة العود بالأساس؟ بل وما الذي يجعلها قيّمة لكي تكون غالية إلى هذا الحدّ؟
العفن جزء أساسي لإعطاء العود الهندي رائحته
العود الهندي أو ما يعرف بالإنجليزية Aquilaria malaccensis هي شجرة موطنها الأساسي الغابات المطيرة في جنوب شرق آسيا. وهذه الشجرة لها قشرة خشبية رقيقة جدًا، وعروق طويلة لها رائحة ذات عطر جذاب.
قبل أن تصاب شجرة العود الهندي بالتعفن، يكون شكل قلب تلك الشجرة شاحبًا، وأعوادها عديمة الرائحة وعديمة القيمة. وبسبب احتكاك الحيوانات البرية بتلك الشجرة بصورة مستمرة يؤدي ذلك إلى إصابتها بعدوى فطرية داخلية بطفيليات تسمى فيالوفورا Phialophora.
وبسبب عدوى الطفيليات هذه ينتج عن الشجرة راتينج عطري لونه أسود، ورطب الملمس. ومع مرور السنوات، يندمج هذا الراتينج العطري في قلب الشجرة وبهذا تصبح شجرة العود معطرة ويتم استخدامها في البخور وكذلك لصناعة العطور.
النمل له دور أيضًا في إنتاج عطر شجرة العود
يقول المتخصصون إن خشب العود يتعرض لحفر النمل من جذع الشجرة، ما يؤدي إلى إدخال الكائنات الحية الدقيقة، والبكتريا، والجراثيم، والفطريات، والنملة عادة ما تفرز سائلًا يُضرّ بالشجرة من الداخل، لذلك تنتج الشجرة راتينج خاصًا بها مضاد لهذا السائل، وهذا أسلوب آخر لتكون شجرة العود ذات عطر جميل.
لذلك بمجرد أن يحصد الحطابون خشب العود، يفصلونه عن الخشب المحيط به. وهذه المهمة شـاقة جدًا، وغالبًا ما تستغرق ساعات. ثم يفصلون الرقائق المشبعة براتينج العود، ويقطعونه قطعًا صغيرة، ويتم استخدامه تجاريًا، خاصة في الشرق الأوسط، كبخور العود، ويستخدمه الهنود كنوع من العطر يعطرون بها ملابسهم إضافة إلى العرب.
يؤكد الخبراء في هذا المجال، أن العود حينما يحترق يصدر عنه دخانًا، ثم تبدأ الرائحة في الانبعاث، وتملأ المكان المحيط بها – وهي رائحة لا تضاهيها رائحة أخرى- ثم تبدأ هذه الرائحة في التحول لرائحة أخفّ يمكن أن تظل في الغرفة المغلقة من 3-5 ساعات.
عطر العود الهندي أذكى أنواع العطور
يتم تقطير العود الهندي مع زيت عطري، ويصل سعر زيت العود الأصلي المستخرج من الطبيعة إلى ما يبلغ 80 ألف دولار لـ اللتر الواحد. ويلقب هذا العطر بلقب ” الذهب السائل”.
وبسبب شعبيته المتنامية النمو في الغرب، أصبح العود مكونًا شائعًا في العديد من العطور عالية القيمة، لأنه يضيف رائحة دافئة وعطرة. ولكن نظرًا للصيد الجائر، وإنتاج أشجار العود الغير مستدام، أصبحت شجرة العود من الأشجار المهددة بالانقراض.
وانخفضت نسبة أشجار العود على المستوى العالمي خلال الـ 150 عامًا الماضية، بنسبة 80% بل إن إصابة أشجار العود الحديثة بالفطريات الطبيعية انخفض للغاية، ما أدى إلى انخفاض جودة عطر العود المستخرج منها.
وتشير بعض التقديرات أن 2% فقط من أشجار العود مصابة بالتعفن الطبيعي بشكل كافي لإنتاج خشب العود الطبيعي، ما يعني أن البحث عن أخشاب العود الطبيعية أصبحت أمرًا شاقًا للغاية.
كيف ينقذ العالم أشجار العود من الانقراض؟
مع اقتراض خشب العود الطبيعي للانقراض تقوم بعض المؤسسات في دولة مثل دولة فيتنام بتلقيح الأشجار باستخدام مركب اصطناعي يحمل اسم ترونج Trung وهو مركب ميكروبي لتحفيز الراتينج المهم في عملية إنتاج رائحة خشب العود.
ورغم ذلك يقول الخبراء إن جودة خشب العود الاصطناعي ليست بالضرورة أدنى من جودة خشب العود الطبيعي. فلقد أصبح خشب العود الطبيعي ذو قيمة كبيرة جدًا، وسعره يمكن أن يصل إلى 100 مرة سعر العود الاصطناعي، نظرًا لعدم وجود أي خشب عود طبيعي في الطبيعة، لذلك يمكن للناس تحديد أي سعر له. خاصة وأنه معروف أن خشب العود الاصطناعي هو منتج من صنع الإنسان وبالتالي فهو أقل سعرًا.
خشب العود في الحضارات القديمة
- وصفته حضارة نيرفانا سوترا بأنه “الخشب السماوي” الذي يتم استخدامه في حرق جثث بوذا.
- وفي العهد الجديد، مُسح جسد يسوع بمزيج من المر والعود بعد صلبه.
- وفي حديث صحيح البخاري (عليكن بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية).
أهمية خشب العود في الإسلام
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة …، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا جديد “. * رواهـ الـبـخـاري.
وهنا الألوة مقصود بها رائحة شجرة العود.
كم تبلغ القيمة العالمية لأخشاب العود؟
تقدر القيمة العالمية لأخشاب العود إلى بـ نحو 32 مليار دولار، والحديث عاد عن خشب العود الطبيعي في هذه الأيام، بسبب ارتفاع الطلب الذي أدى لزيادة سعره، وكذلك بسبب زيادة معدل الإنتاج الاصطناعي وانخفاض الطبيعي. ومن المتوقع نهاية عام 2029 أن تتضاعف قيمته لتصل إلى نحو 64 مليار دولار.