بمجرّد أن عرض أليخاندرو كاسونا أولى مسرحياته، استقبله الجمهور والنقاد باحتفاءٍ شديدٍ، حينها بات الجميع مطمئنين إلى أنّهم أمام فنانٍ سيعيد إحياء وتجديد المسرح الإسباني من جديد، بعدما ألمّت بالمسرح أزمةٌ تردّت بمستواه إلى الحضيض. كان كاسونا هو الأمل المتحقّق أمامهم، وكان على كاسونا أن يواظب على أداء مهمته الرفيعة ومسئوليته تجاه الكتابة والمسرح. فيما يلي نتعرّف على سيرة حياة أليخاندرو كاسونا وأبرز ملامح فنّه المسرحي.

 

أليخاندرو كاسونا: سيرة حياة

ولد أليخاندرو رود ريجيث الباريث (المشهور بـ: أليخاندرو كاسونا) في 23 من مارس 1903م، في قرية بيسويو بمنطقة استورياس بشمال أسبانيا، وعاش بها حتى سنّ الخامسة. كان والداه يعملان في مهنة التدريس، وتنقّلت معهما الأسرة إلى أماكن عديدة، كان من بينها مدينة مرسية التي عاشت أسرته فيها قرابة خمس سنوات (1917 – 1922)، وهي أفضل سنوات حياة كاسونا، حيث بدأ التمثيل هناك في بعض الأعمال المسرحية، وتعرّف على أستاذ الأدب اندريس سوبيخانو الذي أعطاه العديد من الأعمال المسرحية ليقرأها، وشجّعه على الكتابة.

أليخاندرو كاسونا
أليخاندرو كاسونا

في عام 1922م، انتقل كاسونا إلى مدريد، والتحق بمدرسة المعلمين العليا، وأنهى دراسته فيها عام 1926م، وعيّن مدرسًا في مدرسة ابتدائية عام 1926م دون أن ينهي دراسته الجامعية في كلية الفلسفة والآداب بجامعتي أوبييدو ومرسيه، واتجه إلى الكتابة وحضور الحلقات الأدبية في مقاهي مدريد.

في 1929م، عُرضت مسرحيته “جريمة لورد ارتورو” التي اقتبسها من أوسكار وايلد في مدينة سرقسطة، وكتب مسرحية “الحورية الهاربة”. وفي العام التالي 1930م نشر ديوانه الشعري “نادي الضفدع” على نفقته الخاصّة. وفي 1931م، عيّن مفتشًا بمدارس استورياس، ومن هناك أرسل مسرحية “الحورية الهاربة” إلى أدريان جوال ليقرأها ويبدي رأيه فيها، فأرسلها إلى الممثلة الأسبانية الشهيرة مارجريتا شيربو، التي تحمست للمسرحية بعد قراءتها، ووعدت بعرضها في أقرب فرصة ممكنة.

في العام ذاته، انتقل كاسونا إلى مدريد، وتعيّن مديرًا لمسرح الشعب التابع لوزارة التربية والتعليم، وكذلك مديرًا للمسرح المتجوّل، واستمرت هذه الفترة خمس سنوات استفاد منها كوسونا الكثير من الخبرات والاطلاعات على أفضل أعمال الكتاب المسرحيين، وهو ما ساعده لاحقًا في كتابته المسرحية.

في 1934م، عرضت مسرحيته “الحورية الهاربة”، وحققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا ساحقًا، ونال عنها كاسونا جائزة “لوبي دي بيجا” التي تعدّ أعلى جوائز الدولة للمؤلفين المسرحيين الشباب. وهكذا صار كاسونا واحدًا من أشهر كتّاب المسرح في إسبانيا، وانعقدت عليه الآمال في تجديد المسرح الإسباني المتأزّم.

بعد هذا النجاح، استقال كاسونا من وظيفته، وتفرّغ للكتابة للمسرح، وفي عام 1935م عرضت مسرحيته “الشيطان مرة أخرى”، وحققت نجاحا كبيرًا، وفي أواخر العام عرض مسرحيته “ناتا تشتنا” في برشلونة وأحدثت ضجّة كبيرة.

 

الحرب الأهلية الإسبانية

في 12 يوليو 1936م، اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية، وحجّمت كثيرًا من النشاط المسرحي قبل أن تقضي عليه تمامًا. فانضم كاسونا إلى بعض الفرق المسرحية في جولاتهم التي استمرت عامين حول أمريكا اللاتينية. وخلال هذه الفترة عرض كاسونا مسرحيته “ممنوع الانتحار في فصل الربيع” عام 1937م، وفي عام 1940م عرض مسرحيته “سيمفونية لا تنتهي”.

من أحداث الحرب الأهلية الإسبانية
من أحداث الحرب الأهلية الإسبانية

في عام 1939م، استقرّ كاسونا في الأرجنتين مع زوجته وابنته الوحيدة، وخلال الأربعينات والخمسينات كتب مجموعة من أشهر مسرحياته وأنجحها.

لم يكتفِ كاسونا بالكتابة للمسرح، فكتب للإذاعة والسينما، من بينها “عشرون عامًا وليلة” عام 1940م، وغيرها كثير. كما أجرى تعديلات على بعض المسرحيات لكبار الكتّاب الأسبان، وترجم بعض أعمال الكاتب الفرنسي ليزماند، وسافر إلى عدّة دول أوربية لعرض أعماله المسرحية المترجمة.

منذ عام 1956م، أحسّ كاسونا برغبة شديدة في العودة إلى إسبانيا، فقرّر العودة خصوصًا مع ترحيب الحكومة الإسبانية به، وبالفعل عاد في 1958م واستقر في مدريد، وبدأت مسارح مدريد تتتسابق على عرض أعماله المسرحية القديمة والجديدة.

في 1963م، كتب كاسونا مسرحيته “الفرس ذو المهماز الذهبي” وعرضها وحققت نجاحًا كبيرًا، ولاقت ثناءً نقديًا كبيرًا، وعلى إثر هذا النجاح كوّن كاسونا فرقة مسرحية تحمل اسمه، واستأجر أحد مسارح مدريد من أجل عرض أعماله المسرحية.

وسط كل هذا النجاح والنشاط، كان كاسونا يتعرّض لنوبات إغماء بسبب ضيق في الشريان التاجي، وكان لابدّ أن يجري عملية جراحية بعد انتهاء الموسم المسرحي في مدريد. أجرى كاسونا الجراحة في 13 يوليو 1965م، وبدأ يتماثل للشفاء تحت المتابعة الطبية، لكن صحته تدهورت فجأة فانتقل في 17 سبتمبر 1965م إلى المستشفى مجددًا لإجراء عملية جراحية أخرى، وهناك فارق الحياة.

 

الواقع والخيال في مسرح كاسونا

انتهج كاسونا في أعماله المسرحية طريقته الخاصة الجديدة، التي تقوم على المزاوجة بين الواقع والخيال، حيث ينطلق من الواقع، ثم يتجاوزه، وبعدها يعود إلى الواقع مجددًا لكي يثبت أنه هو الذي ينتظر ويفرض نفسه.

كانت فلسفة كاسونا تكمن في أنه إذا كانت الحياة الحقيقية لا تسعد الإنسان، فمن حقه أن يبحث عن السعادة في عالم الخيال حيث يستطيع أن يحلم كما يحلو له دون أن يعترضه أي عارئق. لكن كاسونا يعود ليؤكد أن الواقع هو الذي يفرض نفسه، وذلك دون أن يلجأ إلى تهويل الخرافة أو ترك الخيال سارحًا منطلقًا بلا قيود.

كان كاسونا متفائلاً، مؤمنًا بالخير والقيم الإيجابية لحياة الإنسان، رافضًا للقيم السلبية للروح كالحقد والأنانية والحسد، وفي الناحية الأخرى كان الحب دائمًا ممكنًا، فلم يقدّمه بشكل تراجيدي مأساوي على طريقة جارثيا لوركا، ولا بشكل شهواني على طريقة بابيي انكلان.

 

أعمال أليخاندرو كاسونا

من مؤلفات أليخاندرو كاسونا
من مؤلفات أليخاندرو كاسونا

ترك أليخاندرو كاسونا إنتاجًا غزيرًا، تنوّع بين المسرحيات والشعر والكتابات الدرامية للإذاعة. نذكر منها أبرز المسرحيات:

  • جريمة لورد أرتورو، في عام 1929م.
  • الحورية الهاربة”، كتبها في 1929م، وعرضت في 1934م.
  • نادي الضفدع، عام 1930م. (ديوان شعر)
  • الشيطان مرة أخرى، عام 1935م.
  • ناتا تشتنا، عام 1935م.
  • ممنوع الانتحار في فصل الربيع، عام 1937م.
  • رومانس في ثلاث ليال، عام 1938م.
  • سيمفونية لا تنتهي، عام 1940م.
  • ماري كوري، عام 1940م. (بالتعاون مع فرانشيسكو مدريد)
  • ثلاث زوجات كاملات، عام 1941م.
  • سيدة الفجر، عام 1944م.
  • مركب بلا صياد، عام 1945م.
  • صاحبة طاحونة أركوس، عام 1947م.
  • الاشجار تموت واقفة، عام 1949م.
  • المفتاح في العلبة، عام 1951م.
  • سبع صرخات في البحر، عام 1954م.
  • الكلمة الثالثة، عام 1953م.
  • تاج الحب والموت، عام 1955م.
  • المنزل ذو الشرفات السبع، عام 1957م.
  • خطاب إلى مجهولة، عام 1957م.
  • ثلاث ماسات وامرأة، عام 1961م.
  • الفرس ذو المهماز الذهبي، عام 1963م.

 

أقوال أليخاندرو كاسونا

  • الجمال هو الشكل الآخر للحقيقة.
  • لا يوجد شيء خطير لا يمكن أن يقال بابتسامة.
  • مِن الأفضل توظيف البكاء كلما أمكن، لأن الطب القديم استخدم النزيف.
  • لم تكتب الروايات أبدًا أكثر من أولئك الذين لا يستطيعون العيش بها.
  • في الحب الحقيقي لا أحد يأمر. كلا الطرفين يستجيب.
  • إذا كنت سعيدًا، أخفِ سعادتَك. لا يمكنك أن تكون محملة جواهر في حي المتسولين. لا يمكنك المشي بسعادةٍ وسط عالمٍ من البائسين.

 

مصادر

  • من المسرح الإسباني: الواقع والخيال ودراما الحرب الأهلية الإسبانية، ترجمة زيدان عبد الحليم زيدان، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 1999م.