قراءة في كتاب مقدمة في العلوم السياسية (2)
صورة غلافي الكتاب

عرضنا في الجزء الأول من كتاب مقدمة في العلوم السياسية لمايكل روكسن وروبرت كورد علاقة العلوم السياسية بغيرها من العلوم، وعدد من المفاهيم والقضايا الأساسية في العلوم السياسية، مثل مفهوم القوة والشرعيات والإيديولوجيات السياسية المختلفة، وفي هذا الجزء نعرض للجزء الثاني والأخير من الكتاب والذي تناول الدستور والأنظمة السياسية وأبرز مكوناتها وأخيرًا العلاقات الدولية التي تبرز تفاعلات الدولة في المجال الخارجي.

 

الدساتير والحقوق

الدستور في معناه العام هو وثيقة تضع الخطوط العريضة لبناء النظام السياسي، ويُعرّفه علماء السياسة بأنه “القواعد والعادات سواءً كانت مكتوبة أو غير مكتوبة والتي تدار الحكومة من خلالها”، ويحدد الدستور حقوق الأفراد وحرياتها، ونطاق والواقع يثبت أن وجود الدستور في الدول لا يعني مطلقًا أن ما بداخله من قواعد مُطبقة ومُنفذة، فربما يكون الدستور في واد والواقع في واد آخر.

الدستور يضع قواعد ثابتة، ولا يمكن تغييرها إلا عبر إجراءات معقدة بدرجة ما، ولهذا فهي أقوى من القوانين، وإن كانت القوانين أكثر تفصيلًا، لأن الدستور لا يمكن أن يغطي جميع المشكلات التي قد تنشأ، وهنا يأتي دور المحكمة الدستورية التي تنظر في مدى دستورية القوانين، أي هل تتفق مع المبادئ العامة التي نص عليها الدستور أم تخالفها، وإذا أثبتت المحكمة الدستورية – والتي يختلف مسمياتها من دولة لأخرى- أن القانون يخالف مبادئ الدستور، وجب إلغائه أو تعديله.

 

الدستور من المواضيع التي يتلاقى فيها القانون مع السياسة، فوضع مواد الدستور لابد له من فقهاء وخبراء قانونين لتكون المواد مصاغة بشكل واضح لا يحتمل التأويل أو الغموض، وكذلك لابد من مشاركة الساسة لإبداء آرائهم حول ما ينبغي أن يشمله الدستور من مواضيع وقضايا.

الأنظمة

تناول هذا الفصل الحديث عن الأنظمة، وكيف يتم تصنيفها، فهناك أنظمة تطبق فيها الديمقراطية النيابية، وفيها يشارك المواطنون في اختبار من “ينوبهم” عبر صناديق الاقتراع التي تنتج برلمانًا منتخبًا ونوابًا يفترض أن يمثلوا من انتخبهم، فيتبنون مطالبهم ويسعون أن يصيغوها في صورة تشريعات.

 

هناك عدة ممارسات تميز الأنظمة الديمقراطية، منها المسئولية الشعبية للحكومة، فالتصويت في الانتخابات الذي أوصل النواب إلى البرلمان من الممكن أن يستخدم ضدهم في الانتخابات التي تليها في حال أن أخفق النواب في تلبية حاجات المواطنين التي انتخبوهم من أجلها، كذلك تتسف الأنظمة الديمقراطية بوجود منافسة حقيقة على السلطة، وبالتالي إمكان تداول السلطة، وكذلك غالبًا ما يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية، فمن المستحيل عمليًا أن تلقى القرارات موافقة جميع نواب البرلمان، وبالمثل يستحيل أن يتحصل مرشح على جميع أصوات الناخبين بلا استثناء، وهنا يُعمل مبدأ الأغلبية، وأخير فحرية الإعلام والصحافة والحق في الاعتراض والمساواة بين جميع المواطنين هم من أهم ركائز الأنظمة الديمقراطية.

 

تعد الأنظمة الشمولية نقيض الأنظمة الديمقراطية، وأهم ملامح الأنظمة الشمولية وجود إيديولوجيا تصور العالم أنه إما أبيض أو أسود، وتصيغ هذه الإيديولوجيا قضايا السياسة والاقتصاد، ولا يتواجد في النظام الشمولي إلا نظام واحد مسيطر ولا يسمح بإنشاء غيره، ويعد كل من النظام الفاشي والنازي من أبرز النظم الشمولية التي ظهرت في العصر الحديث.

 

الثقافة السياسية والرأي العام

تشكل العوامل الجغرافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية لكل دولة ما يُعرف بـ “الثقافة السياسية”، وهو بمثابة الذاكرة الجماعية للمجتمع، وهي التي تصيغ القيم الأساسية لممارسة السياسية في المجتمع، وتتداخل مع مفهوم آخر مهم وهو “الرأي العام” الذي يهتم بالتعرف على آراء المجتمع تجاه قضايا معينة، وردود أفعال المواطنين تجاه أهم القرارات الحكومية أو غيرها من القضايا السياسية، ويرتبط كذلك بالثقافة السياسية ما يُسمى بالتنشئة السياسية التي تغرس القيم والمبادئ السياسية في أفراد المجتمع، وتقوم المؤسسات الاجتماعية المكونة لأي مجتمع بهذا الأمر مثل الأسرة والمدرسة ودور العبادة.

 

التواصل السياسي

التواصل بين الحكام والمحكومين من أهم الممارسات السياسية في كافة المجتمعات، ومع التطور التكنولوجي الضخم في العصر الحديث أثرت وسائل التواصل بكافة أشكالها في المشاركة السياسية، لاسيما أنها أصبحت متاحة للجميع، وبعدما كانت الصحف والجرائد والتلفاز حكرًا على المؤسسات دون الأفراد، صار الآن من السهل لأي فرد أن يحول حسابه الشخصي على موقع فيسبوك أو تويتر منصة لبث رسائل سياسية، وهناك من يرى أن هذه الوسائل الحديثة جعلت المواطن أكثر دراية ووعيًا، إلا أن هناك رأي آخر يرى أن الخداع والتضليل هو سمة لا تنفك عن مواقع التواصل وبالتالي فكل ما يبث عبرها هو مشكوك فيه، ومن ثم فهناك إشكال ضخم حول مدى الرقابة التي ينبغي أن تفرضها الحكومات على هذه الوسائل وهل لها أن تتدخل في حظرها أم لا ؟!

 

جماعات المصالح

جماعات المصالح Interst Groups من أهم الفاعلين في الأنظمة الديمقراطية، وهي تشبه الأحزاب السياسية إلا أنها لا تسعى للمنافسة على السلطة، كما أن طبيعة العضوية تختلف، ففي حين تسعى الأحزاب لضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء تضم جماعات المصالح أعدادًا محدودة، ويرجع هذا في الغالب أن تتبنى قضايا معينة، كالدفاع عن حقوق العمال أو قضايا البيئة على سبيل المثال، وتسعى جماعات المصالح للضغط والتأثير على الحكومات من أجل تحقيق مطالبها.

 

الأحزاب السياسية

أغلب الأنظمة السياسية في العصر الحالي ديمقراطية كانت أو غير ديمقراطية يتواجد فيها أحزاب، وتتفاوت الأدوار التي تلعبها هذه الأحزاب من دولة إلى أخرى، كما أن في الدولة الواحدة يتفاوت الدور الذي يلعبه كل حرب اختلافًا كبيرًا وفق عدة معايير، منها جماهيرية هذا الحزب وعدد أعضائه وإمكانياته المادية وموقعه من الحكم، هل هو حزب يحكم بمفرده أم يشارك في الحكم ضمن ائتلاف مع أحزاي أخرى أم هو حوب معارض ؟

 

للأحزاب عدة أهداف، منها المنافسة على الوصول إلى السلطة، وهي تعتبر جسرًا بين المواطن والسلطة، وتسعى لتجميع المصالح ورفعها إلى السلطة بغرض التنفيذ، كما أنها بوابة الأفراد لممارسة العمل السياسية وبالتحديد تولي المناصب الرسمية.

 

الانتخابات

الانتخابات أحد الآليات الديمقراطية المتعلقة باختيار من يمثل المواطنين في البرلمان، ومن يعتلي مقعد الرئاسة، ولا تقتصر صناديق الاقتراع على هذا بل أحيانا يذهب المواطنون للتصويت على استفتاء ما بخصوص دستور جديد أو تعديلات دستورية، أو قرار مصيري، وغالبا ما توضع شروط بخصوص من له حق التصويت مثل وضع حد أدنى لعمر الناخب وكذلك التحديد للمكان الذي يستطيع الإدلاء فيه بصوته.

 

يقوم المرشحون بعقد مؤتمرات للترويج لبرامجهم الانتخابية
يقوم المرشحون بعقد مؤتمرات للترويج لبرامجهم الانتخابية

في المقابل ظهر الحملات الانتخابية التي يقيمها المرشحون بغرض جذب الناخبين والحصول على أصواتهم، عن طريق أنواع متعددة من الدعاية يفترض من خلالها أن يقتنع الناخب بأن هذا المرشح أو الحزب دون غيره يستحق أن يصوت لصالحه في صندوق الاقتراع.

المؤسسات التشريعية والتنفيذية

مع مرور الزمن صارت الهيئة المخولة بصياغة القوانين شديدة التعقيد بعدما كانت تقتصر على مجالس تضم الزعيم الأكبر للبلدة أو القبيلة أو أيِ من الأشكال القديمة للنظام الاجتماعي صارت الآن المجالس التشريعية تضم أعدادًا أكبر يمثلون ملايين المواطنين في الدولة الواحدة وملزمون بمناقشة وبحث مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

 

يختلف شكل الهيئات التشريعية باختلاف نمط الحكم، فالنظم الرئاسية يكون هناك انفصال واضح بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بخلاف النظام البرلماني، مجلس واحد له حق التشريع ويضم الوزراء التنفيذيين، ومن ناحية أخرى فهناك دول يكون البرلمان مكون من غرفة واحدة، ودول أخرى لديها غرفتان، كما الحال في الولايات المتحدة الأمريكية لديها مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وعلى كل تدور مهام البرلمانات حول تشريع القوانين والرقابة على المؤسسات التنفيذية.

 

العلاقة بين السلطات في كل من النظام البرلماني والنظام الرئاسي
العلاقة بين السلطات في كل من النظام البرلماني والنظام الرئاسي

إذا كانت السلطة التشريعية مخولة بصياغة القوانين والرقابة، فالسلطة التنفيذية هو التي تقوم بالأعمال التنفيذية على أرض الواقع، وكما ذكرنا ففي النظم البرلمانية تكون السلطة التنفيذية أي الوزراء ورئيسهم من داخل البرلمان، ويحق للبرلمان أن يعزل الحكومة، أما في النظام الرئاسي فهناك انفصال ولا يحق للسلطة التشريعية الإطاحة برأس السلطة التنفيذية.

 

الهيئة القضائية

إذا كان هناك اختلاف بين الدول وبعضها في علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية ببعضهما بين الوصل والفصل فإن استقلال الهيئة القضائية هي محل اتفاق بين الجميع، والوظيفة الأساسية للهيئات القضائية الفصل في النزاعات، ولما كانت القوانين الموضوعة مختلفة الأنواع بين القانون المدني والقانون الجنائي والقانون الدستوري والقانون الإداري فهناك أنواع مختلفة من المحاكم، كل محكمة تختص بنوع معين من النزاعات.

 

الحياد والنزاهة والاستقلال من أهم السمات التي ينبغي أن تتوافر في الهيئات القضائية
الحياد والنزاهة والاستقلال من أهم السمات التي ينبغي أن تتوافر في الهيئات القضائية

توضع شروط لتعيين القضاة لضمان استقلاليتهم ونزهاتهم، وهناك نوع من المحاكم لا يجوز أن يبقى فيها القضاة إلا لفترة زمنية محدودة، وكل هذا من أجل ضمان النزاهة والحياد وضمان تحقيق العدالة.

الاقتصاد السياسي

الاقتصاد السياسي أحد المفاهيم القديمة التي شهدت تطورًا مع مرور الزمن، بدأ في الظهور في أواخر القرن الثامن عشر واستمر مع آدم سميث وريكاردو وجون ستيورات ميل وماركس، ويهتم الاقتصاد السياسي بالعلاقة بين الحكومة والاقتصاد والمجتمع، وما ينبغي أن تقوم به الحكومة من أجل تحقيق الرفاهية.

 

الاقتصاد وثيق الصلة بالسياسة، فالساسة عندما يعرضون برامجهم السياسية على الجماهير كثرًا ما تكون الوعود الاقتصادية من رفع مستوى الدخل وتحقيق الرفاهية وتوفير خدمات أكثر من أبرز ملامح البرامج الانتخابية، وعليه فقد اختلفت الرؤى والأطروحات حول ما حجم تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية، بين طرفي نقيض، منهم من يرى أن تحوز الدولة جميع أدوات الإنتاج، وعلى الجانب الأخر من يرى ألا تتدخل الدولة مطلقًا، وبينهم درجات ترى أن تدخل الدولة في حدود لتوفر الحد الأدنى من العيشة الكريمة.

 

العنف والثورة

اهتم باحثو العلوم السياسية بالعلاقة بين تغير وانهيار الأنظمة والثورة واستخدام العنف، وللعنف السياسي أنواع متعددة، منها العنف الداخلي الذي يتولد بين الأعراق أو القوميات كما حدث بين الهوتو والتوتسي في رواندا، وهناك العنف الثوري الذي يسعى للإطاحة بالأنظمة السياسية باستخدام العنف، كما حدث في دول شرق أوربا في المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، والثورة هي تغيير سريع درامي يطيح بالنظام القديم ونخبته، وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين صارت دراسة الثورات أحد القضايا الأساسية التي يعتني بها باحثو العلوم السياسية.

 

العلاقات الدولية

طبيعة التفاعلات السياسية الخارجية بين الدول تختلف عن التفاعلات التي تتم داخل الدولة الواحدة، ففي الدولة الواحدة هناك قانون يطبق على الجميع، أما في التفاعلات الدولية فليس هناك اتفاق حول مرجعية عليا يتم الاحتكام إليها حال حدوث اختلافات بين الدول، وبالتي تبحث كل دولة عن تحقيق أهدافها عبر استخدام القوة، والقوة هنا تعني قدرة الدولة على الحصول على ما تريده، وبعدما كان التركيز الأكبر على القوة العسكرية باعتبارها معبرًا عن قوة الدولة في المجال الخارجي ظهرت هنا أنواع أخرى من القوى مثل القوة الاقتصادية بل وظهر مفهوم جديد وهو القوة الناعمة، أي قدرة الدولة على إرغام خصمها على تنفيذ طلبها بإرداتها ودون اللجوء إلى استخدام العنف.

 

لما كانت المرجعية الأعلى غائبة في المجال الدولي، وأضحت كل دولة تبحث عن تحقيق مصالحها بغض النظر عن تعارض هذه المصالح مع دول أخرى، أصبح اللجوء إلى القوة في حال الاختلاف أمر واقعًا لا محال، ومن هنا تنشب الحروب بين الدول وبعضها، وبناء عليه فالحرب وأسباب اندلاعها ونتائجها من القضايا الرئيسية التي تهتم بها العلاقات الدولية، وهناك عدة نظريات تفسر اندلاع الحروب، منها النظريات المصغرة التي ترى أن الحرب نتيجة الطبيعة الإنسانية العدائية، والنظريات الكبرى التي تجعل سعي الدول الكبرى للهيمنة على الدول الصغيرة عندما تتاح لها الفرصة هو سبب كاف لاندلاع الحروب، ومنها نظرية توازن القوى التي ترى أن الحروب تندلع عندما يغيب الاتزان بين الدول القوية وبعضها، فتنشب الحروب إلى أن يحدث توازن جديد في النظام الدولي.

صورة رمزية توضح مبدأ توازن القوى
صورة رمزية توضح مبدأ توازن القوى

على الجانب الآخر ظهر رأي أخر يبحث عن إقامة سلام عالمي، والسعي لمنع اندلاع الحروب منذ البداية، وبناء عليه من الممكن صياغة صورة تحفظ أمن جميع الدول “الأمن الجماعي”، ومن ثم ظهرت عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، إلا أنها أخفقت في تحقيق مساعها واندلعت الحرب العالمية الثانية، ومع نهايتها ظهرت منظمة الأمم المتحدة التي إلى الآن لم تنجح في تحقيق أهدافها الأساسية في حفظ الأمن والسلم الدوليين، فلا زالت الحروب تندلع من الحين والآخر !

من زاوية مغايرة فهناك عدة آليات تلجأ إليها الدول أحيانا لحل الخلافات والنزاعات، منها جهود الوساطة التي يقوم بها طرف ثالث غير طرفي النزاع، أو أن يلجأ المتنازعون إلى التحكيم الدولي، أو استخدام المفاوضات والطرق الدبلوماسية.

تعليق أخير

إلى هنا ينتهي عرض أبرز الأفكار التي تعرض لها كتاب مقدمة في العلوم السياسية، وهو كتاب مدرسي مهم نجح في الجمع بين عدة مزايا، منها استخدام أمثلة واقعية في بدايات كل فصل لتقريب المفاهيم النظرية، ومنها التعرض لأبرز القضايا المنهجية المرتبطة بكل فصل والخلافات الدائرة حولها، كما أن مؤلفي الكتاب حرصوا على ضرب أمثلة معاصرة، إلا أن الكتاب كان دائمًا ما يركز على الساحة السياسية الأمريكية داخليًا وخارجيًا وهو أمر مفهوم لكون الكتاب ربما لكون الكتاب مخصص للتدريس في الولايات المتحدة الأمريكية.