هل كان أشرف مروان عميلاً لإسرائيل، أم كان عميلاً مزدوجًا تمكّن من خداع إسرائيل بإتقان؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي يحاول الفيلم الوثائقي البريطاني (The Spy Who Fell to Earth)، أن يوجد إجابة له، خاصةً بعد الجدل المرتبك الذي أحدثه فيلم الملاك المأخوذ عن كتاب بنفس العنوان، واللذان أثارا غبارًا زاد الأمر غموضًا.

الثقل النوعي لهذا الفيلم عن أشرف مروان

يتميز فيلم (The Spy Who Fell to Earth) بأنه يستضيف شخصيات ذات ثقل حقيقي، مخابراتيًا وبحثيًا، مرتبطة بقصة أشرف مروان أو مطّلعة على تفاصيلها، في مقدّمتهم أهارون بيرجمان (مؤرّخ إسرائيلي معادٍ للسياسات الصهيونية ومقيم في بريطانيا، وهو أول مَن كشف اسم أشرف مروان ودوره الاستخباراتي الحسّاس، وعنوان الفيلم هنا مأخوذ عن عنوان كتاب له)، وشبتاي شافيت (رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي من 1989 وحتى 1996)، وعاموس جلبوع (باحث استخباراتي معروف وعميد سابق في جيش الدفاع الإسرائيلي)، ويوسي ميلمان (خبير استخبارات إسرائيلي)، ورجيف سيال (صحفي بريطاني اشتغل على قصة وفاة أشرف مروان)، وشموئيل جورن (رئيس وحدة عمليات الموساد في أوروبا). ومن الجانب المصري عبد الله حمّودة (خبير استخبارات مصري)، والمؤرّخ د. خالد فهمي، وامتنعت الجهات المصرية وأسرة أشرف مروان عن المشاركة في الفيلم دون إبداء أسباب.

أشرف مروان (على اليسار)، وعلى اليمين أهارون بيرجمان
أشرف مروان (على اليسار)، وعلى اليمين أهارون بيرجمان

الفيلم وجبة فنية دسِمة ممتعة ومثيرة فعلاً، تم إطلاقه في 1 أبريل 2019م، وهو يتتبّع شخصية الجاسوس المصري الذي يعتبره صنّاع الفيلم “أعظم جاسوس في القرن العشرين بلا منازع”.

أشرف مروان الذي تلاعب بالموساد

الخلاصة التي يقدّمها لك الفيلم بعد ما يأخذك في جولة لاهثة من البينج بونج بين وجهتي النظر المصرية والإسرائيلية، المرتكزة حصرًا على الحدث الأكبر والأخطر على الإطلاق (حرب السادس من أكتوبر)، ودور أشرف مروان فيها.. هذه الخلاصة أن أشرف مروان ضلّل الموساد الإسرائيلي وتلاعب به، بل إنه كان واحدًا من ضِمن شبكة مصرية تضم 40 شخصية، كانت تعمل جميعها تحت الإشراف المباشر للرئيس المصري الراحل أنور السادات وتوجيهاته، ولم يكن ليتمّ كشف أي اسم من هذه الشبكة لولا إلحاح أهارون بيرجمان على اكتشاف اسم عميل بعينه، الذي توصّل لاحقًا إلى أن اسمه هو أشرف مروان، وهو الوحيد من بين أفراد هذه الشبكة الذي عُرف اسمه ودوره.

سرية المعلومات لدى مصر وإسرائيل

في الفيلم، نلاحظ أن الجانب الإسرائيلي كشف معلوماته المتعلقة بتلك الفترة وأحداثها وشخصياتها الفاعلة فيها، بما في ذلك الوثائق التي أفرج عنها والمرتبطة بقصة أشرف مروان، بل وبما في ذلك من محاضر لقاءاته مع مسئولين كبار من الموساد في لندن. وكان واضحًا في الوقت ذاته كمية الارتباك والارتعاش في لغة جسد الأطراف المشاركين في الفيلم عن الجانب الإسرائيلي.

بينما في المقابل، لم يقدّم الجانب المصري أية معلومات أو تعليقات على قصّة مروان حتى الآن، وهو ما يستدعي سؤالاً تلقائيًا عن السبب. إحدى جوانب الإجابة عن هذا السؤال، قدّمها د. خالد فهمي عبر توضيحه أن انجرار الجهات المصرية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بشخصية أشرف مروان ودوره وتفاصيل الأمر، كل هذا سيفتح الباب – بلا داعٍ- أمام المطالبات بالكشف عن تفاصيل أخرى متعلقة بنفس هذا الموضوع، بل وموضوعات أخرى ذات صلة، وهو ما تحافظ الجهات المصرية على تفاديه عبر التزامها الصمت.

جانب آخر أيضًا، يمكن أن نستنتجه ببساطة، وهو أن تقديم أية تفاصيل عن الموضوع، قد يؤدّي بدرجة أو أخرى إلى الكشف عن باقي شخصيات الشبكة المخابراتية (تضمّنت 40 شخصًا وفق التقديرات المذكورة في الفيلم)، وبالتالي قد يتسبب هذا في قطع الطريق على أعمال وإنجازات استخباراتية مصرية قائمة بالفعل، ويكشفها بدون داعٍ، أو كما يقول خالد فهمي في تعبير شديد الإيحاء والدلالة: “إنها قصّة ثانوية لشيء أكبر بكثير”.

التكريم المصري لأشرف مروان

رغم حرص الجهات المصرية على الحفاظ على سرية دور أشرف مروان في المواجهات المخابراتية بينها وبين خصومها، إلا أنّه قُدّر أن يتم كشف اسمه في لحظةٍ ما بسبب دأب وإلحاح باحثٍ أكاديمي مخلصٍ في العثور على إجابات لأسئلته. هنا نستدعي موقفين تكريميين لأشرف مروان. الأول: حين تمّ تكريمه رسميًا وعلى أعلى مستوى من الرئيس الراحل أنور السادات؛ نظير مجهوداته في حرب أكتوبر، والثاني: حين أشاد به الرئيس الراحل حسني مبارك بعد تشييع جنازته منوّهًا بالدور البطولي لأشرف مروان في خدمة الوطن بخدمات جليلة وصفها مبارك بأنها “لم يحِن الوقتُ لكشفِها بعد”.

من قتل أشرف مروان

إذن من الذي قتل أشرف مروان؟ رغم الجهد الواضح والمبذول في الفيلم ومادته وشخصياته، إلا أنه لم يتمكّن من تقديم إجابة حاسمة عن هذا السؤال، وإن كانت مجموعة الشواهِد الصغيرة المرتبطة بالتوقيت وشهادات العيان حسبما يعرضها الفيلم، ترجّح احتمالية تورّط الجانب الإسرائيلي في الأمر.

أخيرًا، إيقاع الفيلم وسرديته، والحساسية الدقيقة لمحتواه، والموسيقى، واهتمامه برصد لغة جسد الشخصيات التي استضافها، يجعلونه فيلمًا يستحقّ المشاهدة بدون تردّد.