فى الحلقة الثانية من مسلسل ما وراء الطبيعة المعروض على منصة “نتفليكس” تناول صناع العمل رواية (أسطورة لعنة الفرعون) للروائى الراحل د.أحمد خالد توفيق بشكل مختلف ولكنه يتفق فى الخطوط العريضة للفكرة وهى لعنة فرعون غاضب ستدمر كل شىء.

الأعمال الأدبية بشكل عام إذا كانت قائمة بالكامل على الخيال فلا يوجد أي نوع من القيود يمكن أن تفرضه العلوم أو حتى الدقة التاريخية طالما أن أصحاب العمل لم يذكروا أنه مبنى على أسس تاريخية.

لذلك فإن محاولاتنا تفسير بعض الأشياء التى وردت فى الحلقة ليس من باب النقد وإنما التوضيح.

علم المصريات وقصة لعنة الفرعون في مسلسل ما وراء الطبيعة

فى البداية وبكل وضوح فإن صناع العمل لم يستشيروا أى دارس أو متخصص فى علم المصريات فيما يتعلق بتفاصيل العمل باستثناء تفصيلة واحدة وهى الآلة الموسيقية “السستروم“.

كما ذكرت سابقا فإن الخطوط العريضة للرواية ولسيناريو الحلقة متفقان تماما، لكن الاختلاف الجوهرى أن الرواية الأصلية احتوت على جزء تعليمي مهم بذل فيه الكاتب الراحل جهدا ملحوظا في طرح معلومات صحيحة عن تاريخ مصر القديم بينما العمل اعتمد بالكامل على الخيال بدون تقديم معلومات صحيحة، مع تقديم عالم المصريات على أنه شخص يتحدث بطلاسم ولا يفهمه كل من حوله ويبدو حديثه مملاُ خاليا من أى منطق.

1- تشريح مومياء الفرعون

النقاط الأساسية غير المنطقية تحت أي ظرف التي وردت في الحلقة أولها كان (تشريح مومياء الفرعون)، وهذا مستحيل علميا وعمليا لأن المومياوات لا تُشرّح فهي أجساد تم تحنيطها منذ آلاف السنين خلت من أي سوائل وفحصها يتم بكافة السبل التي تضمن عدم إلحاق أي ضرر بها مثل الأشعة السينية قديما ثم الأشعة المقطعية حديثا، بل أن عملية أخذ عينة من أي مومياء لا تتم إلا فى ظروف خاصة جدا لأن حتى أخذ العينات له أثر مدمر على المومياوات، وعلى ما يبدو فإن شيوع لفظ (تشريح مومياء) على الرغم من خطأه حتى يومنا هذا كان أقوى من أى منطق ولذلك تبناه صناع العمل.

2- مومياء الملك رمسيس الثاني

المومياء التى كانت تدور حولها القصة تظهر متشابهة وبشكل واضح مع مومياء الملك “رمسيس الثانى” خاصة فى وضعية اليد لأعلى، وهو إسقاط  لربما كان عن غير دراية بربط لعنة ما بملك مثل “رمسيس الثانى”، على الرغم من وجود عشرات المومياوات الملكية وآلاف المومياوات غير الملكية بداخل مصر إلا أن اختيار مومياء “رمسيس” تحديدا لربما يطرح بعض التساؤلات.

مومياء رمسيس الثانى
مومياء رمسيس الثاني

لطالما ارتبط اسم “رمسيس الثانى” بمعتقدات شعبية خيالية تفترض أن هناك مومياء وحيدة في مصر وأن هذه المومياء هي لفرعون الذين يعتقدون بالخطأ أنه “رمسيس الثاني”، وبناء عليه لربما اختار صناع العمل المومياء بهذا الشكل بناء على الصورة الذهنية الشعبية فقط، حتى لو كانت خيالية.

3-  من هما “نفر كا رع” و”نفر كا حور”؟

الأسماء الواردة بالمسلسل بعضها حقيقى بالفعل والآخر من وحي الخيال، فعلى سبيل المثال اسم “نفر كا رع” تقلده الكثير من الملوك المصريين أشهرهم “ببي الثاني” من الأسرة السادسة الذي حكم مصر لمدة تزيد على 94 عاما والملك “نفر كا حور” الذي حكم مصر في الأسرة الثامنة في عصر الفوضى الأول.

الاسمان “نفر كا رع” و ” نفر كا حور” هي أسماء حقيقية لعدة ملوك مصريين بالفعل ولكن لم يحمل أحدهم رقم السابع كما جاء فى المسلسل، فلا يوجد من يسمى “نفر كا رع السابع”.

أما أسماء مثل: “كا شي رع” فهو لفظ بلا معنى طرحه المسلسل على أنه اسم لأميرة ومعناه “أحزن الناس”،  كذلك نصوص اللعنات والتعويذات التي وردت في المسلسل فكلها من وحي الخيال أيضا وجدير بالذكر أن عالم الآثار كان يتحدث للمومياء وحتى الشيطان الذي يحميها باللغة العربية بتعويذة ذات سجع “لتحل لعنتي على كل ما يخالف مشيئتى” وهو على الأرجح الذي لن يفهمه كلاهما لأنها بلغة لم يتحدثها المصريون القدماء.

4- لغة المصريين القدماء في مسلسل ما وراء الطبيعة

كذلك طرح أخطاء شائعة بالفعل مثل أن لغة المصريين القدماء هي اللغة الهيروغليفية، وهذا ليس صحيح إذ أن الهيروغليفية هى أحد الخطوط  الكتابية للغة المصرية القديمة التى أطلق عليها المصريين القدماء “مدو نتر” وتعني كلام الإله، والأغرب أن ذلك تكرر على لسان متخصص الآثار فى المسلسل.

5- الجعران دليل على روح الفرعون الغاضب

كذلك أشياء أخرى غير منطقية مثل أن الجعران هو دليل روح الفرعون الغاضب الذى يدله على من دنس مومياؤه وكذلك أن هناك كيانا يسمى “موت” يخص الجسد ولا بد أن يعود إليه لكى تنتهى اللعنة هى أيضا من وحي الخيال المجرد.

6- قسم الترميم وتكنولوجيا خامات العرض

من الأشياء الأخرى المثيرة للدهشة هو اختطاف المومياء من هيئة تسمى “قسم الترميم وتكنولوجيا خامات العرض” وهي جهة وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، بخلاف وجود حارس واحد على المبنى تستطيع تجاوزه بإرساله لشراء سجائر!.

قسم الترميم وتكنولوجيا خامات العرض؟
قسم الترميم وتكنولوجيا خامات العرض

7- منقطة سقارة الأثرية

ختام الحلقة تم تصوير مشاهده فى منطقة سقارة الأثرية والتى أهم آثارها هى المصطبة المدرجة (الهرم المدرج) للملك “زوسر”، وهو أقدم محاولة لبناء لهرم فى تاريخ مصر كما أنه يوجد عناصر معمارية ملحقة به تسمى كلها – مع الهرم – المجموعية المعمارية للملك “زوسر”.

مدخل مجموعة الملك زوسر.
مدخل مجموعة الملك زوسر

بدأ أبطال المسلسل مسيرتهم فى المشاهد الأخيرة خلال بوابة المجموعة والتي تؤدي إلى فناء ما أن تصل له فستجد الهرم المدرج أمامك مباشرة، بعدها توجهوا جنوبا إلى جزء آخر من المجموعة يسمى “المقبرة الجنوبية” وهو مجموعة ممرات تحت الأرض احتوت على مناظر للملك “زوسر” ولربما كانت تستخدم فى أغراض الدفن الطقسى.

الطريق المؤدى للفناء فى مجموعة الملك زوسر.
الطريق المؤدى للفناء فى مجموعة الملك زوسر

الغريب أن المشهد التالي أظهر الأبطال في مكان مغاير تماما لا علاقة له بالمقبرة الجنوبية.

المقبرة الجنوبية.
المقبرة الجنوبية

فينتقل التصوير إلى مجموعة مصاطب (مقابر) قريبة من الهرم المدرج لكنها لا تنتمى لنفس الفترة الزمنية، فظهر الأبطال بداخل مقبرة أميرة تدعى “إدوت” وهي أميرة صغيرة السن إبنة لملك، وكذلك المصطبتان المجاورتان لها.

مقبرة الأميرة "إدوت".
مقبرة الأميرة “إدوت”
مقبرة إدوت.
مقبرة إدوت

10- هرم الملك أوناس أول هرم مصري عليها متون الأهرام

أخيرا فإن ختام الأحداث جاء في منطقة أخرى مغايرة للمصاطب، إذ ظهر رفعت بداخل غرفة دفن هرم الملك “أوناس”، وهو أول هرم مصري تحتوى جدران غرفة الدفن به على نصوص أطلق عليها العلماء “متون الأهرام” وهي أقدم نصوص دينية مدونة في تاريخ الإنسانية.

بداخل هرم "اوناس".
بداخل هرم “اوناس”

الخالصة أن صناع العمل انتقلوا بين أماكن لا علاقة بينها زمنيا، يفصلها مسافات غير كبيرة ليظهروها وكأنها مكان واحد، وبالطبع يحسب لهم التصوير في موقع أثري حقيقي.

ختام

كما ذكرت في بداية المقال فإن صناع العمل لم يكن مطلوبا منهم أن يقدموا معلومات تاريخية دقيقة وصحيحة لأن العمل في إطار خيالي بالكامل ولكن تقديم ولو بعض اللمحات المعلوماتية للمشاهد كان يمكن أن يجعل الإطار العام للعمل أفضل كما فعل المرحوم أحمد خالد توفيق في رواياته حيث مزج بين الخيال وبين تقديم معلومة علمية صحيحة عن محتوى رواياته.