تعتبر احتفالات الموالد الشعبية ظاهرة فلكلورية، تتجدّد فيها تفاصيل التراث الشعبي بمختلف مجالاته، الدينية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب استثمارها اقتصاديًا. وعلى رأس الموالد الشعبية، يأتي الاحتفال بالمولد النبوي، الذي تتجدّد ذكراه في كل شهر “ربيع أول” من كل عام هجري، وإن كان الجمهور صار يرتّب ذكرى المولد النبوي وفقًا للتقويم الميلادي، للدرجة التي صار معتادًا معها أن يشار إلى ذكرى المولد بـ”المولد النبوي 2020″، أو “المولد النبوي “2021”، وهكذا.

وترجع دوافع الاحتفال بالمولد النبوي، إلى اعتباره ذكرى سنوية يجتمع فيها المسلمون على ذِكر النبي ومحبته وتعظيمه، وسماع الشمائل المحمدية ومعرفة النسب النبوي الشريف، وإشاعة مظاهر الفرح بميلاد الرسول الكريم، وإطعام الطعام، والاجتماع على ذكر الله وقراءة القرآن.

متى بدأ الاحتفال بالمولد النبوي

يقال إنّ أول من احتفل بالمولد النبوي باعتباره عيدًا، هم الفاطميون الذين حكموا مصر، وكان الاحتفال بالمولد النبوي، ضمن أعيادٍ ومواسم كان الفاطميون يحتفلون بها على مدار العام. وكانت مظاهر احتفالهم تتنوّع بين إيقاد القناديل طوال الليل في سائر شوارع مصر، وعمل الكثير من الولائم.

من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي
من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي

وقد ذكر الإمام المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار”، أن الأفضل ابن أمير الجيوش كان قد أوقف الاحتفال بالموالد بما فيها المولد النبوي، ثم أعاد الآمر بأحكام الله الاحتفال بها فيما بعد.

وقيل إنّ أولَ من احتفل بالمولد النبويّ على صورته الاحتفائية العامّة هذه، هو الملك المظفر الأيوبي صاحب إربل، وكان أوّل من ألّف حول الاحتفال بالمولد النبوي، أبو الخطاب بن دحية، ووضع كتابًا عنوانه “التنوير في مولد البشير النذير”، وأهدى الكتاب إلى الملك المظفر، فكافأه بمكافأة ضخمة.

وقد ذكر الإمام السيوطي في “الحاوي في الفتاوي”، أن الملك المظفّر كان يشارك بنفسه في الاحتفالات بالمولد النبوي، لدرجة أنه كان يرقص مع الراقصين، وأقام مجالس إنشاد للمتصوّفين تبدأ من ظهيرة يوم المولد وتستمر حتى الفجر.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي قديمًا وحديثًا

جرَت العادة في الاحتفال بالمولد النبوي قديمًا، أن يذبح الحاكم – أو السلطان أو الخليفة- ضحيةً كبيرةً لا مثيل لها، ويجلس الحاكم ومعه الأمراء وأعيان القضاة والعلماء والوعاظ والأعيان، مبتدئين الاحتفال من بعد صلاة العصر بقراءة القرآن وصلاة المغرب، ثم تُمَدّ موائد الطعام وتأتي طوائف الطرق الصوفية واحدةً تلو الأخرى، لكل منها راياتها وشعاراتها، وكان أصحاب هذه الطرق يجتهدون في التأنّق لهذا اليوم.

احتفال الرئيس السيسي بالمولد النبوي في أعوام مختلفة
احتفال الرئيس السيسي بالمولد النبوي في أعوام مختلفة

وحديثًا، تبدأ الاحتفالات الشعبية بالمولد النبويّ منذ بداية شهر ربيع الأول وتمتدّ أحيانًا حتى نهايته، وتتنوّع مظاهر الاحتفال بين إقامة مجالس الإنشاد ومدائح النبي عليه الصلاة والسلام، وحكاية سيرته وشمائله، وتقديم الطعام والحلوى. كما تنظّم المشيخة العامة للطرق الصوفية موكبًا للاحتفال بالمولد النبوي، ومؤتمرًا رسميًا يعقد في مسجد الحسين بالقاهرة.

كما تحتفل الدولة المصرية بالمولد النبوي، عبر احتفال تنّمه وزارة الأوقاف ويحضره رئيس الجمهورية، وشيخ الأزهر الشريف، ولفيف من الوزراء وقيادات الدولة، والقيادات الشعبية والمجتمعية.

احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي

تشارك كل طريقة من الطرق الصوفية، في الاحتفال بالمولد النبوي، ويمكن بسهولة رؤية الكثير من الأعلام والرايات التي تختص كل طريقة منها بلون وشكل مميِّزٍ لها، فعلى سبيل المثال:

  • الطريقة الرفاعية: اللون الأسود، والكتابة باللون الأبيض، مع استخدام رموز الثعبان والعقرب.
  • الطريقة القادرية: اللون الأخضر.
  • الطريقة الأحمدية: اللون الأحمر، والكتابة باللون الأبيض والأخضر، مع ساتخدام رمز السيف.
  • الطريقة البرهانية: الأبيض والأصفر والأخضر.
  • الطريقة الجيلانية: اللون الأخضر والكتابة باللون الأبيض.
  • الطريقة الدسوقية: اللون الأخضر والكتابة باللون الأصفر.
  • الطريقة الشاذلية: اللون الأخضر والكتابة باللون الأبيض والأصفر، مع كتابة الشهادتين مزخرفة.
احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي
احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي

 

المصادر

– الموالد والتصوف في مصر، نيكولاس بيخمان، ترجمة رءوف مسعد.

– الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، أبو بكر الجزائري.

– المولد النبوي: تاريخه/ حكمه/ آثاره، ناصر بن يحيى الحنيني.