بفيلم البيضة والحجر من إخراج المخرج المصري علي عبد الخالق، ينزح مدرس الفلسفة مستطاع من الريف إلى المدينة، محملا بعذوبة الفلسفة ومعاني الوجودية، وباحثا عن عالم أفضل في القاهرة عاصمة الفرص.

الفلسفة تسكن بالعاصمة

يسكن مستطاع مصادفة بغرفة فوق أسطح إحدى البنايات بالقرب من المدرسة التي يعمل بها، الغرفة ضيقة للغاية ورخيصة بصورة تدعو إلى الريبة، ولكن رخصها أكثر ما يغري مستطاع، حيث أنه قادم من عالم الغرف به أضيق.

تبشر البدايات مستطاع بمستقبل سهل حالم، فها هو مدرس للفلسفة التي يعشقها بمدرسة في قلب العاصمة التي رغب دوما بالقدوم إليها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حين يتم اتهام مستطاع بتخريب عقول الطلبة بفلسفته.

يواجه مستطاع الفصل من المدرسة، ويواجه أيضا إشكالية البقاء في غرفته الضيقة الرخيصة التي لا يملك إيجارها، وحين يكف عن الذهاب إلى المدرسة كل يوم ويربض بغرفته تأتيه المفاجآت التي توضح له رخص سعر غرفته.

قبل مستطاع كان يعيش بالغرفة رجل دجال، يخشى الجميع سحره وشعوذته، ويلجئون إليه رغم ذلك في حل مشكلاتهم عن طريق السحر، ولأن مستطاع بالصدفة البحتة يسكن مكانه، فهو بالضرورة ساحر هو أيضا ويمكنه حل المشكلات.

أحمد زكي في مشهد من فيلم البيضة والحجر
أحمد زكي في مشهد من فيلم البيضة والحجر

الدجل مقابل العلم

بالبداية يستنكر مستطاع جهل الناس ورغبتهم في دفع الأموال طواعية في سبيل الخرافة، وبعد محاولات أمينة منه لتخليص الناس بالعلم بدلا من السحر، يقرر مستطاع أن يسخر العلم الذي حصله ليكسب أكبر قدر ممكن من المال.

يعالج مستطاع مشكلات الناس عن طريق الإيحاء والفلسفة والتفهم التام، ولا غضاضة من مصاحبة طقوس بعينها ليقتنع الناس، كحفلات الزار وقراءة الطلاسم وإشعال البخور، طالما لن يضر الأمر أحدا.

ينجح مستطاع بفضل الفلسفة والإيحاء بالقفز درجات فوق السلم الاجتماعي، ويسكن ببيت كبير ويستخدم سيارة فارهة في تنقلاته، وتنتقل خدماته إلى أوساط اجتماعية أغنى وأرقى، ويحصد مستطاع المزيد من المال.

البيضة التي كسرها الحجر

ولأنه ليس للكذب قدمين، ولأنه أيضا بحاجة لقوة سياسية تحميه، يواجه مستطاع طلب أحد السياسيين البارزين بشفاء أبنته من مرض عضال، يحاول مستطاع أن يشرح للرجل القوي النفوذ انه ليس طبيب وإنما مجرد دجال فيسجنه الرجل.

البيضة والحجر تعبير شعبي دارج يعني القدرة على استخدام أكثر الأشياء هشاشة بالتوازي مع أكثر الأشياء صلابة للحصول على أكبر قدر من المنفعة بمهارة لا تصيب الأمر بأي سوء، وهو تعبير يدل على المهارة الشديدة في الكسب دون خسارة.

فيلم البيضة والحجر يعري بحدة قيمة الدجل والنصب والسلطة السياسية في المجتمع المصري بعد سياسات الخصخصة والانفتاح، تلك القيم المدمرة الدخيلة التي دفعت بالمعلم إلى خانة المخرب ودفعت بالدجال إلى خانة عيون المجتمع.

البيضة والحجر فيلم من أفلام الواقعية الجديدة بالسينما المصرية، والواقعية الجديدة موجة سينمائية آلت على نفسها حتمية مواجهة الواقع وليس تجميله أو تزييفه أو الهرب منه، بل حتمية تغيير إلى الأفضل.