الأمثال الشعبية مخزون ثقافي هائل و مراوغ
الأمثال الشعبية مخزون ثقافي هائل و مراوغ

الأمثال الشعبية مخزون ثقافي ارتبط بكل الشعوب؛ المتحضرة منها و غير المتحضرة، الغنية و الفقيرة، الأمثال الشعبية تراكم مذهل للذكاء الفطري و الذاكرة الشعبية الجمعية، وربما الذاكرة الشعبية البشرية، ببحث بسيط، سوف تجد أن الإنسان هو الإنسان، بغض النظر عن جغرافية نشأته، قد تختلف الأمثال باختلاف الثقافات قطعا، ولكنك سوف تجد بكل الثقافات أمثال على غرار ” في الوش مرايه وفي القفا سلايه ” ” ثور لاه في برسيمه ” ” إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها ” ” آدي دقني لو فلحت ” ” أبقى تف على قبري “.

كيف تخرج الأمثال الشعبية إلى الحياة

الخبرات البشرية؛ شأنها شأن الحياة نفسها، تراكمية، ما تقوله أو تسمعه كمثل شعبي، لم يصدر بين طرفة عين وانتباهها، لقد تمخض عبر عشرات السنين من الخبرة الحياتية اليومية، والتجارب النفسية الموغلة في القدم، المتأصلة تماما في النفس البشرية، ليولد أخيرا بعد أن تم توثيقه واعتماده، ” ثور لاه في برسيمه ” وهو مثل شعبي مصري دارج، ينطق عن طريق الخطأ ” تور الله في برسيمه ” والله ليس له ثيران، ولكن اللغات كالكائن الحي تماما، تتغير و تتبدل وتتحور، لتصبح بالنهاية عامية أو دارجة ومراوغة وأحيانا غير مفهومه ” ثور لاه في برسيمه ” تعني كل شخص لا يعول عليه، كل إنسان يرعى دون إحساس بالمسئولية.

أمثال شعبية

أمثال شعبيةالأمثال الشعبية وعلم النفس

” اكفي القدرة على فمها تطلع البنت لامها ” نحن أسرى لطباع آباءنا؛ شئنا ام أبينا، بنات كنا أو بنين، ومها حاولنا ألا نعيش بجلباب أبي، تأتي كل محاولاتنا بالعكس، فنعيش بجلابيب آباءنا، ولكن بتصرف، أو بقدر من الحرية والمساحة الشخصية ” اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لامها ” مثل شعبي يختزل التفسير التالي، إن أمكنك أن تضع القدرة المعدنية المستديرة الضخمة على فوهتها وتجعلها ثابتة لا تقع – وهو أمر صعب للغاية – يعادل تماما قدرتك على تربية أبناءك بقدر كبير من الإحساس بالمسئولية، تنتقل عبرها صفاتك أو خبراتك إليهم، الجدية والجلد والإحساس بالمسئولية والصراحة، فتصبح النتيجة أن تصير الفتاه نموذج من الأم أو الفتى نموذج من الأب، في مراوغة نفسية ربما كان على سيجمند فرويد الانتباه لها.

100 مثل شعبي من امثال مصر الشعبية 

الأمثال الشعبية و الذكاء الاجتماعي

” ثور لاه في برسيمه ” ” نقول ثور يقولوا احلبوه ” بأقل الكلمات وابسطها، استطاعت الأمثال الشعبية التعبير عن حالات إنسانية منتشرة بالمجتمع، كم من أشخاص هناك لا يعول عليهم ولا يمكنهم تحمل المسئولية؟ الكثير للغاية. كم من الأشخاص حاولت أن تقنعهم أن الثيران لا يمكن الحصول على الألبان منها وأصروا رغم ذلك أن الثيران يمكن حلبها أو أن الشمس تشرق من الشرق أو أن الله جل جلاله موجود.

الأمثال الشعبية تراث متصل

” يؤتى من مأمنه الحذر ” الجملة على لسان الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه؛ وهي تعني بمقاربة بسيطة ربما لا ترقى للغة الإمام شديدة العذوبة والثراء ” في الوش مرايه وفي القفا سلايه ” بكل جغرافيات العالم أنت ستجد ارث الأمثال الشعبية متصل بشكل أو بآخر، متغير أحيانا لكنه ثابت على نفس المعنى، علاقة راسخة لا تفنى بين السابقون واللاحقون، ثراء لغوي بسيط ومعجز يعبر عن كلمات أكثر بكثير من محاولة شرحها، يكفي أن تخبر احدهم أن ” ما شتمك إلا اللي بلغك ” ليفهم على الفور تاريخ العلاقة المبتذلة بينه وبين من بلغه، وان المثل الشعبي اختزال معجز لآلاف الحالات السابقة، التي اعتمدت على خبرات سابقة مشابهة، ونفسية إنسانية تقريبا لا تتبدل.

الأمثال الشعبية مخزون لغوي استراتيجي موازي

نشأت الحاجة للأمثال الشعبية لقول ما لا يمكن الجهر به علانية أو صراحة؛ وكأنها شفرة شعبية للبوح، أو لغة شعبية دارجة للتفاهم كشفرة مورس، إضاءات بسيطة، تعني كل شيء، وأقوال لا يمكن بحال حسابك عليها، فهي ملك للجميع أو بالحقيقة ليست ملك احد، هي ملك الذاكرة الشعبية الجمعية التاريخية، التي أفرزت لغة موازية يمكن استخدامها حين الحاجة للخلاص من قول الحقيقة بشكل مباشر أو الخلاص من حمل مسئولية قول الحقيقة، وربما للتندر أو التسلية فقط، بإرث ثري للغاية.